الشيخ نعيم قاسم
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ (النحل: 18)، ولعلَّ أعظم النعم هي الهداية إلى الإسلام، من خلال خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، وأئمة أهل البيت عليهم السلام الهداة المهديين. وقمة النعم في زمان الغيبة هو التوفيق لانتظار صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، حيث يجمع استقامة المنهج، ووضوح الطريق من خلال قيادته الحكيمة، والبشارة بالنصر تطبيقاً للوعد الإلهي للمؤمنين في آخر الزمان.
هذه النعمة المهدوية تشحن النفس الإنسانية بالمعنويات، وتحقِّقُ لها حالة روحية فريدة، وتجعل المؤمن مطمئناً إلى حاضره ومستقبله، في دنياه وآخرته، وهذا ما يؤدي إلى حالة اليقين والاستقرار والتسليم التي تفضي إلى السعادة الحقيقية. لاحظ معي كيف تتراكم سعادة هذه النعمة المهدوية من خلال المؤشرات الثلاثة التالية:
1 - المنهج المستقيم: وهو منهج الإسلام بدعامتيه: النظرية والعملية، أي القرآن والعترة الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام. هذا المنهج طريق الهداية المستقيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "كأني دُعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهم"(1). فلا عذر لمعتذر بأن لا يقتدي بمن يأخذ بيده إلى المنهج المستقيم. ولو راجعنا الآيات والروايات لوجدناها تؤكد دائماً على الارتباط بين المنهج وطاعة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى عليهم السلام، حيث لا يمكن الاهتداء بالمنهج من دون طاعة أولي الأمر المعصومين. قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7)، وقال جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء: 59)، وعن الإمام الرضا عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أحب أن يتمسك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتدِ بعلي، فإنَّه خليفتي على أمتي، وقوله قولي، وأمره أمري، من فارقه فارقني، لم يرني ولم أره يوم القيامة، وحرَّم الله تعالى عليه الجنَّة، والحسن والحسين إماما أمتي..، ومن ولد الحسين أئمة تسعة تاسعهم القائم، طاعتهم طاعتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم، المضيعين حرمتهم بعدي"(2).
2 - القيادة: هل يمكن الاهتداء إلى المنهج من دون قيادة؟ هل يكفي عمر الإنسان ليخوض التجارب الشخصية بحثاً عن الحقيقة؟ بل هل يكفي عمر البشرية كذلك؟ ألا نرى مستوى الانحراف والكفر مع كل ما أرسل الله تعالى من أنبياء ورسل؟ نحن بحاجة إلى القيادة التي ترشدنا إلى المنهج المستقيم، وإلاَّ عشنا الضياع والضلال، فعن النبي صلى الله عليه وآله: "من مات ولم يعرف إمام زمانه، فقد مات ميتة جاهلية"(3).
لقد عرَّفنا الإسلام على أصحاب هذه القيادة، فأوضح لنا أسماءهم ودورهم وموقعهم، فهم حزب الله في مواجهة حزب الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أحبَّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ علياً، وليعادِ عدوَّه، وليأتمَّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنَّهم خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، وحزبُهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"(4). إن وجود القيادة الواضحة الحكيمة تعبير عن شفافية هذا الدين، وتيسيرٌ لهداية الناس من خلال هذه الرموز القدوة، التي تحمل الأهلية الكاملة للتوجيه نحو الطاعة، وتمارس حياتها بأسمى خُلُق وأطهر أداء، فهم عنوان فخر واعتزاز، وهم تعبير عن الخصال التي تميِّز هذا الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا فاطمة، إنَّا أهلُ بيتٍ أُعطينا ستَّ خصال لم يُعطَها أحدٌ من الأولين، ولا يدركها أحدٌ من الآخرين غيرنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنَّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنَّا مهديُّ الأمة الذي يصلي عيسى خلفه. ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام، فقال: من هذا مهديُّ الأمَّة"(5).
3 - البشارة بالنصر: سينتصر دينُ الله تعالى في نهاية المطاف مهما علا شأن الكافرين والمنحرفين في هذه الدنيا، فالله تعالى يمهل ولا يهمل، وإرادته حاكمة في مدِّ الكافرين والمؤمنين، إلى أن تنتهي البشرية إلى وراثة المؤمنين لقيادة العالم تحت راية الإمام المهدي عجل الله فرجه، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 5)، وقال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: 105).
إنَّ انتظار النصر الإلهي الموعود يبرِّد قلوب المؤمنين، ويشد من عزيمتهم في صبرهم وتحملهم، ويؤملهم باستعداداتهم وانتظارهم، ويجعل جهوزيتهم مع الإمام المهدي عجل الله فرجه أقوى وأرسخ، إذ لا يخفى ما عند الإنسان من رغبة في أن ينجح وينتصر، وها هو وعد الله تعالى ماثل أمامه، بخطوات محدَّدة ومرسومة سلفاً، فالنصر الكامل مع ولي الله الأعظم الإمام المهدي عجل الله فرجه، ومساحته كل الأرض حيث يعمها نور حضوره وعدالته.
(1) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج10، ص369.
(2) العاملي علي بن يونس، الصراط المستقيم، ج2، ص126.
(3) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص212.
(4) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص92.
(5) الأربلي، كشف الغمة، ج3، ص283.