الشيخ بسام حسين
يمثل شهر رمضان المبارك المحطة الإلهية الكبرى خلال السنة، التي تتجلى فيها علاقة الإنسان بربه وخالقه بشكل خاص ومميز. ومن الطبيعي أن محطة كهذه، لن تمر دون أن تذكّر الإنسان بكل ما يهمه من أمر دينه ودنياه وآخرته، كما هو الحال في الكثير من المحطات الإلهية العظيمة. وحيث كانت عقيدتنا بإمام زماننا من أهم ما نعتقد به، ولها التأثير البالغ على علاقتنا بديننا، وسلوكنا في دنيانا، ومصيرنا في آخرتنا، فقد نال قسطاً هاماً من الاهتمام نحاول إلقاء الضوء عليه ضمن عناوين موجزة:
1 - الدعاء له عليه السلام:
ففي كل ليلة يتوجه المؤمنون إلى الله تعالى بالدعاء المعروف ب"دعاء الافتتاح"، حيث خُصصت العديد من فقراته للدعاء له بالتأييد والتسديد وتعجيل الفرج. ومن بين هذه الفقرات، نشير إلى هذه الفقرة التي يتوسل بها الداعي إلى الله بحق صاحب العصر والزمان، وهي تشير إلى عظيم بركته عند ظهوره: "اللهم المُم به شَعَثنا، واشْعَب به صَدعنا، وارتُق به فَتقنا، وكثِّر به قِلَّتنا، وأعزز به ذلتنا، وأغن به عائلنا، واقض به عن مُغرَمنا، واجبر به فقرنا، وسُدّ به خَلتنا، ويسِّر به عُسرنا، وبيِّض به وجوهنا، وفُكَّ به أسرنا، وأنجح به طلبتنا، وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا، وأعطنا به سؤلنا، وبلِّغنا به من الدنيا والآخرة آمالنا، وأعطنا به فوق رغبتنا، يا خير المسؤولين وأوسع المعطين، اشف به صدورنا وأذهب به غيظ قلوبنا، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
2 - ليلة القدر:
أما ليلة القدر فهي الليلة التي تنزَّل الملائكة والروح فيها على قلبه الشريف. فعن أبي جعفر محمد بن علي الثاني، عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لابن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون(1). ولعله لهذا الأمر ورد التأكيد في هذه الليلة على الدعاء الخاص للإمام عليه السلام المعروف بدعاء الحجة، فقد ورد عن الصالحين عليهم السلام: تكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله: "اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً (وعيناً) حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً"(2). قال بعض العلماء: "دلَّ هذا الحديث الشريف على أن الدعاء لذاك الأمر المنيف في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان أهم وآكد من سائر الأزمان، كما أنه في شهر الصيام أهم وآكد من سائر شهور العام، ووجهه: اجتماع جهات الإجابة والإنابة والإثابة في الليلة المذكورة ونزول الملائكة والروح وانفتاح ما لا يفتح في غيرها من أبواب الفتوح، بل يظهر من صريح بعض الروايات أنها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر"(3).
3 - توقّع الفرج:
وفي شهر رمضان يترقب المؤمنون ما جاء في بعض الروايات أنه من علامات ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف. فمنها: الصيحة التي يسمعها من في المشرق ومن في المغرب. فقد روى الشيخ النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم عليه السلام؟ فقال: يا أبا محمد، إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال محمد صلى الله عليه وآله: كذب الوقاتون، يا أبا محمد، إن قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء(4). وبسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في حديث أنه قال: "الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم (عليه السلام) فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين" عليه السلام... الحديث(5). ومنها: كسوف الشمس في وسطه وخسوف القمر في آخره على خلاف العادة الجارية. فقد روى النعماني أيضاً بسنده إلى بدر بن الخليل الأسدي، قال: "كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام فذكر آيتين تكونان قبل القائم لم تكونا منذ أهبط الله آدم صلوات الله عليه أبداً، وذلك أن الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره، فقال له رجل: يا بن رسول الله، لا بل الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف. فقال له أبو جعفر عليه السلام: إني لأعلم بالذي أقول، إنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم" عليه السلام(6).
4 - الإمام وعيد الفطر:
وفي يوم الفطر الذي هو عيد المسلمين الذي يجتمعون فيه للصلاة خلف إمام زمانهم، يبتهلون فيه إلى الله بالدعاء والتضرع مستشفعين بوجوده المبارك وطلعته الغراء الميمونة، وإذا بالعيد تلو العيد يمر والإمام غائب ..وهو يرى حقه بيد غيره... فعن عبد الله بن دينار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا عبد الله ما من عيد للمسلمين أضحى ولا فطر إلا وهو يجدِّد لآل محمد فيه حزناً، قلت: ولم ذاك؟ قال: لأنهم يرون حقهم في يد غيرهم(7). "ليت شعري أين استقرت بك النوى، أم أي أرض تُقلك أو ثرى... عزيز عليَّ أن أرى الخلق ولا تُرى...". اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين لإرادته والمستشهدين بين يديه.
(1) الصدوق ابن بابويه القمي: كمال الدين وتمام النعمة، ص304 - 305.
(2) الكليني محمد بن يعقوب: الكافي، ج4، ص162.
(3) الأصفهاني ميرزا محمد تقي: مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم، ج2، ص37.
(4) النعماني ابن أبي زينب: كتاب الغيبة، ص301- 302.
(5) المصدر السابق، ص262 - 263.
(6) المصدر السابق، ص279 - 280.
(7) الكليني محمد بن يعقوب: الكافي، ج4، ص169 - 170.