مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

أدب ولغة: لا تصالح لأمل دنقل: صرخة عبر الزمان

فيصل الأشمر

 



حين كتب الشاعر المصري الراحل أمل دنقل قصيدته التي سرت كالنار في هشيم الحياة الأدبية العربية في تشرين الثاني من العام 1967, لم يكن قد مر سوى أشهر قليلة على الهزيمة التي أصابت الجيوش العربية، على يد العدو الصهيوني في حرب حزيران من العام نفسه. ولد الشاعر أمل دنقل في محافظة قنا في الجنوب المصري في العام 1940, لكن مصبّ نهر حياته لم يكن بعيداً, ففارق الشاعر الحياة في العام 1983 بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. 

خلّف أمل دنقل ستة دواوين شعرية هي: مقتل القمر - البكاء بين يدي زرقاء اليمامة - تعليق على ما حدث - العهد الآتي - أقوال جديدة عن حرب البسوس - أوراق الغرفة (8). بالإضافة إلى عدة قصائد أخرى.  وقد احتوى ديوان "أقوال جديدة عن حرب البسوس" قصيدتين فقط هما "مقتل كليب" أو "الوصايا العشر"، التي ذاعت شهرتها بين الناس باسم "لا تصالح" و"مراثي اليمامة".  تتألف قصيدة لا تصالح من عشرة مقاطع أو وصايا موجهة من "كُليب"، ( الذي كان قتله سبباً في نشوء حرب البسوس )، إلى أخيه "الزير سالم" وهو على وشك الموت بيدي عدوه. لكن هذه الوصايا تتجاوز ذلك الزمن القديم الذي استوحاه الشاعر لقصيدته – زمن حرب البسوس – لتمتد كلماتها إلى زماننا الحالي, بما يحمله من هموم قومية تغطي سُحبها أراضي أمتنا الممتدة, ولا سيما ما يتعلق منها بقضية الأمة الأساسية أي قضية اغتصاب فلسطين.

وقد يكون الشاعر قد أراد من هذا الربط بين الزمان الماضي والزمان الحاضر، إعادة تذكير أبناء الأمة بماضيهم الشريف, حين كان الموت أشرف من العيش بمذلة, وحين كانت الحياة صنواً للعز والكرامة. تبدأ القصيدة بمقدمة تعرّفنا إلى مناسبتها، كالتالي: ".. فنظر "كليب" حواليه وتحسَّر، وذرف دمعة وتعبَّر، ورأى عبدًا واقفًا فقال له: أريد منك يا عبد الخير، قبل أن تسلبني، أن تسحبني إلى هذه البلاطة القريبة من هذا الغدير؛ لأكتب وصيتي إلى أخي الأمير سالم الزير، فأوصيه بأولادي وفلذة كبدي.. فسحبه العبد إلى قرب البلاطة، والرمح غارس في ظهره، والدم يقطر من جنبه.. فغمس "كليب" إصبعه في الدم، وخطَّ على البلاطة وأنشأ يقول". ثم تبدأ مقاطع القصيدة, التي يتكرر فيها النهي "لا تصالح" في كل مقطع من مقاطعها, وأحياناً أكثر من مرة في المقطع الواحد.  يبدأ الشاعر القصيدة على لسان "كليب"، مخاطباً أخاه ناهياً إياه عن الصلح مع العدو, مع تذكيره بما بينهما من قرابة وعلاقة وطيدة:
 

لا تصالحْ! / ... ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك / ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى:

ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،

هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

الصمتُ - مبتسمَين - لتأنيب أمكما..

وكأنكما / ما تزالان طفلين!

تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

صوتانِ صوتَكَ

أنك إن متَّ: / للبيت ربٌّ / وللطفل أبْ

هل يصير دمي - بين عينيك - ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس - فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ! / قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ.. / ولا تتوخَّ الهرب!

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

أكلّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟ (...)

وينبه "كليب" أخاه إلى الإغراءات التي قد تلقى أمامه لكي يصالح, محذراً إياه من الاطمئنان إلى اليد التي قتلت أخاه – أي كليباً نفسه – قائلاً:

لا تصالح / ولو توَّجوك بتاج الإمارة

كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟

وكيف تصير المليكَ..

على أوجهِ البهجة المستعارة؟

كيف تنظر في يد من صافحوك..

فلا تبصر الدم.. / في كل كف؟

إن سهمًا أتاني من الخلف.. / سوف يجيئك من ألف خلف

فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة

لا تصالح، / ولو توَّجوك بتاج الإمارة

إن عرشَك: سيفٌ / وسيفك: زيفٌ

إذا لم تزنْ - بذؤابته- لحظاتِ الشرف

واستطبت الترف

بعد ذلك يحذر "كليب" أخاه من الركون إلى الذين لا يحبذون النهوض في مواجهة العدو, فيقول:

لا تصالح / ولو قال من مال عند الصدامْ

".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."

عندما يملأ الحق قلبك: / تندلع النار إن تتنفَّسْ

ولسانُ الخيانة يخرس

لا تصالح / ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

كيف تنظر في عيني امرأة..

أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

كيف تصبح فارسها في الغرام؟

كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

وهو يكبر - بين يديك- بقلب مُنكَّس؟

لا تصالح / ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس) / فوق الجباهِ الذليلة!

ويختم الشاعر قصيدته, التي لم نعرض سوى حوالي نصفها في هذه المقالة, مؤكداً على طلبه من شقيقه أن لا يصالح:

لا تصالح

فليس سوى أن تريد

أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

وسواك.. المسوخ!

لا تصالحْ

لا تصالحْ

لا تصالحْ

ولكليب, ولأمل دنقل نقول: ناما قريري العيون, فقد وُلد من يلبس الدرع كاملةً، من يوقد النار شاملةً، من يطلب الثأرَ، ويستولد الحقَّ من أَضْلُع المستحيل، كما تنبأ دنقل في قصيدته هذه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع