صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

معرفة الغاية وأهميتها في تهذيب النفس

إن معرفة الهدف الذي خلقنا لأجله، واكتشاف الحكمة العظيمة من وراء الخلقة، والتجول في آفاق النفس الإنسانية، كل هذه تحوز على أهمية فائقة في برنامج السير والسلوك إلى الله. بل يمكن القول أن عدم تحديد الغاية من وجودنا بدقة سوف يعطل أية حركة ايجابية باتجاه المقصد، ويوصد الباب أمام الرقي والتكامل.
وهذا ما نقوم بشرحه في بحثنا الحالي.


* وجود الهدف
ولكن قبل الدخول في صلب الموضوع ينبغي أن نلفت النظر إلى أن الغاية في الوجود الإنساني بل في كل الموجودات أمر تقتضيه الحكمة الإلهية. وما ادّعاه البعض من نفي الغاية يرجع إلى جهلهم التام بحقيقة الأسماء الإلهية، وقصور نظرهم على بعض الظواهر الروائية. فغن ما يصل إليه العاقل اللبيب والعارف الرشيد هو حتمية وجود الغاية في الخلق بمراتبه المتنزلة حتى أسفل الدرجات.
- فالله هو الحكيم: الذي لا يفعل أي شيء عبثاً: تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
- ومقتضى الحكمة المطلقة صدور الأفعال لغايات عظيمة وهذا العالم بكل سكانه هو أحد تجليات الفيض الإلهي والقدرة اللامتناهية لرب العالمين.


* هدف الله وهدف الإنسان

وربما وقع البعض في هذه الشبهة فخلطوا ما بين هدف الله لذاته وهدف الإنسان في حياته. ونظراً لما فهموه من مسألة التنزيه، فقد اعتبروا الحديث عن غاية الله جهلاً بحقيقة الكمال الإلهي المطلق. لأن الله هو الغني المطلق، مما يعني أن وجود الهدف له يدل على أنه محتاج ناقص تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وهنا ينبغي التمييز بين الأمرين، فالحديث عن الغاية التي خلقنا لأجلها يرتبط بالهدف السامي للحياة الإنسانية، وهذا ما لا ينكره كل مؤمن بحكمة الله ولطفه.

ومن جانب آخر، فإن حصر معنى الغاية في مورد الساحة الإلهية بالسعي لأجل الكمال، والخروج من النقص والفقر، أو طلب اللذة وغيرها، يعطي معنى ناقصاً للقضية. لأن نفس الفعل الإلهي بغض النظر عن ما يصدر عنه قائم على أساس الحكمة التي تعني الغائية ونفي العبثية. أما القول بعدم وجود الهدف فإنه هروب إلى الأسوأ... وصحيح أن أكثر الناس لا يستطيعون إدراك مثل هذه القضايا الإلهية، والتدبر في مثل هذه المعارف الغيبية، ولكن قصورهم الذي فعلوه بأيديهم "لا ينبغي أن يصبح حاكماً علينا في مثل هذه الأبحاث".
إن خلق العالم وما فيه كان بمقتضى التجلي وبتعبير آخر: إن الحكمة والقدرة واللطف والخير تقتضي وجود هذا العالم.

ولا يعني هذا بتاتاً أن الله كان محتاجاً فخلقنا ليسد بذلك احتياجه، لأن هذا من سخف القول وهزله. ولم يخلق العالم ليشعر بلذة ناقصة لأنه هو الكمال المطلق الذي لا حد له أبداً.
ولو استطعنا أن نقرب الفكرة إلى الأذهان لضربنا مثلاً: صدور الأعمال الفنية من الفنانين العظام الذين لا يبتغون أجراً مالياً، والإنفاق المالي الذي يقوم به الكرام...
هذا مع وجود نقص واضح في هذا المثال لأن الإنسان لا يفعل فعلاً إلا إذا رأى أن نتيجته تعود عليه بنفع ولذة.

إن شروق مثل هذه المعارف على قلب الإنسان يقطع ظلمة اليأس ويهدم منزل الشكوك العفن. فهي دعوة إلى كل طلاب الحقيقة ليفتحوا على قلوبهم نوافذ الغيب فتهطل عليها أمطار الرحمة اللامتناهية: "لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله تعالى لما مدوا أعينهم إلى ما متع به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها..".
والآن لنرجع إلى أصل البحث حول الغاية العظيمة والهدف السامي للحياة الإنسانية.

* معرفة الغاية شرط في السير والسلوك
في هذا الاستعراض السريع لن نتمكن من تحديد الغاية بالطريقة الاستدلالية. وما يعنينا في هذه الحلقة هو التأكيد على أهمية معرفة الغاية على أساس أن هذه المعرفة تعد من الشروط الأساسية في السير والسلوك إلى الله.
فقد يطرح البعض هذه الفكرة قائلاً: لنفرض أننا لم نعرف الغاية منذ البداية، ولكننا سوف نصل إليها من خلال العمل الصالح والعبادة المخلصة.. فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل يمكن فعلاً أن يصل الإنسان إلى الغاية التي خلق لأجلها والتي يحاسب على أساسها بدون معرفتها المسبقة؟؟

والجواب: إن الطريق إلى الله هو طريق العمل بعد الإيمان. وليس كل عمل هو الذي يقع مورد القبول عند الله. وإنما العمل الإلهي الذي صدر الأمر به من الله تعالى. فهو الذي يرفع الإنسان ويرتقي به في مدارج الكمال.
ولكن، هل أن كل الناس يتساوون في نتائج أعمالهم وعباداتهم؟ بالطبع لا، فإن هناك عاملاً أساسياً ينبغي أن يمتزج بالعمل حتى يكتسب العمل صفته المعنوية، ويصبح وسيلة لتكامل الإنسان وعروجه. وهذا الشرط هو النية الصالحة "إنما الأعمال بالنيات".
ولقد ورد التأكيد على هذا الأصل إلى درجة كبيرة، حتى لقد جاء في الأحاديث الشريفة أن "نيّة المؤمن خير من عمله".

والآن نتساءل: ما معنى النية، وما هو جوهرها؟
كيف تصبح النية أساساً متيناً لصلاح العمل؟

الجواب أيضاً: إن أهم ركن في النية هو التوجه إلى المقصد الصحيح، وبتعبير آخر فإن ما يجعل النية في إطارها السليم هو عندما يكون العامل مستحضراً للهدف الصحيح من وراء العمل.
فلو كان العابد أو المجاهد متوجهاً إلى غير المقصد الحقيقي أو اشك معه شيئاً آخراً في نيته لحبط عمله.

* الخلاصة
1- وجود الهدف أمر تقتضيه الحكمة الإلهية.
2- ينبغي التمييز بين هدف الله وهدف الإنسان.
3- الله هو الغني المطلق فلا نقص منه أبداً.
4- وهو الحكيم المطلق فلا يفعل شيئاً عبثاً.
5- إن مقتضى تجلي الكمال الإلهي وجود هذا العالم.
6- الإنسان قد خلق لأجل أن يصل إلى الهدف السامي.
7- وهو يحاسب على أساس الوصول إليه.
8- لا يمكن أن يصل إلى الهدف بدون معرفته مسبقاً.
9- لأن العمل براق العروج.
10- ولا يصح العمل بدون النية الصحيحة.
11- والنية الصحيحة تعني استحضار الهدف حين العمل.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع