يعتبر كتاب "دروس في تهذيب النفس" من الكتب الأخلاقية التدريسية والممنهجة المهمة التي كتبت في هذا المجال. حيث هدف المؤلف من خلاله إلى تصحيح مفهوم الأخلاق عند الناس، بعد أن أتخذ مناحٍ ووجهات نظر متعددة، والذي يتميز به هذا الكتاب، هو الارتباط الوثيق بين أفكاره، وتركيزه من بدايته إلى نهايته على مبدأ العلاقة بين العبد وربه. كما ركَّز على ترسيخ مبدأ هدفية الإنسان وسعيه نحو كماله.
وتقرأ بين سطور هذا الكتاب حلاً للمشكلة القائمة التي ترى في الإنسان مستودعاً للفيوضات الإلهية، لا حد له. وحيث إن الله سبحانه هو الفيض اللامتناهي، توجب أن يكون المستودع مملوءاً، وهذا ما ليس واقعاً في الإنسان. حيث نراه فاقداً في الغاب للكمال، ساعياً نحوه، فلا بد إذاً من وجود مشكلة، إما من الله تعالى وهو محال إذ إنه الفيض المطلق ﴿وهو معكم أينما كنتم﴾، وأما من الخارج كالفقر والمرض والسجن، وقد أثبتت التجارب بطلانها. فتبقى المشكلة في ذلك من الإنسان نفسه الذي ينشغل وينصرف، عن تلقي الفيوضات الإلهية، بالعلائق المادية الزائلة. كما شغلت مسألة العبودية التي تمثل الصلة والاتصال بالفيض المطلق، والخرق للحجب بين العبد وربه، حيزاً كبيراً من دروس هذا الكتاب، حيث خصص المؤلف لها جملة من الدروس امتدت من الدرس الخامس إلى نهاية الكتاب.
كتاب في غاية الأهمية، واقع في 144 صفحة من القطع الوسط، ينبغي بكل مهتم بهذا الجانب الإطلاع عليه، صادر عن مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إعداد السيد عباس نور الدين. يتألف الكتاب من ستة عشر درساً توزعت مواضيعها على الشكل التالي:
* الدرس الأول
عرض المؤلف في هذا الدرس للكلام عن الصراع المرير بين الروح وعالم الطبيعة أو المادة، والذي تحكيه قصة الإنسان، منذ فجر التاريخ، والذي لا يخرج منه ناجياً إلا من تعلق قلبه بالمبدأ الأعلى، وسافرت نفسه إلى حقيقة المنتهى، بقدم المجاهدة والإخلاص، وبراق العجز والفقر. بعد ذلك انتقل إلى تعريف علم الأخلاق الذي هو فرع الحكمة العملية، والذي ينظر إلى البعد الروحي في وجود الإنسان، ويلفته إلى مصيره بقوله تعالى: ﴿ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها﴾.
حيث أن تحديد وجهة سير الإنسان وعاقبته، إنما ترتكز على المحتوى الحقيقي للنفس، التي تمثل الهوية الحقيقية للإنسان، والتي يمكنها في نظر أهل السير والسلوك أن تتكامل، فترتفع إلى أعلى عليين، أو تتسافل فتسقط إلى أسفل سافلين، حسبما تعتمده من منهج في هذه الحياة. والجدير ذكره أن هذه النفس تقبل التغيير وترفض الثبات والجمود. وهذه المسألة هي الخطوة الأولى التي ينبغي على السالك أن يخطوها، بعد إداركه لحقيقة وجوده المرتبط بالوجود المجرد عن المادة، وإدراكه لحقيقة دعوة الأنبياء. كما على المرء أن يعي ويفهم الغاية العظيمة التي يحددها علم السير والسلوك إلى الله فهماً تاماً حتى يتحقق له السفر والخروج من سجن الطبيعة المظلم، أو من سجن النفس الإنسانية، ولا شك ولا شبهة بأن هذه الغاية تتمثل بالوصول إلى سعادة "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
ومن هنا عليه أن يعي:
1- ارتباط موضوع الغاية بالرؤية الكونية الشاملة للوجود.
2- اختلاف غاية الله من خلقنا عن الغاية التي خلقنا للوصول إليها.
3- إن التهاون في تحديد الغاية والغفلة عنها، يوقع السالك في مآزق أشد وأخطر من تلك التي تجنبها أول سيره.
هذا وأشار المؤلف في نهاية هذا الدرس إلى البرنامج السلوكي الذي يطرحه علم الأخلاق، والذي يعتمد الرياضة القلبية المتمثلة بسلسلة العبادات والأعمال والمجاهدات، لبلوغ السعادة والكمال.
* الدرس الثاني
في هذا الدرس عرض المؤلف للكلام عن التفكر الذي هو أول السير، ذلك التفكر الذي ينبه إلى احتياج وفقر الموجودات جميها، ومن ثم يهدي إلى الغني المطلق الذي به قوام الحياة، من خلال سعي هذه الموجودات لسد حاجات أصيلة عندها لا تعرف الشبع. ومن أولى من الله سبحانه (الوجود المطلق والغنى المطلق والقدرة المطلقة) بسد هذه الحاجات. ومن هنا فإن أدنى تدبر في النفس الإنسانية وحاجاتها، يهدي إلى الله تعالى. هذا وأشار المؤلف إلى الأُمور الفطرية المجبولة في النفس الإنسانية والتي لا تنفك عنها أبداً. وهذه تتمثل ب-:
أ- حب الاستطلاع وطلب العلم.
ب- السعي لامتلاك القدرة والسيطرة.
ج- الحاجة للارتواء العاطفي.
والجدير ذكره إن هذه الحاجات، لا تعرف الشبع مطلقاً، ذ كلما ازداد المرء منها كلما ازداد عطشاً لها. وتتجلى الحكمة الإلهية من إيداع هذه الحاجات في بني البشر، في سعي الإنسان لإشباعها وسدها بشكل كامل. وهذا لا يتحصل إلا عند من يملكها بشكل مطلق وهو الله سبحانه وتعالى، ومن هنا أصبح الهدف من خلقنا هو الوصول إلى الكمال، حيث العلم المطلق والقدرة المطلقة والحياة الدائمة. وأشار المؤلف في نهاية الدرس إلى مقدمات السير نحو الهدف وهي:
- القيام لله في جميع الأعمال الشخصية والفردية أو النشاطات الإجتماعية.
- مراجعة كل الأفكار والاعتقادات.
- تهذيب النفس واغتنام عمر الشباب في ذلك.
- متابعة الأدلاء عليهم السلام ليأخذوا بأيدينا إلى سبل السلام.
* الدرس الثالث
تمحور الكلام في هذا الدرس، حول السفر والانطلاق نحو المحبوب الذي لا يتحقق إلا بتهذيب النفس وإزالة الحجب عنها، وتحطيم العوائق والموانع التي تقف حجر عثرة في طريق السالك إلى الله تعالى. وقد ذكر المؤلف في هذا الإطار عدة من الحجب المعنوية هي التالية:
1- حجاب عدم القابلية والاستعداد الذاتي للسفر
وهذا يكون بتعطيل العقل عن فهم حقيقة السير والسلوك وعدم تقبل التكليف الإلهي، ومن ثم حجبه (أي العقل) بالانشغالات الاعتبارية والوهمية عن الإستفادات الحقيقة. وقد عرض المؤلف في هذا المجال، للحديث عن كيفية أحياء العقل التي تتمثل بطلب العلم والاشتغال به، إضافة إلى التضرع والدعاء والتوسل بأهل بيت العصمة عليهم السلام.
2- حجاب الغفلة وعدم التوجه
والمقصود به غفلة القلب عن المقصد الحقيقي، أو عن كيفية السير إليه. وهذا الحجاب يتم رفعه بالموعظة، وتذكر الموت والتدبر في أحوال الماضين، والنظر في أسباب السعادة والشقاء، والقيام لله تعالى في جميع الأحوال والأزمان.
3- حجاب الذنوب والمعاصي
الذي يمنع السالك من النهل من الفيوضات الإلهية وأنوار الهداية الرحمانية، ويجعله محطاً لوسوسات إبليس وجنوده مما يؤدي به إلى حط عنان السفر. ليس هذا فحسب، بل قد يؤدي به الأمر إلى الانقلاب على العقب ومحاربة الدين.
4- حجاب الآراء الفاسدة والعقائد الباطلة
ومنشؤها:
أ- الأخذ من كل من يعرض بضاعته في هذا المجال، نتيجة الحب الشديد لسلوك هذا الطريق.
ب- الاعتقاد أو الظن السائد عند معظم الناس، بأن مسائل تهذيب النفس والسير والسلوك تقتصر على كبار العرفانيين أو المتنسكين المنزوين في بيوتهم. أو الاعتقاد بصعوبة تحصيل هذا الأمر.
ج- الاعتقاد بأن العرفان هو وليد مدرسة الفرس واليونان، وليس وليد التعاليم الإسلامية.
* الدرس الرابع
في هذا الدرس عرض المؤلف للكلام عن العبودية الحقة، ذلك السبيل الوحيد الذي يوصل المرء إلى الله تعالى، كما حدده القرآن الكريم. والعبودية- كما يراها المؤلف- هي الانخلاع عن الأنانية وتركها، والانعتاق من ربقة العبودية لغير الله تعالى، والإذعان بالفقر والحاجة له وحده سبحانه. وبمعنى آخر، إنها الطاعة المطلقة لله سبحانه التي لا تتحقق إلا عبر أداء التكليف الإلهي في كل المجالات. بعد ذلك تطرق المؤلف إلى الكلام عن الكمالات التي قد يصل إليها البعض، ممن تنكبوا عن جادة الحق، فعزاها، في الغالب، إلى جملة من الرياضات الصعبة أو إلى المواظبة على بعض الأذكار والأوراد الخاصة، وهي بالتالي ليست دليلاً على حقيقة الوصول، ولا شاهداً عليه، على الرغم من كونها من اللوازم الحقيقية للرياضات الصحيحة، ومن هنا كان منشأ تسميتها بحجب النور.
هذا وأشار المؤلف إلى أن حقيقة العبودية إنما تتحصل بأمرين،
الأول: الالتزام بالأمر الإلهي الصادر عن المعبود بجميع الأبعاد الإنسانية الظاهرية والباطنية.
والثاني: أدار العبد للفعل على وجه الخضوع والامتثال والإذعان للحق تعالى.
وليس خفياً في هذا المجال، إن طريق الوصول إلى العبودية يبدأ بمعرفة التكليف، الذي له أدلاء خاصون متمثلون بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بالأئمة عليهم السلام من بعده، ومن ثم بالولي الفقيه. والخطوة الثانية بعد أداء التكليف هي مسألة التطبيق الفعلي له بإخلاص وتوجه تأمين نحو الحضرة الإلهية. والجدير ذكره أن التكليف نوعان: عام، يتوجه إلى الناس كافة. وخاص، يتوجه إلى كل إنسان على حدة. وهذا الأخير يتحدد بالنظر إلى الأمور التالية:
أ- الظروف الزمانية والمكانية.
ب- القدرات الذاتية.
ج- القابليات والاستعدادات الذاتية.
* الدرسان الخامس والسادس
في هذين الدرسين دار الكلام حول القرآن الكريم، ذلك السفر الإلهي والثقل المربي لأولياء الله تعالى، والهادي والمرشد والنور والمخرج متبعيه من الظلمات إلى النور، حيث قال عز من قائل: ﴿قد جاءكم نور من ربكم وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾. وحتى يتحقق مصداق هذه الآية، ويصبح القرآن هادياً لنا وسبيلاً للوصول إلى دار السلام، حيث السعادة المطلقة، لا بد لنا من مراعاة هذه السلسلة من الآداب المعنوية في قراءته:
1- التعظيم
فليلحظ القارئ عظمة منزل القرآن الكريم (الله) وحامله (جبرائيل) والمتكلم به وشارحه (الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) ووقت تنزيله (ليلة القدر)، لما في ذلك من أثر عظيم في حصول الهداية، وحلول معاني القرآن في القلوب.
2- فهم مقاصد القرآن الكريم وأهمها
- معرفة الله.
- السير والسلوك إلى الله.
- قصص الأنبياء.
- أحوال الكفار والجاحدين.
- أحوال المعاد.
- بيان ظاهر الشريعة.
- احتجاجات الحق على الناس.
3- معرفة كيفية الاستفادة من القرآن الكريم
على أن ينظر إليه ككتاب تعلم وإفادة.
4- رفع الحجب والموانع ومنها
- حجاب رؤية النفس.
- حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة.
- حجاب الاعتقاد باقتصار الاستفادة على ما كتبه المفسرون.
- حجاب الذنوب والمعاصي والمنكرات.
- حجاب حب الدنيا.
5- حضور القلب والخشوع والخضوع
6- التفكر والتدبر في آيات القرآن
7- التطبيق
ويكون باللجوء إلى كل آية والتفكر بها والعمل على تطبيق مفادها على النفس، ومداواة أمراضها بها.
8- الإخلاص
وهو تخليص النية عمَّا سوى الله تعالى، والتوجه التام إليه:
9- التمسك بالثقل الثاني وبالقرآن الناطق وهم أئمة الهدى عليهم أفضل الصلاة والسلام
محبة أهل البيت- وهم الأولياء الكمل- تؤدي إلى مشاكلتهم والإقتداء بهم حيث وصلوا هم إلى أعلى درجات الكمال، فتكون هذه المحبة بذلك أفضل وسيلة لتهذيب النفس.
* الدرسان السابع والثامن
تحت عنوان "محبة أهل البيت عليهم السلام أفضل وسيلة لتهذيب النفس" تطرق المؤلف إلى الكلام عن هذه المحبة، وما تؤدي بالإنسان إلى الوصول إلى حقيقة العبودية التي تؤدي بدورها إلى تهذيب النفس وإصلاحها. وقد اعتبر المؤلف المحبة والتمسك بأهل البيت عليهم السلام من أشرف التكاليف الإلهية، نظراً إلى أن محبة الأولياء الكمّل تؤدي إلى مشاكلتهم والإقتداء بهم حيث وصلوا هم إلى أعلى مراتب الكمال. ثمّ عمد إلى تعريف الحب الذي هو تعلق خاص وانجذاب مخصوص بين المرء وكماله.
بعد ذلك أشار المؤلف إلى حقيقة مهمة، وهي أن جميع الأنبياء عليهم السلام لم يطلبوا من أتباعهم أجراً على رسالاتهم، وقد كانوا يطلبون الأجر من الله سبحانه، إلا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد طلب الأجر على رسالته، وهو محبة أهل بيت العصمة عليهم السلام والمودة في القربى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى﴾. وفي ذلك فائدة كبيرة للأمة حيث تشكل هذه المحبة السبيل الوحيد إلى الله تعالى: ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً﴾.
ولأن محبة أهل البيت عليهم السلام تنطلق من حب الله تعالى، وبما أن لحب الله تعالى الذي هو حب للكمال الحقيقي دور كبير في تهذيب النفس، أصبحت محبة أهل البيت عليهم السلام أفضل وسيلة لتهذيب النفس وإصلاحها. في نهاية هذين الدرسين، عرض المؤلف لطرق تحصيل محبة أهل البيت عليهم السلام والتي تتم عبر طريقين:
1- الطريق العلمي
وذلك بالتعرف على سيرتهم والتدبر في كلامهم وتعاليمهم.
2- الطريق العلمي
ويكون باتباعهم والطاعة لهم، فإن الإتباع والطاعة يولدان المحبة ويقويانها، وبالمواظبة على زياراتهم.
*الدرس التاسع والعاشر
في هذين الدرسين عرض المؤلف للكلام عن الإخلاص وموقعيته بالنسبة للعمل، الذي لا يتم عبور العوالم المعنوية، وطي المدارج الكمالية دونه.
وأشار المؤلف إلى أن الاقتصار على الإيمان القلبي وعالم المعنى لا يحكي إلا عن النفاق الأكبر. وإن تحصيل الفائدة المعنوية وحصول الأثر النوراني للعمل، لا يكون إلا برعاية جملة من الآداب المعنوية، يأتي على رأسها الذي هو تصفية العمل عن كل شائبة سوى الله تعالى، وتصفية السرّ عن رؤية غير الحق في جميع الأعمال الصورية واللبية، الظاهرية والباطنية. ثم إن الإخلاص على قسمين: خلوص الدين والطاعة لله تعالى. وخلوص النفس له. بعد ذلك تناول المؤلف الكلام عن آثار الإخلاص، فحددها في أربعة آثار هي:
1- الأمن من غواية الشيطان.
2- الإعفاء من حساب يوم الحشر والأمن من صعقة يوم القيامة.
3- الثواب والأجر بما وراء طور أجر العمل ومقداره.
4- أداء حق الحمد والشكر للذات الأحدية.
أما مراتب الإخلاص فقد ذكر المؤلف ستة مراتب هي:
1- تصفية العمل عن رجاء رضا المخلوق.
2- تصفية العمل عن حصول المقاصد الدنيوية.
3- تصفية العمل عن الوصول إلى الجنات الجسمانية والحور وغيرها.
4- تصفية العمل عن خوف العقاب والعذاب.
5- تصفية العمل عن الوصول إلى السعادات العقلية واللذات الروحية.
6- تصفية العمل عن خوف عدم الوصول إلى هذه اللذات.
وهناك درجات أُخرى للإخلاص هي:
تصفية العمل عن رؤية استحقاق الأجر والثواب.
تصفية العمل من الاستكثار والفرح به.
* الدرسان الحادي والثاني عشر
تحت عنوان العوالم المتقدّمة على عالم الخلوص، أشار المؤلف إلى أثني عشر عالماً، على السالك، عبورهم للوصول إلى وادي المخلصين، وهذه العوالم هي: الإسلام الأصغر، الإيمان الأصغر، الهجرة الصغرى، الجهاد الأصغر، الإسلام الأكبر، الإيمان الأكبر، الهجرة الكبرى، الجهاد الأكبر، الإسلام الأعظم، الإيمان الأعظم، الهجرة العظمى، والجهاد الأعظم.
* الدرس الثالث عشر
في هذا الدرس، عرض المؤلف لشروط ومهمات عالم الجهاد الأكبر الذي يتمثل بجهاد النفس الأمارة، والذي هو عبارة عن انتصار المرء على قواه الظاهرية وجعله إياها مؤتمرة بأوامر الخالق عز وجل، وتطهير مملكة وجوده من دنس وجود الشيطان وجنوده. هذه الشروط هي:
1- معرفة النفس، التي هي أعدى أعداء الإنسان.
2- معرفة الله الذي يمدّه بالجنود الرحمانية في جهاده هذا.
3- معرفة أمراض النفس وطرق نفوذ الشياطين الغدارة إليها.
4- معرفة البرنامج السلوكي الذي يمكنه من مواجهة هذه النفس وإصلاحها.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى بيان مسألة مهمة، وهي أن الفهم الخاطئ والاعتقاد الباطل في معرفة النفس يؤدي بالسالك إلى الانحراف والخرج عن حدود الله، ومنها انتقل إلى الكلام عن شرط مهم في معرفة النفس هو علم السالك بأن المقصود ليس مجاهدة مطلق النفس، بل النفس الأمارة بالسوء. كما ينبغي على السالك أن يعرف أن الله ركَّب نفسه المجردة على مراتب سبع لكل منها أمراض وأعداء هي التي ينبغي النهوض لمجاهدتها ومجابهتها.
* الدرس الرابع عشر
في هذا الدرس، عرض المؤلف للشرط الثاني الذي ينبغي أن يراعيه السالك في عالم الجهاد الأكبر إلا وهو معرفة الله عز وجل، التي هي غاية خلق السماوات والأرضين ونزول الملائكة المقربين وبعث الرسالات كلها.
ولفت إلى أن السير والسلوك وتهذيب النفس وإصلاحها لا ينفصل بتاتاً عن طلب معرفة الله، بل أن هذه الأخيرة تتكامل بالسير العملي والسعي والمجاهدة الأنفسية. بعدها تطرق إلى الكلام عن آثار هذه المعرفة في حياة المرء، حيث توصله إلى سعادة قرب النوافل، وشوق اللقاء، والزهد في الدنيا، الذي يعتبر الخطوة الأولى في طريق السير والسلوك. ليس هذا فحسب، بل تتكامل معه لتخرجه من غصات وآلام الوحدة إلى نور التوحيد والشفاء الأبدي. وفي نهاية هذا الدرس كان للمؤلف وقفة مع شروط معرفة الله والتي تمل ب-: تطهير الوعاء القلب، الإخلاص والتوجه التام، المواظبة على المراقبة، الدرس والتعلم وسماع العلم من لسان الغيب الأوحد وخلفائه، وأخيراً، الوصول إلى حقيقة الاعتراف بالعجز والمذلة والفقر والفاقة.
* الدرس الخامس عشر
هنا عرض المؤلف للشرط الثالث من شرائط الخوض في عالم الجهاد الأكبر، والذي يتمثل بمعرفة الأمراض النفسية لكل من مراتب النفس السبعة. فإن ذلك شرط أساسي لاقتلاعها. بعدها انتقل إلى الكلام عن أمراض هذه المراتب كل على حدة. فابتدأ بأمراض المرتبة الأولى (البدن): والتي هي الأمراض الجسمانية التي ينبغي الرجوع في علاجها إلى الأطباء. أما أمراض المرتبة الثالثة (الخيال): فهي عبارة عن الوساوس الشيطانية والصور الخيالية الفاسدة التي تنشأ من جرَّاء التعلق بعالم الطبيعة وحب الدنيا. وأمراض المرتبة الثالثة (العقل): تكمن في إشغال العقل بغير الأمور الحقانية، وبغير ما ينبغي له من الأمور الشريفة والفرائض الشرعية من المعارف الربانية. أمراض المرتبة الرابعة والأخيرة (القلب): وهذه كثيرة منها النفاق والرياء والعجب.. وهناك أمراض المراتب الأُخرى تنضوي جميعها تحت عنوان واحد هو الخروج عن سلطان الحق. وغالباً ما يكون منشؤها الوقوع في الحجب النورانية. بعدها أشار المؤلف إلى مسألة مهمة جحداً تأتي بعد معرفة هذه الأمراض والنهوض لإزالتها، هي النظر في حقيقتها وآثارها التي لا تزول بتقادم الزمان، وذلك لسببين:
الأول: فقدان المؤتمر الظاهري الذي يدل عليها.
والثاني: وجود مراتب عديدة ودرجات خفية لكل مرض منها.
* الدرس السادس عشر
تناول فيه المؤلف الكلام عن البرنامج السلوكي الذي تعد معرفته الشرط الرابع الذي يجب مراعاته في عالم الجهاد الأكبر. وهو عبارة عن الأعمال والرياضات التي يجب اتباعها في مواجهة الأعداء الباطنيين والتغلب على الجنود الإبليسيين. والبرنامج السلوكي لتصفية الباطن وتطهير السر- كما يراه المؤلف- ينبع من الشريعة الغراء بالدرجة الأولى، وأعمدته الحقيقية هي الفرائض الإلهية.
وفي نهاية هذا الدرس، ذكر المؤلف شروطاً ينبغي مراعاتها لتنظيم طريق السير في الأعمال والأوامر الإلهية تتمثل بـ:
- متابعة الأستاذ والمربي.
- الرفق والمداراة بالنفس وملاحظة حالاتها.
- الثبات والمداومة على العمل.
- المراقبة والمحاسبة.
- الذكر والفكر.
والحمد لله رب العالمين