آمال جمعة
كثيرة هي النفحات الرحمانية التي تمر على كل فرد في هذا الوجود، بل هي أكبر وأكثر من أن تُحصى خاصة إذا وقفنا على آثار بعض أعمال البر مما اعتاد الناس عليه، كالصدقة وأثرها في دفع البلاء مثلاً. ولكن ما لم يعتد الإنسان عليه ولم يألفه يقف البعض أمامه ساكناً ساكتاً، وبعض آخر غير مصدّق، وبعض منكر مستنكر لقصور عقله المادي عن عظمة آثارها، والمقصود بذلك العبادات وصورها الأخروية.
"إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها"(1) (رسول الله صلى الله عليه وآله) فمما روي عن النبي صلى الله عليه وآله عن عمل صلاة التوبة في يوم الأحد من شهر ذي القعدة وأجرها وأثرها، ما لا يستكثره على فضل الله ورحمته عاقل، إذ يقول صلى الله عليه وآله في الحديث بعد ذكر العمل "... ما من عبد من أمتي فعل ذلك، إلاّ نودي من السماء: يا عبد، استأنف العمل، فإنك مقبول التوبة، مغفور الذنب، وينادي ملك من تحت العرش: أيها العبد، بورك عليك، وعلى أهلك وذرّيتك، وينادي منادٍ آخر: أيها العبد، يرضى أبواك وإن كانا ساخطين، ويُغفر لأبويك ولك ولذرّيتك، وأنت في سعة من الرزق في الدنيا والآخرة، وينادي جبريل عليه السلام: أنا الذي آتيك مع ملك الموت وآمره أن يرفق بك، لا يخدشك أثر الموت إنما يخرج الروح من جسدك سلاًّ"(2).
كذلك ما روي عنه صلى الله عليه وآله في فضل ليلة الخامس عشر من شهر ذي القعدة "إن في ذي القعدة ليلة مباركة وهي ليلة خمس عشرة... أجر العامل فيها بطاعة الله أجر مائة سائح لم يعص الله طرفة عين" وروي أنه "لا يبقى أحد سأل الله فيها حاجة إلا أعطاه"(3). فهذه الأخبار ومثلها الكثير نجد أنه يثقل على بعض الناس تصديقها مما لا طريق للعقول إلى حكمها، وسببُ ذلك الجهلُ بخواص الأفعال والحركات، لا سيما فيما ليس يُرى. ولكن، عند التصديق والإيمان بكل ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من آثار الأفعال عندها يصبح لا فرق لدى الإنسان بين ما يُرى من عمل النار وتأثيراتها في العالم، وهو أمر يقبله الناس ولا يتعجبون منه، وبين تأثيرات الأفعال. لذا، فأي فرق بين تأثيرات حركات الأفلاك وحركات أعمال العباد، إلاّ أن الأولى من جهة كثرة استماعها لا يتعجب منها العامة، والثّانية من جهة ندرة العلم بها وقلّة استماعها لا تألفها الطّباع، فتتعجب منها.
فللمصدّق بالأديان والأنبياء ألاّ يرتاب بما أخبرنا به أهل البيت عليهم السلام من خواصّ الأعمال، لأن الرّيب من شعب الكفر ولا يجتمع مع الإيمان، والتعبّد بالأحكام التي تعرفها العقول، وهذه الأعمال أقرب إلى الاخلاص من غيرها. فيا أيها السالك الكادح إلى رضوان من الله أكبر، لا تسامح نفسك على الزهد بهذه الأعمال، فإنّ الهمّ والجدّ في تحصيلها كفيلان لك بالفوز بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
شرح أصول الكافي/المازندراني، ج10، ص390.
مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج6، ص397.
إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج2، ص22.