إعداد: ليندا زراقط
تتغيرالتربية بتغيرالمرحلة التي يمر بها الطفل، والأطفال جنسان (ذكر وأنثى)، فهل تختلف طريقة التربية بينهما؟ وهل لكل من الجنسين معايير، وقيم، واتجاهات مرتبطة بجنسه، الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف الذكور عن الإناث في بعض أنماط سلوك الجنسين؟وهل سيتصرف كلاهما بنفس السلوك النمطي، حتى لو حرصنا على تربيتهم بالأسلوب نفسه؟ وما المساحة المشتركة بينهم في العلاقة التربوية والقيم الأخلاقية؟ وما هي المفاهيم التي يجب أن ينشأ عليها الجنسان؟ الناس مختلفون في الرأي والأذواق وفي كل شيء، حتى في أسلوب التربية. من هنا.. كان هذا التحقيق.
* آراء الآباء والأمهات
السيدة ياسمين (28 سنة) (أم لثلاث فتيات وصبي) تقول: التربية تختلف بين ولد وآخر. الصبي أكثرخشونة، ويحتاج إلى الحزم أكثر. وبالرغم من المساحة المشتركة بين الإثنين، إلا أن تربية البنت أصعب ويجب الالتفات والانتباه لها بشكل أكبر، لأنه يُخشى عليها من المجتمع والبيئة المحيطة بها. لذا، يجب تربيتها على قوة الشخصية، بالإضافة إلى تأهيلها، من أجل أن تصبح زوجة وأماً صالحة. بينما تؤكد السيدة هيفاء (38 سنة/ أم لثلاثة ذكور وفتاة) على أن المجهود الذي يبذل في تربية الصبي مضاعف عن تربية البنت، لأن تربية الصبي أصعب من ناحية التوجيه. فالفتيان أشقياء بشكل عام، وهم يقضون أوقاتاً أكبر خارج المنزل. لكن، تبقى هناك مساحة مشتركة في تربية كل من الصبي والبنت، فكلاهما يكتسب من الأهل القيم الإيجابية، ويتعلم أمور الدين.
السيدة أم جهاد (55 سنة ) تقول: ليس هناك اختلاف في التربية بين الصبي والبنت في مرحلة الطفولة المبكرة. بعد ذلك يبدأ الاختلاف، وخاصة في مرحلة المراهقة، وكلاهما بحاجة إلى مراقبة شديدة. إلا أن تربية الفتاة، تبقى مصدر شعور بالخوف والقلق الشديدين. تعمل السيدة حليمة (45 سنة ) (أم لثلاث فتيات وصبيين) بمقولة “احرمي الصبي تجديه” لأن الفتاة إذا عملت على حرمانها، ممكن أن يؤثر ذلك سلباً عليها، لذا، يجب أن تحفظي لها حقوقها، أما الصبي، فإذا أرسلت له الحبل تفسد أخلاقه. وتختم بالقول: كلاهما يأخذ نفس المجهود في التربية، ويتجلى التباين في مرحلة المراهقة.
السيدة أم حسن حمود (كاتبة) والتي تحب أن ينادوها أم حوراء وحسن، تقول:
كلاهما ولدي. حلم واحد أعمل على تحقيقه بأسلوب موحد. لا أبيح لفتاي ما أمنعه عن فتاتي، والعكس يصح أيضاً... تنبع وحدة الأسلوب هذه من وحدة مصدرالانتماء. ربما اختلفت بعض حاجات التفهم والتفاهم بين الفتى والفتاة. في عمر معين، تكون فيه فتاتي زهرة عمري أكثر حساسية، ويكون فيه فتاي "رجل دنياي وغدي" أكثر حاجة إلى الثقة والدعم، وهذا كل ما في الأمر. السيد أبو حسن (32 سنة ) وهو أب حديث الزواج، ولديه طفلان صبي وبنت، يعتبر أن الدين هو الذي يحكم العلاقة بين الصبي والبنت، وطبيعة البنات تختلف كلياً عن الصبيان، لذا طريقة التربية لا بد أن تختلف بينهما. فالبنات يمتزن بالهدوء منذ الصغر، أما الفتيان، فإنهم أشقياء ويميلون إلى العنف. ويرى أنه لا يجب أن تعطى الحرية للفتاة بشكل كامل، وخاصةً في سن المراهقة، لأنها في ذلك الحين تكون صغيرة، وعلى الأغلب تتفوق عاطفتها على عقلها في قياس الأمور. من جهة ثانية يؤكد أبو محمد (38 سنة ) (والد لثلاث فتيات وصبي) على أن التربية تختلف بين الصبي والبنت، مشيراً إلى وجود خصوصيات لكل منهما، فالفتاة تحتاج إلى الانتباه والاهتمام من الأم أكثر من الأب. ويشير إلى أن التربية للجنسين تقوم على نفس المبادىء والمفاهيم والقيم، لكن هناك تمييز في مواضيع معينة، فهناك أشياء محبّذة للصبي غير محبّذة للفتاة.
* آراء شبابية
الفتاة الجامعية مايا تقول: ليس هناك فرق في التربية بين الصبي والبنت. في النهاية، نحن نربي إنساناً، لكن الاتجاهات مختلفة، فالمهم هو غرس المبادىء في الصبي والبنت، ولا خوف عليهما بعد ذلك. ولكن في الحقيقة في مجتمعاتنا الشرقية، للأسف هناك تمييز بين الذكر والأنثى بشكل كبير. ويرى الشاب حسان (موظف ) بأنه يجب الاهتمام بالفتاة أكثر من الشاب، لأنها حساسة أكثر، ومكسورة الجناح وتتأثر بنسبة أكبر بعوامل كثيرة في الحياة. ويرى أن المبادىء هي نفسها للجنسين مع اختلاف في الأدوار.
* نصيحة تربوية
وعن قضية الاختلاف في التربية بين الذكر والأنثى، ماذا يقول أهل الاختصاص؟
تعتبر الأستاذة أميرة برغل (ماجستير في التربية ومستشارة في الارشاد التربوي والأسري) أن أسلوب التربية بشكل عام لا يختلف مطلقاً بين البنين والبنات، عدا في مرحلة البلوغ والمراهقة. لأن طبيعة الاهتمامات والأزمات التي تمر فيها الفتيات، تختلف عما يمر به الفتيان، وهذا يقتضي استعمال أساليب متلائمة مع حاجات كل فريق. وتشير إلى أن لا علاقة للجنس في تحديد المصروف. القاعدة أن الولد يلبي حاجاته وليس طلباته، بالتالي حسب الظروف والحاجات، يتحدد المصروف الذي يعطى للولد. فقد تحتاج فتاة لمصروف أكبر من أخيها، وقد لا تحتاج. الأساس أن يعرف الولد أن ما يعطى له بحسب حاجاته، وليس جنسه وموقعه، وليس لمحبته، وليس لتمييزه في شيء. بشكل عام وبسبب الغزو الثقافي الغربي المتجذر في مجتمعاتنا، وبحسب طبيعة سن المراهقة يميل الذكر لقضاء وقت أطول خارج المنزل.
يواجه بعض أولياء الأمور مشاكل أكثر حدّة مع الذكور. وقد يشعر البعض أن معاناته مع الفتيات أكثر، نظراً لإحساس الأهل بالخجل من خطأ الفتاة أكثر من خطأ الذكر. وتوجه السيدة برغل نصيحة إلى الأهل بقولها: على الأهل أن يغرسوا في نفوس أولادهم منذ الصغر المعايير والقيم الإسلامية، وأن يحاسبوهم انطلاقاً من ما يرضي وما يغضب الله. وعلى الأهل أن يحسنوا اختيار البيئة المدرسية والرفاق لأولادهم الذكور والإناث قبل دخولهم في مرحلة المراهقة، حتى يضمنوا التزامهم بالقيم والمعايير التي ربّوهم عليها. وعليهم أن يتعرفوا على خصائص مرحلة المراهقة وحاجات الفتى والفتاة، ويتعاملوا مع أبنائهم وبناتهم بتفهم وليس بكبت وتحدٍّ، بدون التهاون معهم في القيم والمعايير الإسلامية. وعليهم أيضاً أن يحرصوا في كل توجيهاتهم لأولادهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، على أن يكونوا منطقيين ومنصفين، وأن يجتنبوا أي توجيه يشعر فيه أحد الجنسين بالمظلومية أو التمييز الجنسي، خاصةً مع الفتيات، خشية حملهن على التمرد بدافع الشعور بالمظلومية.
* وصيّة شرع الله
أما رأي الشرع والدين الإسلامي في الموضوع، فيشير إليه سماحة الشيخ مصطفى قصير مدير عام المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم بقوله: أولاً عملية التربية ترتبط بالدور الذي يناط بالإنسان مستقبلاً. نحن نلاحظ أن الدين الإسلامي عندما حثّ على تربية الأبناء، وجّه الآباء والأمهات إلى تربيتهم بطريقة واحدة ولم يفضل إنساناً على آخر، لم يفضل ذكراً على أنثى ولا أنثى على ذكر، وإنما يمكن أن يقال بأن هناك فوارق لها علاقة بالدور. نعترف بأن الإسلام له رؤية خاصة في هذا المجال، ويعتبر أن المرأة عليها أن تتولى مسؤولية خطيرة جداً في مجال التربية وفي مجال حفظ وبناء الأسرة، ما يقتضي تأهيل المرأة من صغرها لهذا الدور. ولكن في مجالات أخرى كالتعليم والتربية على القيم والأخلاق، ليس هناك أي فارق.
ويشير سماحته إلى أنه يوجد خلل في فهم بعض الأمور بطريقة غير نسبية، مثلاً: نحن إذا أردنا أن نربي الذكور في أسرة لأجل أن يتولوا أدواراً جهادية، فهذا يقتضي أن يكون لديهم قوة شخصية وتنمية لقدراتهم ولمهاراتهم الحسّية والحركية بشكل كبير.وليس ذلك لكي يصبح العنصر الأقوى في داخل أسرته، وإنما ليواجه التحديات التي تنتظره في المستقبل. وعندما نأخذ هذه الأمور في المطلق وننسى الدافع وننسى الهدف وننسى السبب، عندئذ ما نريد أن نمارسه في مواجهة العدو، يمكن أن نمارسه في مواجهة الصديق. وما نريده في مواجهة التهديدات، نمارسه في مواجهة الحضن الدافئ الذي يحتضننا والعنصر الآخر الشريك في مهمة أخرى. وهذا خلل منشأه في الحقيقة هو عدم الالتفات إلى أن هناك ربطاً بين طبيعة التربية وبين الأدوار المستقبلية. وكذلك، عندما نريد مثلاً أن ننمي عند الفتاة استعدادات تؤهلها للقيام بدورها الرعائي، هذا لا يعني أن تكون الفتاة بالتالي عنصراً ضعيفاً، وإنما تحتاج إلى فهم دقيق للأدوار ولأهمية وحساسية الدور، أن تكون قوية وعاطفية في آن معاً. قوة الشخصية لا تمنع من فهم الدور، وبالتالي إعداد الفتاة لدور مهم في الأسرة. التوازن يفترض أن يكون كل إنسان قوياً في مكانه الذي يتولى فيه المسؤولية، وأن يفهم كل إنسان أهمية وحساسية دور الآخر. لا بد من اقتلاع المفاهيم الخاطئة، كي لا ينشأ لدينا ذكر مسكون بعقدة القوّة والاستعلاء، بينما ينشأ الجنس الآخر الأنثوي مفرغاً من الثقة والحياء.
إذاً لا بد أن يبدأ الوعي في الأسرة فهماً وسلوكاً، بعدم تمييز الأهل بين الذكر والأنثى في التربية.. والمشكلة الحقيقية التي يعيشها مجتمعنا، هي أن الأهل غافلون عن الهدف الذي يرجونه من تربية أبنائهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً. فلذلك، لا بد من تحديد أهدافنا من أبنائنا.. ماذا نريد منهم؟
الهدف المطلوب تحقيقه من الذكور أن يكونوا رجالاً يتحملون المسؤولية وينفعون أمتهم ودينهم. أما الإناث، فأسمى هدف ينبغي تحقيقه معهن بعد الهدف العام المذكور آنفاً ـ، هو أن يكنّ زوجات صالحات. فعلى الأهل أن يربوا الفتى والفتاة، بحيث يشعرون أنهم يربون إنساناً.