نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أوَّل الكلام: ثقافة الحياة.. حريـَّة الشعوب وقطَّاع الطُّرق

الشيخ يوسف سرور

 


لا تأنس الأعناق بالأطواق، ولا أقدام الرِّجال تأنس بالأغلال..وتأبى أيدي العباد كلَّ أصناف القيود والأصفاد. تلك هي الفكرة السَّديدة الَّتي ربا عليها خلق لله، والفطرة الصَّافية الَّتي فُطر عليها عباد لله. ولا نجد بدعاً في الخلق من يأتي ليقدِّم عنقه وأطرافه ليَرْسِف في القيود والأغلال. الحريَّة هي انعتاق الأنفس من كلِّ الأغلال، وتحليقها في آفاق لا قضبان فيها لسجن، ولا سوط فيها لسجَّان.. الحريَّة هي القيمة الّتي يشعر معها الموجود بعمق الاتِّصال بمصدر الوجود..الّذَي لا تحدُّ كمالاته حدود، ولا تأسر وجوده قيود. قيمة الوجود هي الحريَّة، وسرُّ الخلقة هي هذه الحريَّة الَّذي لا يختلف فيه العقلاء.

حتَّى الحيوانات، نجدها تجهد في سبيل صون حريَّتها، وكسر كلِّ الحواجز والقيود الَّتي تعترضُ حياتها، وتبذل كلَّ شيء في سبيل حفظ هذه الحريَّة..حتَّى الحياة نفسها. وإذا ما تمكَّن الإنسان أو أيُّ كائن آخر من تكبيلها أو الحدِّ من حريَّتها، فإنَّنا نراها تتصرَّفُ بشكلٍ عنيفٍ في محاولةٍ للانعتاق من هذه القيود، والعودة إلى آفاق الحريَّة الرَّحبة، الَّتي تجد فيها متعة العيش ولذَّة الحياة. ولا يقبلُ من الحيوانات الطَّوقَ في عنقه، أو الأغلال في أرجله، إلا الحيوان المروَّض أو الَّذي هو في طور التَّرويض؛ وذلك، بعد استنفاد الجهد وبذل الوَسْع في طلب الحريَّة، حتَّى يبلغ مرحلةً من التَّرويض الَّذي يحاول فيه المروِّض خلق حالةٍ يُقنع فيها الحيوان بصحَّة هذا الوضع، - حتَّى في هذه الحالة – نجدُ فيها الحيوان لا يُفوِّتُ فرصة الانفلات من القيود والانعتاق من الأغلال مجدَّداً.

في الإنسان، نجدُ الحريَّة قيمةً تنتفي الإنسانيَّة بدونها. من أجل ذلك، كانت الحريَّةُ عنواناً يتَّفق على كونه حقّاً لا يُساوم عليه كلُّ العقلاء، وتُبذل في سبيل حفظه كلُّّ الحقوق والأملاك، حتَّى صارت الحريَّةُ صنو الوجود والبقاء. والإنسان الحرُّ يرفض الحياة بدون الحريَّة، ويبذل حياته في سبيلها؛ وبتنا نجدُ أنَّ حريَّة الأفراد عنوان الحياة، وأنَّ حريَّة الشُّعوب هي سرُّ بقائها، وسبب رُقيِّها، وقاعدة تطوُّرها في سبيل بناء الحضارات؛ بل، هي مقياسُ العلوم ومعيار الثَّقافة الصَّحيحة الَّتي تتبنَّاها الشُّعوب وتفتخرُ بها. هذه هي سُنَّة الخلق، وهذا هو دأب الشُّعوب. وليست شعوبنا استثناءً عن هذه السُّنَّة، بل شأنها أن يبذل أفرادها أعزَّ ما يملكون في سبيل حريَّاتهم، ودأبها – حسب تاريخها- أن يسفك أحرارها دماءهم، ويُزهق أُباتها أنفسهم في سبيل صونها، وإبقائها عصيَّةً على كلِّ طامع، حتَّى قال الشَّاعر :
 

وللحريَّة الحمراء بابٌ

 بكلِّ يدٍ مضرَّجةٍ يُدقُّ

وللأوطان بدم كلِّ حُرٍّ

  يدٌ سلفت ودينٌ مستحق


ما كانت أمَّتنا واهنةً تسكت على حقوقها، ولا كانت خانعةً حتَّى تستهين بحريَّتها، وتترك لجلاديها حقَّ قيادها، ولمغتصبي حقوقها أمر حريَّتها. تزخرُ أيَّامنا وسجلُّ تاريخنا بأسماء الأباة والأحرار، وأوسمةُ الشَّهادة تُرصِّعُ جبين أمَّتنا، والدِّماءُ الزَّكيَّةُ لآبائنا و إخوتنا وأبنائنا اختلطت بها حبَّاتُ ترابنا، واصطبغ بلونها أفق سمائنا؛ حتَّى صارت الحريَّةُ عنواناً تعظم قاعدته على مرِّ الأيَّام، ونقطة أمل يتَّسع شعاعها في مساحة الأمَّة. فكان أيَّار موعداً متجدِّداً مع الحريَّة الحمراء، وصار تمُّوز وآب عرساً أشدَّ اصطباغاً بلون الحريَّة..نبراساً يقتدي به أهل العزائم، ويلتحق به أصحاب الهمم، لاستعادة حريَّتهم، وتحرير أرضهم..بل، لاسترداد قرارهم، واستعادة حقُّهم في الحياة الحرَّة الكريمة.

وحدهم المتخلِّفون من المتربِّعين على كراسي السُّلطان من الَّذين ارتاضت أعناقهم وتعوَّدت على أطواق الجبابرة والمستكبرين..وحدهم الَّذين لا تجدُ تفسيراً لأفعالهم ولا تبريراً، في تشنيعهم على الشُّرفاء، وإغلاق السُّبل على الطَّالبين بدم أبريائهم، والسَّاعين لاسترداد أرضهم وتحرير مقدَّساتهم..وحدهم الَّذين لا يُساوق فعلهم فعل العقلاء، و لا قولهم يُماشي منطق الأشياء، الَّذين ارتضوا أن يكونوا في سُلَّم الخليقة خلف البهائم الحافظة لمعنى الحريَّة..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع