نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الكتاب منبع العلم والمعرفة‏

الشيخ خضر الديراني‏

 



* الكتاب لغة:
(كتب)(1): كتبه، يكتب، كتباً بالفتح المصدر المقيس، وكتاباً اكتتبه وكتبه: إذا خطه. واستكتبه الشي: أي سأله أن يكتبه له. والكتاب: الصحيفة يُكتب فيها. يقول السيد مصطفى الخميني: يجب أن ينتبه العاقل واللبيب إلى أن إطلاق الكتاب على النفس وعلى الفلك وعلى العالم وأمثال ذلك، ليس من المجاز حسب اللغة، فإن العالم كله كتاب الله(2).

* في اصطلاح النحويين:
اشتهر عند النحاة كتاب سيبويه في النحو بهذا الاسم.

* في القرآن الكريم:
وفي التنزيل العزيز: ﴿اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفرقان: 5) أي: استكتبها. قوله تعالى: ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ (البقرة؛ 101): أي القرآن. والكتاب بمعنى الفرض، قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ (البقرة: 178)، وقال عز وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (البقرة: 183) معناه: فُرض. قال: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا (المائدة: 45) أي: فرضنا. وبمعنى المكتوب أو الرسالة، قال تعالى ﴿أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ِإنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ ... (النمل: 29 30). واستُخدم بمعنى المكتوب فيه، قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ (الأنعام: 7). بمعنى التوراة ﴿وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ.. (الإسراء: 2).

* أقسام "الكتب" ثلاثة:
وهناك معانٍ أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها، وقد أجملها السيد الطباطبائي رضي الله عنه(3) في ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام وهي المشتملة على شرائع الدين. وقد ذكر الله سبحانه منها كتاب نوح عليه السلام في قوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (البقرة: 213). وكتاب إبراهيم وموسى عليهما السلام، قال: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (الأعلى: 19)؛ وكتاب عيسى وهو الإنجيل، قال: ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ(المائدة: 46). وكتاب محمد صلى الله عليه وآله، قال: ﴿تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (الحجر: 1)، وقال: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (البينة: 3)، وقال: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ(عبس: 16)، وقال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء: 195).

القسم الثاني: الكتب التي تضبط أعمال العباد من حسنات أو سيئات، فمنها: ما يختص بكل نفس إنسانية، كالذي يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا (الإسراء: 13). ومنها: ما يضبط أعمال الأمة، كالذي يدل عليه قوله: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا (الجاثية: 28). ومنها: ما يشترك فيه الناس جميعاً، كما في قوله: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون (الجاثية: 29)، حيث الخطاب هنا لجميع الناس. لعل لهذا القسم من الكتاب تقسيماً آخر بحسب انقسام الناس إلى طائفتي الأبرار والفجار، وهو الذي يذكره في قوله: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُون كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (المطففين: 21).

القسم الثالث: الكتب التي تضبط تفاصيل نظام الوجود والحوادث الكائنة فيه، ومنها الكتاب المصون عن التغير المكتوب فيه كل شي‏ء كالذي يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (يونس: 61)، وقوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (يس: 12)، وقوله: ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (ق: 4)، وقوله: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (الرعد: 38). ومن الآجال، الأجل المسمى الذي لا سبيل للتغير إليه، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا (آل عمران: 145).  ولعل هذا النوع من الكتاب ينقسم إلى كتاب واحد عام حفيظ لجميع الحوادث والموجودات، وكتاب خاص بكل موجود يحفظ به حاله في الوجود، كما تُشعر به الآيتان الأخيرتان وسائر الآيات الكريمة التي تشاكلهما. ومنها: الكتب التي يتطرق إليها التغيير ويداخلها المحو والإثبات، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد: 39).

* معنى أم الكتاب:
ورد ذكرها في الكتاب في ثلاثة مواضع: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (آل عمران: 7) أي أصله. ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (الرعد: 39) أي اللوح المحفوظ. ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف: 3 4) أي اللوح المحفوظ. والمعنى من أم الكتاب: اللوح المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد سميت فاتحة الكتاب بذلك لأنها متقدمة على سائر سور القرآن، والعرب تسمي كل جامع أمر أو متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، أُمّاً، فيقولون: أم الرأس، وأم القرى، وقيل: سميت بذلك لأنها أصل القرآن، والأم: هي الأصل، وإنما صارت أصل القرآن، لأن الله تعالى أودعها مجموع ما في السور، لأن فيها إثبات الربوبية والعبودية، وهذا هو المقصود بالقرآن، ولأنها تكفي عما سواها، ولا يكفي ما سواها عنها، ويؤيد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله: أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضاً عنها(4). في كتاب ثواب الأعمال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب(5).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رن إبليس أربع رنات: .. وحين أنزلت أم الكتاب(6). عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال: .. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله تعالى قال لي: يا محمد، "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم". فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم. وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش...(7).

* منبع العلم والمعرفة:
وفي الجملة، سواء أكان الكتاب هو اللوح المحفوظ أو العقل الأول أو فاتحة الكتاب أو الوجود بما هو، فإن الجامع بينها جميعاً هو الفيض الإلهي ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الاسراء: 85). وإن هذا الفيض القليل مع قلّته، هو منشأ تكثّر علم البشر، وسبب كل هذه المعارف وهذا التقدم. والكثرة بذاتها دليل فقر وضعف وجهل ونقص، يسعى الإنسان لرفعها من خلال التمسك بالأحرف والكلمات والمفاهيم والمصطلحات، ناسياً أو جاهلاً أو ساهياً عن مصدرها؛ كالذي بهرته خيوط النور المتلألئة فذهل عن صانعها، فانتقل من جهله البسيط إلى جهله المركب؛ الذي زاده بعداً عن الحقيقة. وهذا ما عبر عنه النبيصلى الله عليه وآله بقوله: من ازداد علماً ولم يزدد تقى لم يزدد من ربه إلا بعداً(8).

ورد في دعاء الإمام الحسين عليه السلام بعرفة:
إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك. كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك. أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟! ومتى بعدتَ حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً(9). فالعلم والمعرفة ومصادرها ووسائلها وأدواتها وجوداً وفاعلية هي من فيضه على عباده الذين خلقهم لكي يعرفوه، كما في الحديث القدسي: كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف(10).


(1) تاج العروس، الزبيدي، ج‏2، ص‏351 352.
(2) تفسير القرآن الكريم، السيد مصطفى الخميني، ج‏2، ص‏344.
(3) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج‏7، ص‏251 254.
(4) تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج‏1، ص‏47.
(5) تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي، ج‏1، ص‏23 26.
(6) تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي، ج‏1، ص‏23 26.
(7) البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص‏419.
(8) منية المريد، الشهيد الثاني، ص‏152.
(9) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏64، ص‏142.
(10) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏84، ص‏199.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع