نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من القلب إلى كل القلوب: اتّقوا الآخرة(*)

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)


إنّنا نعيش في هذا الزمن بين وساوس الشيطان؛ شياطين الجنّ والإنس، ومغريات الدنيا، وفتنها، ومصاعبها، والنفس الأمّارة بالسوء، والهوى الذي يغلبنا. فكيف يمكن لأحد أن يصمد، ولا يقع في المعصية، أو الذنب، أو الخطيئة في ظلّ هذه الأجواء كلّها؟! فارتكاب الذنوب والمعاصي له نتائج وآثار دنيويّة سيّئة على الإنسان، وروحه، ونفسه، وجسده، وعائلته، ومجتمعه، والناس من حوله، ولكنّ الأخطر من ذلك كلّه، هو النتيجة الأخرويّة التي سيحصدها هذا الإنسان.

•ماذا حضّرنا لعالم الآخرة؟
إذا أكمل أحدهم حياته في مسار الذنوب، والمعصية، والغفلة، والآثام، وارتكاب الحرام، والبُعد عن الله سبحانه وتعالى، والتجرّؤ عليه، وتجاوز حدوده، إلى أين سيصل به الطريق؟! في النهاية، مهما عاش، فإنّ كلّ نفس ذائقة الموت، يومٌ، يومان، سنة، سنتان، مئة سنة، خمسمائة سنة، فإنّه سوف يموت وينتقل إلى ذلك العالم.

والسؤال الأساس هنا: ماذا حضّرنا لذلك العالم؟ وماذا يساعدنا، ويردعنا، ويحول بيننا وبين الإصغاء إلى شياطين الإنس والجنّ؟ وما الذي يمنعنا أن نخضع لمغريات الدنيا، أو أن ننهار أمام مصائبها وفتنها؟ ما الذي يجعلنا أقوى أمام النفس الأمّارة وأهوائها؟

ذلك كلّه لا يتأتّى إلّا بالخوف من العواقب والنتائج. فالإنسان إذا أراد أن يقوم بعمل ما، ولديه قلق أو خوف من النتيجة، فهو غالباً لا يُقدم عليه، إذا كان عاقلاً يقيس الأمور جيّداً، ويُفكّر في مصلحته الشخصيّة، فإذا سار شخص مثلاً في طريق، واحتمل وجود سيّارة مفخّخة أو ألغام مزروعة، فهل سيسير فيه؟! إذا كان عاقلاً سيخاف على نفسه من أن يُقتل، فلن يتّخذه. إذاً، الخوف من النتائج والعواقب هو أهمّ رادع، وهو أقوى من الترغيب. قد يقول أحدهم: أنا لا أريد القصور في الجنّة، ولا حور العين، ولا أنهراً من عسل ولبن... إلخ، كلّ ما أريده أن لا أدخل جهنّم، وأنا خائف من الدخول إليها، وأقبل أن يضعني الله أينما كان، إلّا في جهنّم. إذاً، عامل الخوف هو الأقوى.

•نتّقي الله عندما نخافه
إذا لم يكن لدى الإنسان خوف من الذي أعطاه أوامر ونواهي، أو خوف من عقابه وغضبه –إمّا لأنّه يعتقد أنّه ضعيف، أو أنّه لن يحاسب، أو لأيّ سبب كان-، فإنّه سيتجاهل حضور الله، ويرتكب الذنوب والمعاصي، ويخالف الأوامر والنواهي، ويعمل ما يريد. أمّا إن خاف منه، ومن عقابه، وعذابه، وغضبه، وشدّته، وانتقامه، فمن المؤكّد أنّه سيتوقّف عن ارتكاب المعاصي، ويحسب له ألف حساب. ولأنّ الله حكيم عادل، عرّفنا نفسه، وحذّرنا غضبه، وعرّفنا بما أعدّ للعاصين الخاسرين، بالآتي:

1- يحذّرنا الله نفسه
إنّ الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا، هو الأعلم بتركيبتنا الروحيّة، والنفسيّة، والجسديّة. وبما أنّه تعالى هو الذي يربّينا، ويهدينا، ويتفضّل علينا، فقد راح يحذّرنا نفسه. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 28-29)، فهو لا يحذّرنا نفسه فقط، بل يقول: كلكم آتون إليّ في النهاية، ولا أحد يمكنه أن يهرب، فهذه السماوات والأرض كلّها لي، وهذا الوجود كلّه لي، وأنتم عبادي، وأرقّائي، ومخلوقاتي، وكلكم آتون إليّ دون استثناء. مضافاً إلى أنّ الله يحذّرنا نفسه في هذه الآيات، فهو يُعرّفنا نفسه أيضاً. لذلك عندما نخاف، يجب أن نعلم مَن نخافه؛ لأنّه إذا كان من يحاسبنا ضعيفاً، أو لا يبدو لنا إذا كان ضعيفاً أو قويّاً، فلن نخافه، لكن إذا علمنا أنّه قادر ومقتدر، فسوف نُعيد حساباتنا ونخشاه، ونخافه، ونتّقي غضبه.

2- تحذيرٌ في دعاء "الجوشن الكبير"
يتضمّن دعاء الجوشن الكبير، الذي يُقرأ في ليلة القدر، مئة اسم وصفة لله سبحانه وتعالى. فلنتأمّل في بعض كلمات هذا الدعاء؛ لنعرف الله سبحانه وتعالى، من خلال الصفات التي تحقّق معرفتها الخشية منه.

ينضح الدعاء بمفهوم أنّ الله ملك السماوات والأرض، فإذا كنتَ تخاف من زعيم، أو أمير، أو ملك، أو رئيس، أو نظام في هذه الدولة أو تلك، فذلك خوف محدود. أمّا الله فمالك كلّ شيء، "يا مَنْ لا مُلْكَ إلّا مُلْكُهُ"، وكلّ شيء بيده: الخلق، الوجود، الإحياء، الإماتة، الرزق، العزّ، الذلّ، القلّة، الكثرة، الضعف، القوّة... وملكوت كلّ شيء بيده، هو رحيم، وجبّار السماوات والأرض، وفي الوقت نفسه، هو المنتقم، المتجبّر، المتكبّر، القويّ، المتين، وعلى كلّ شيء قدير، الله أكبر من كلّ شيء، وإذا قضى أمراً، يقول له: كن فيكون.. فانتبهوا، هو ذو البطش الشديد، غضبه هائل إذا غضب، شديد العقاب، عذابه شديد، أمّا عذاب الدنيا فهو لهو ولعب. هو لا يُعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، وهو بكلّ شيء خبير ومحيط، وهذا الوجود كلّه له، فإلى أين تهربون؟ ﴿أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ (القيامة: 10-12). قد نهرب من دولةٍ إلى أخرى، أو من مكانٍ إلى آخر، ولكن يوم القيامة، ليس ثمّة مكان نفرّ إليه!

إذاً، فبعد هذه الصفات كلّها للإله العزيز المقتدر، ألا يجب أن نخافه؟!

3- يحذّرنا الله عذاب الآخرة
كما أنّ معرفة عظمة الله وجلاله واقتداره، تؤدّي إلى خشيته، كذلك فإنّ معرفة ما أعدّه الله للعاصي والخاسر تحقّق هذه الخشية؛ لذلك أخبرنا الله سبحانه وتعالى بما أعدّه في الآخرة للمطيع وللعاصي، لكن سنذكر الآيات القرآنيّة في مورد التخويف فقط، حيث إنّ التخويف جدّيٌّ: ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. فمهما خسر الإنسان في الدنيا أو ربح، فإنّ ذلك لن يجدي؛ لأنّها زائلة كلّها، لكنّ الخسران الحقيقيّ هو يوم القيامة: ﴿ألَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾ (الزمر: 15-16)؛ أيّ الذين يدخلون جهنّم، تحيط بهم النار من فوقهم، ومن حولهم، ومن تحتهم. وبناءً على هذا التخويف والتحذير، يطلب الله منّا اجتناب المعاصي، وأن لا نجاوز حدوده، ونخالف أوامره، ونتجرّأ عليه؛ لأنّ هذا هو معنى التقوى: ﴿يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ (الزمر: 16).

بهذه النصوص ندرك أنّ ثمّة جزاءً وعذاباً للعاصين، لكن ما هو هذا العذاب وكيف يكون؟ نوضحه في العدد القادم إن شاء الله.


(*) كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في إحياء ليلة القدر الثالثة في 7/6/2018م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع