الشيخ علي ذو علم
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(1). لعل الوصول إلى الكمال والسعادة الحقيقيين هو من أفضل الأهداف والغايات عند الإنسان، ومن جهة ثانية فإن مسألة "حب الذات" من الأمور الداخلية عند الإنسان الملازمة له والتي لا تقبل الانفصال عنه. لا يمكن أن نطلب من شخص أن لا يحب نفسه أو أن لا يسعى نحو سعادته وكماله، باعتبار أن الهم والجهد الأساس المجبول عليه الإنسان هو أن يتمكن من إيصال نفسه إلى الكمال.
* الغفلة عن الهدف
أما إقبال الأفراد على إشباع غرائزهم الحيوانية غير المحدودة والسعي وراء السعادة الدنيوية والمادية فهو في الواقع أحد الاشتباهات الرئيسة التي مصدرها عدم القدرة على إدراك الذات الأصيلة والحقيقية. بالإضافة إلى خطأ هذا النوع من حب الذات فإنه أمر غير مطلوب على الإطلاق، ليس لأن حب الذات أمر غير صحيح، بل العكس من ذلك إذ يؤدي هذا النوع من حب الذات إلى الغفلة عن الذات الحقيقية. في هذا النوع من حب الذات فإنّ ما يجب أن يكون أداة ووسيلة للحصول على الكمال الأبدي والسعادة الحقيقية، أصبح هدفاً وساهم في الغفلة عن الهدف الحقيقي. إن التسليم المطلق أمام أوامر وتعاليم الله تعالى يشكل الجوهر الحقيقي لروح الإسلام، وهي في الواقع لا تهدف سوى إلى مساعدة الإنسان لإيصال ذاته إلى الكمال المطلوب.
* سعادتنا في طاعة الله
والله تعالى هو المصدر الوحيد للكمال الذي بيّنه لنا في الدين المنجي على صورة دين الإسلام وذلك من أجل هدايتنا وإرشادنا إلى الطريق القويم. من هنا كانت طاعة الله تعالى تتحرك في اتجاه المحبة الحقيقية المطلوبة. إن ما أوجبه الله تعالى على الإنسان، هو ذاك الذي كان الالتفات إليه والعمل به شرطاً حقيقياً في كمال ذات الإنسان، وما حَرَّمَ الله تعالى فهو مانع واقعي أمام سموه وكماله. ومن البديهي أن معرفة ورحمة الله تعالى هي فوق تصور المخلوقين. فعندما يصبح العمل بأمر المخلوق معصية للَّه، وعندما يتعارض طلب الإنسان مع أمر الله، فأي واحد منهما يتحرك في اتجاه سمو وكمال الإنسان؟ هل نصل إلى الكمال من خلال الالتزام بطاعة الله تعالى والذي لا تعود له الطاعة بأي نفع، بل تؤدي إلى سعادتنا ومصلحتنا؟ أم نصل من خلال العمل بأوامر المخلوق الذي لا يريد سوى تأمين مصالحه هو حيث لا فائدة لنا على الإطلاق؟
* طريق الكمال الحقيقي
المصلحون الحقيقيون لا يدعون الإنسان إلى ما يخالف أوامر الله تعالى، بل الإنسان هو المحور الوحيد في دعوتهم، حيث يدعون إلى الله والالتزام بتعاليمه وأوامره وكل ذلك لما فيه سعادة وكمال الإنسان. الأنبياء عليهم السلام أيضاً دعوا الناس إلى عبادة وإطاعة الله تعالى. إذاً قبول دعوة الأنبياء لا تستلزم الابتعاد عن الحق. أما أصحاب الأنانية والمصالح الشخصية فهم الذين يدعون الآخرين إليهم وإلى طاعتهم لما في ذلك من تأمين لشهواتهم وغرائزهم وأهوائهم المادية. طبعاً قد يضمرون في دعوتهم هذه حب الخير والإصلاح للآخرين، ولكن بمجرد اتباعهم وظهور أمر معصية الحق تعالى في ذلك يتضح أن هذا الاتباع هو في ضرر الإنسان وليس في مصلحته، والذين وقفوا على حقيقة ذواتهم فإنهم يدركون أن سعادة الإنسان الواقعية لا تتحقق من خلال طاعته والابتعاد عن طاعة الحق تعالى. بناءً على ما تقدم، فإن طاعة الله تعالى هي الطريق الوحيد للسمو وللكمال الحقيقي للإنسان. أما معصية الله تعالى فلن تحمل معها سوى الضرر والانحطاط والسقوط.
(1) نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، ج4، ص41، حكمة رقم 165.