السيّد علي عباس الموسوي
يختلف البشر في الأفكار وفي المعتقدات وفي السلوكيّات، وللأوليَين تأثيرهما على الأخيرة، فلكلِّ اعتقادٍ تأثيره على سلوك الإنسان. فنظرة الإنسان إلى حقائق الأشياء تجعله يتصرَّف معها وبها بالنحو الذي ينسجم مع هذه النظرة. نجد أبسط مثالٍ لذلك في الموقف الذي قد يتّخذه الإنسان من صديق له أو من حادثةٍ محدَّدة يتعرض لها، فإنّه وتبعاً لفهمه وتصوره يعمد إلى اتخاذ سلوك يراه مناسباً من عداوةٍ أو صداقةٍ أو مواجهةٍ.
وهذه السلوكيّات كما قد تكون فيما يخصّ الإنسان نفسه، قد تتجلَّى في علاقة الإنسان بالجماعة المحيطة به، فالإنسان الذي يحمل مجموعة من المبادئ سوف يكون أكثر انسجاماً وأطوع على فتح باب التواصل مع الذين يتّفقون معه في تلك المبادئ لأنّه يرى ذلك منسجماً مع رؤيته التي يحملها ويرى في ذلك خدمةً لهدفه المنشود. ولو تجاوزنا هذه الأفكار والرؤى الجزئيّة المرتبطة بموضوعات خاصّة إلى رؤى أكثر شمولاً وأوسع دائرةً كتلك الرؤى المرتبطة بالنظرة إلى الحياة وإلى الكون فإنّ لهذه النظرة تأثيرها على سلوكيّات الإنسان ومواقفه. ولأنّها واسعة الأبعاد فإنّ مجال تأثيرها لا يتحدّد بالمواقف الفرديّة أو بالشأن الخاص، بل يجتاز ذلك إلى المواقف العامّة والشأن العام المرتبط بالمجتمع ككل. وإذا كان للمجتمع شخصيّته الخاصة به وله كالإنسان مواقف وسلوكيّات، فإنّ الرؤية التي يحملها هذا المجتمع والأفكار التي تسوده سوف يكون لها تأثيرها على مواقفه وسلوكيّاته.
ومن هنا كان من الواجب إقامة المجتمع الإسلامي السليم من الناحية الفكريّة لأنه هو الذي يقودنا إلى المجتمع السليم من الناحية السلوكيّة والعمليّة. وأبسط مثال على ذلك أن نقوم بالمقايسة بين المجتمع الذي يؤمن بالآخرة وبالعاقبة التي هي بيد الله عز وجل، وبين المجتمع الذي ينكر الآخرة ويرى أنّ هذه الدنيا هي نهاية الحياة، فإنّ المجتمع الأوّل لا بد وأن تسوده الأخلاقيّات الإنسانيّة، الانضباط العام، السعي الحثيث، بُعد الأفق وسِعَة النظرة، الأمل، التضحية وفقدان اليأس. وأمّا المجتمع الثاني فسوف تسوده حالة الاضطراب والقلق واليأس والأخلاقيّات الماديّة والنفعيّة. والاختلاف في الخصائص هذه يرجع إلى خصوصيّة الإيمان لدى الأول وفقدان هذا الإيمان لدى الثاني. وعندما نتحدّث عن الإيمان، فنحن نتحدث عن حالة في القلب لا في العقل، عن داخل هذا الإنسان لا عن ظاهره، وعندما نتحدّث عن المجتمع الإيماني فنحن نتحدّث عن مجتمعٍ يعيش في باطنه الشعور بالآخرة، وبأنّ هذه الدنيا ليست هي الخير وأنّها ليست باقية، بل محكومة بالفناء، أي أنّ خير هذه الدنيا في عالمٍ آخر وبقاؤها فيما تحمله لنا للعالم الآخر.
إذاً, نحن نتحدث عن مجتمع يحمل اعتقاداً قلبياً راسخاً بمفاد قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (القصص: 60).