إبراهيم منصور*
*من أمثال العرب
"إنْ ذَهَبَ العَيْرُ فالعَيْرُ في الرِّباط".
العَيْرُ: الحمار، ومعنى المثل: إنْ ذَهَبَ الحمارُ فهناك حمارٌ آخر يحلُّ محلَّه. وكان لأهل الشام أيّامَ بني أميَّة مثَلٌ آخر هو: "عَيْرٌ بِعَيْرٍ وزيادة عشَرة"، وذلك أنّ خلفاء بني أميّة كلّما ماتَ واحدٌ منهم زادَ الذي يخلُفه في عطائهم عشرة، فكانوا يقولون المثل عند ذلك.
* من أجمل الحديث
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن غِرٌّ كريم والفاجر خَبٌّ لئيم"1. فالمؤمن ينخدعُ لانقياده ولينهِ، وهو ضِدُّ الخَبّ. يُقال فتى غِرٌّ وفتاة غِرٌّ، وقد غَرِرْتَ تَغَرُّ غرارةً. ومؤدَّى هذا الحديث الشريف أنّ المؤمنَ المحمودَ مَنْ طَبْعُهُ الغرارةُ وقلَّةُ الفطنةِ للشرّ وترْكُ البحثِ عنه.
وأمَّا الحديث الآخر للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يُلدغُ المؤمن من حُجْر مرتين" فهو تحذيرٌ وتنبيهٌ للمؤمنين الغافلين من أن يقعوا فريسة لخداع الأشرار ومكائدهم. وقد جاء في حديث الجنّة: "يدخلُني غِرَّةُ الناس" أي البسطاء الذين لم يجرّبوا الأمور، فهم قليلو الشرّ منقادون، وقد آثروا إصلاح أنفسهم والتزوُّد لمعادهم ونبذوا أمور الدنيا2.
*من أجمل النثر
ما قيل في شعر المديح قصيدة قالها الشاعر الكبير بولس سلامة في مدح الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره، ومنها هذه الأبيات:
طالِبيٌّ لم يخيِّبْ مأْملاً |
للعلى بل زادَ فوق الجاهِ جاهَا |
تخشعُ الأقطابُ إجلالاً له |
فإذا تَذْكُرُه تحني الجِباها |
صيتُه الفوَّاحُ في عاملةٍ |
يبعثُ الأشواكَ ورداً في رُباها |
أصبحَتْ صُورُ به أُمَّ القُرى |
بُورِكَ النَّسْرُ الذي يحمي قُراها3 |
*من أقبح الشعر
رمى الوليدُ بن يزيد (لعنهما الله) القرآن بالنشَّاب، وهو في مجونه وسكره، فقد ذكروا أنه عاد ذات ليلة بمصحفٍ، فلما فتحه وافق صفحةً فيها: ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ﴾ (إبراهيم: 15-16)، فأخذ القوس والنبْلَ وجعل يرميه حتى مزَّقه، ثمَّ قال:
تهددني بجبَّارٍ عنيدِ؟ |
فها أَنَذاكَ جبَّارٌ عنيدُ |
إذا ما جئت ربَّكَ يومَ حَشْرٍ |
فَقُلْ يا ربّ: مزَّقني الوليدُ 4 |
*من أجمل الاستعارة
معروفٌ أنّ الغضب هو نقيضُ الرِّضا، وقد غضِبَ اللهُ على الكافرين، أي أنكَرَ عليهم عِصْيانهم وأبعدهم عن رحمته وعاقبهم. ولكنّ العرب تستعيرُ الغضب لغير المعقول فتقول: غَضَبَ الخيْل على اللِّجام، أي تَعَضُّ على اللِّجام فكأنها تغضب. والغَضْبُ: الثوْر، والغَضوبُ: الحيَّة الخبيثة. ومن الاستعارة قولُه تعالى:
﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ (الفرقان: 12)، أي صوتاً كصوتِ المتغيِّظ الغضبان، فقد جعل الله عزَّ وجلَّ للنار غَضَباً على الاستعارة.
*من الأضداد
"الغابِرُ": لهذه المفردة معنيان، فالغابرُ هو الماضي، والغابرُ هو الباقي، ومن هنا التضادّ؛ وفي معنى الباقي جاء في الحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان اعتكف العَشْرَ الغوابر من شهر رمضان، أي البواقي، جمع غابر. ونقول في الأُحدوثة: حَصَل ذلك في الزمن الغابر، أي الماضي.
*من غريب القرآن والحديث
"مُقْمَحُون"، قال الله تعالى:
﴿فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ (يس: 8)، أي خاشعون أذلاّء لا يرفعون رؤوسهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "سَتَقْدمُ على الله تعالى أنت وشيعتُك راضين مَرْضيِّين، ويقدمُ عليك عدوُّكَ غِضاباً مُقْمَحين"5 ثمّ جمع يده إلى عُنُقه يُريهم كيف الإقماح؛ لأنّ الأغلال تجعل الأيدي تلي الأذقانَ والأعناق6.
*من المتقارب لفظاً ومعنًى
"دَحَرَ - دَحَقَ"؛ نقول: دَحَرَهُ يَدْحَرُه دَحْراً ودحوراً: دفعه وأبعده (طرده)، وقد جاء في التنزيل العزيز:
﴿وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا﴾ (الصافات: 8-9)،
أي يُباعَدون ويُطرَدون. ومثلُه فعل دَحَقَ. وجاء في حديث عَرَفَة: "ما مِنْ يومٍ إبليسُ فيه أَدْحَرُ ولا أغيظُ من يوم عَرَفَة" 7. والدَّحْرُ هو الدفعُ بعنف على سبيل الإهابة والإذلال. والدَّحْقُ: الطردُ والإبعاد، وقد جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام: "سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن"8.
*عامِّيّ أصلُه فصيح
"الضَّهْر": كنَّا نظنُّ - كبقية الناس - أنَّ "الضَّهْر" كلمةَ عاميَّة أصلُها الظَّهْرُ، ثم اتَّضَحَ لنا بعد البحث في معاجم اللغة، أنّ الضَّهْر كلمة فصيحة ولها معنيان: السُّلْحفاة، والبُقعةُ من الجبل يخالفُ لونُها سائرَ لونه، وقيل: أعلى الجبل. هذا وأغلبُ الظنّ أنّ أصل الضَّهْر والظَّهْر واحد، وهو الظُّهور والبروز.
*من حِكَمِ الأجداد
"الطعام نصفُه يُقيت ونصفُه يُميت".
يُروى أنَّ الشيخ رشيد حمادة شيخ عقل الدروز في زمانه، حضر يوماً إحدى الحفلات، فشربَ نصف كوب الليموناضة وترك الباقي، وعندما جيء إليه بصحن من الحلوى تناول كذلك نصف ما كان فيه وترك الباقي، وهكذا فعل بالقهوة إذ شرب نصف ما كان في الفنجان، فلمّا سئل عن السبب قال: "الطعام نصفُه يُقيت ونصفُه يُميت".
*من دقائق اللّغة
"الشُّكْرُ والحَمْد": الشكْرُ مثلُ الحمد إلاّ أنَّ الحَمْدَ أعمُّ منه، فإنَّكَ تَحْمَدُ الإنسانَ على صفاته الجميلة وعلى معروفه في حين أنَّك لا تشكره إلا على معروفه دون صفاته؛ لذا فنحن نشكر الله على نعمائه وآلائه، ونَحْمَدُه على كلِّ حال، لأنه أهلٌ لذلك.
*هل من تناقُض؟
الثعبان، في لغة العرب: الحيَّة الضخم الطويل، الذَّكَرُ خاصَّة؛ يقول الله تعالى:
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾(الأعراف: 107)، وقال سبحانه في موضع آخر: ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ (النمل: 10)، والجانُّ: الصغير من الحيَّات، فكيف جاز هذا الاختلاف؟ والجواب هو: أنَّ خَلْقَها خَلْقُ الثعبان العظيم، واهتزازُها وحركتُها وخفَّتُها كاهتزاز الجانِّ وخفَّته، فليس في الآيتين تناقضٌ أو تضادّ.
*من نوادر العرب
يُحكَى أنه أُجريَتِ الخيلُ للرِّهان (السِّباق) يوماً، فجاء فرسٌ فسَبَقَ، فجعل رجلٌ من المشاهدين يكبِّر ويثبُ من الفرح، فقيلَ له: أكان الفرسُ لك؟ فقال: لا، ولكنَّ اللِّجامَ لي!
* عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج72 ص265.
2- لسان العرب، ابن منظور، ج5 ص12.
3- موسوعة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، مجلد 8، ص312.
4- بحار الأنوار، م.س، ج38 ص193.
5- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج1 ص31.
6- لسان العرب، م.س، ج2 ص566.
7- كنز العمال، المتقي الهندي، ج5 ص72.
8- نهج البلاغة، الخطبة 57.