اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

من القلب إلى كل القلوب: من آيات الله (أزواجاً من أنفسكم)

سماحة السيد حسن نصر الله

 



بعد أن تكلّمنا عن الأسرة، النواة الأولى في تركيب أي مجتمع بشري، وقلنا إن الحلقة الأضيق هي الأب والأم، الزوج والزوجة ثم الأولاد وتحدثنا عن المسؤولية تجاه الأبوين نتكلم الآن عن مسؤولية الزوجين تجاه بعضهما بعضاً. قال تعالى في كتابه المجيد ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: 21). إن الزواج حاجة فطرية غريزية طبيعية عند الإنسان. وهو بحسب النظرة الإسلامية له هدف، فالإسلام يريد للزواج أن يكون ناجحاً محتفظاً بعناصر الديمومة والبقاء والثبات. ومن أسس نجاح الزواج أن يكون كلٌّ من الزوج والزوجة سكناً للآخر (كما ورد في الآية) وهو ما يحقق الهدف المنشود من خلال تحصيل الاستقرار النفسي والهدوء والطمأنينة بين الزوجين فيكونان عوناً لبعضهما بعضاً على مواجهة تحديات الحياة وعوناً على الآخرة.

 

* مقوّمات الزواج الناجح
ومن أجل الوصول إلى زواج ناجح نبّه الإسلام إلى عدة مسائل وأكّد على مراعاتها.

أوّلاً: حثّ الإسلام على أصل موضوع الزواج مقابل فكرة البقاء على العزوبية.

ثانياً: أكّد الإسلام على ضرورة تأسيس الزواج على أُسس صالحة صحيحة، من خلال الابتعاد عن الإكراه أو إجبار أحد الطرفين في الزواج أو الطرفين معاً، وهو ما يحصل عادة بسبب علاقات القرابة مثلاً أو تجميع الثروات وهو ما يؤدّي غالباً إلى فشل الزواج. لذلك نجد في الأحكام الشرعية والأحاديث نهياً عن إكراه الطرفين الذكر والأنثى، وضرورة الرضا والقبول بالشريك الآخر لأن هذا الزواج حياتُهما وفيه سعادتُهما. وكما أكّد الإسلام على ضرورة اختيار الزوجين لبعضهما بعضاً، قام أيضاً بعملية إرشاد واسعة جدّاً من منطلق: على أي أساس يُختار الزوج أو الزوجة، وبعيداً عن التقاليد والعادات الجاهلية التي ما زالت حتى أيامنا هذه؛ فالأهل يذهبون عادةً باتجاه الغنى أو الوجاهة ويتجنّبون الفقير والفقيرة. وقد يبحثون عن جمال الشكل ومعايير الجسد الخارجية. لذلك جاء الإسلام ليؤكّد على صفة الصلاح في الرجل والمرأة، التي تعني حُسن الخُلُق والعفّة؛ لأن المال لا يدوم، وكذلك الجمال والجاه.

ثالثاً: السعي للوصول إلى سنّ مبكرة للزواج وتسهيل ما قد يعترضه من تعقيدات، إذ يكفي رضا الطرفين ورضا وليّ الأمر، في شروط معينة، ليتم عقد الزواج. وهناك للأسف عادة قديمة ما زالت متّبعة حتى اليوم وهي غلاء المَهْر، لذا جاء الإسلام ليقول: "أفضل نساء أُمتي من كان مَهْرُها متواضعاً". فمعيار الزواج الناجح ليس مرتبطاً لا بالمهر ولا بالمال. فالمال لا يشكّل ضمانة؛ لأن الزوج الذي لا يملك العفاف والصلاح قد يُضطر المرأة إلى أن تدفع له مهرها وتزيد عليه حتى يطلّقها. إنّ الزواج المبكر يساعد على الثبات والاستقرار والطمأنينة. وإذا كانت بعض الزيجات المبكّرة فاشلة فليس السبب التبكير في الزواج، بل العجلة والتسرُّع، أي عدم حسن اختيار الزوج أو الزوجة، كما هو الحال أيضاً في الزيجات غير المبكّرة.

رابعاً: لكي يحافظ الإسلام على العائلة عقّد عملية الطلاق، ولكنه لم يسدّ الباب نهائياً، كما في بعض المذاهب والديانات الأخرى. فالإسلام فتح باب الطلاق ووضع قواعد له، ومنها أنه يحتاج إلى شاهدين عَدْلين. ولهذين الشاهدين دور مهم في تلطيف الأجواء بين الزوجين المتخاصمين، فقد يعتذر الزوجان عما بدر منهما من تسرُّع، ويحلُّ الوفاق محلَّ الطلاق. لقد شرّع الإسلام الطلاق وحلّله على الرغم من أنه أبغض الحلال، ذلك أن بعض الحالات الزوجية لا يحلّها إلّا الطّلاق.

خامساً: روح العلاقة التي يجب أن تكون بين الزوج والزوجة. وللنظر في هذه العلاقة هناك عنوانان: القانوني والفقهي. فعندما تُعدَّد حقوق الزوجة وتُعدَّد حقوق الزوج، وتُحدَّد واجبات كلّ منهما تجاه الآخر، فهذا ما يُسمّى بالعنوان القانوني أو الحقوقي. أمّا العنوان الثاني الفقهي فهو أرفع من الأوّل، لأنّه العنوان الروحي والأخلاقي. العنوان الأوّل ليس هو الأصل ولا نلجأ إليه إلا عندما يكون هناك مشكل أو نزاع. أما العنوان الثاني فهو الأصل الذي أراد منّا الإسلام أن نقيم علاقاتنا الزوجية على أساسه، وهو علاقة الحبّ والاحترام والتراحم والتّعاون والانسجام بين الزوجين حتى يصبحا كأنهما نفس واحدة.

* الزواج يقرّب إلى الله عزّ وجلّ
لقد حصَّن الإسلام كرامة المرأة واحترامها الإنساني والأخلاقي الكامل. الإسلام يقول: إذا أقمتم العلاقة الزوجية وهي علاقة طبيعية غريزية على أسس صحيحة فهذا يُعينكم على حياتكم ودينكم وآخرتكم، لذلك أتت الروايات تقول إن الإنسان المتزوج قدرته على تجنب المعاصي أكبر من قدرة العازب. فطمأنينتُه وهدوؤه النفسي والقيام بالطاعات عنده أفضل. والأهم من كلّ ما تقدَّم هو تحويل العلاقة الزوجية إلى عبادة، وإلى واحدة من المصاديق التي تُقرِّب إلى الله عزّ وجلّ. وعندما يقوم أحد الزوجين بخدمة الآخر فإن الله سبحانه يقول: هذا له أجر عندي، وثوابه عظيم. لقد أعطى الله تعالى العلاقة والتعاطي بين الزوجين بُعداً أخروياً، وبالتالي فهناك عقاب في حال التخلُّف عن الخدمة أو التّراخي أو الإيذاء. إذاً، أدخل الله تعالى مؤسَّسة الزّواج في دائرة الثواب والعقاب الأخروي، وفي هذا الموضوع سألت أُمُّ سلمة كما ورد على لسان الإمام الصادق عليه السلام الرسول صلى الله عليه وآله عن فضل النساء في خدمة أزواجهنَّ، فقال لها: "أي امرأة رفعت من منزل زوجها شيئاً من موضع إلى موضع (كترتيب المنزل) تُريد به صلاحاً نظر الله عزّ وجلّ إليها، ومن نظر الله إليه لم يُعذِّبه"(1)، وعن الرسول صلى الله عليه وآله: "أيُّ امرأة خدمت زوجها سبعة أيام، غَلَق الله عنها سبعة أبواب من النار، وفتح لها ثمانية أبواب من الجنة تدخل من أيّها شاءت" (2) . وفي المقابل، عن الرسول صلى الله عليه وآله قال: "إنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى امرأته" (3)، وعنه صلى الله عليه وآله: "جلوس المرء عند عياله أحبُّ إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا"(4).

* الصبر على الأذى
أمّا الإيذاء فله قدر من العقاب. والصبر على الأذى له قدر من الثواب. وفي الحديث: "ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمُّه، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتُطيعه في جميع أحواله" (5)، طبعاً إلّا في معصية الله. وعن الرسول صلى الله عليه وآله: "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنةً من عملها حتى تعينه وترضيه، حتى ولو صامت الدهر..." (6).

وفي المقابل، على الرجل مثل ذلك الوِزْر والعذاب إذا كان مؤذياً ظالماً لها، حتى ولو صام الدهرَ كلَّه. أما الصبرَ على سوء الخُلُق، فعن الرسول صلى الله عليه وآله: "... ومن صبرَ على سوء خُلُق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب مثل ما أعطى أيوب عليه السلام على بلائه، وكان عليها هي من الوِزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج..." (7).


(1) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 20، ص 172.
(2) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 2، ص 1186.
(3) م. ن.
(4) م.ن.
(5) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 73، ص 354.
(6) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 20، ص 254.
(7) بحار الأنوار، م. س، ج 73، ص 367.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع