الشيخ تامر محمد حمزة
دَحْي بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده الياء أخت الواو على وزن فعل (1).
ودحي: المدحاة خشبة يدحي بها الصبي فتمرّ على وجه الأرض لا تأتي على شيء إلا اجتحفته.
ومطر داحٍ: يدحى الحصى عن وجه الأرض. والدحو البسط (2).
دحاها من الدحو بمعنى الانبساط (3).
* سفر إلى ما قبل الزمان والمكان
كيف كان العالم قبل الإيجاد؟ ومتى رفع الله تعالى السماء وبسط الأرض؟ وأين كان الزمان والمكان؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لا يجد السائل أي جواب عنها وذلك لعدم قابلية العقل البشري حتى على إيجاد صور في عالم الخيال. ولم يتعرض القرآن الكريم لكل ذلك عدا ما ذكره من الإيجاد التراتبي بين السماء والأرض كما نفهمه بالتأمّل والتدبّر من سياق الآيات وجاء على ذكر دحو الأرض في آية واحدة من سورة النازعات حيث صوّر لنا المشهد لعملية الخلق فقال: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا*وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا*أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا*وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا*مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ (27-33). طبقاً لترتيب القرآن الكريم في آياته فإن أوّل الخلق المادي هو بناء السماء ثم رفعها الله تعالى وسوّاها وبعدها أوجد الزّمان بإيجاد الليل والضّحى ثم دحى الأرض، فتحدد المكان، ثم أرساها بالجبال.
* الكعبة ودحو الأرض
كل ما ذُكر من شرف وقدر للكعبة يضاف إليها أن بداية الأرض كانت من تحتها, ولا يقال: كيف انبسطت الأرض من تحتها؟ ألم تكن الكعبة على الأرض؟ وإذا لم تكن فأين كانت يا ترى؟ لأنه يقال إن أول بقعة خلقت هي البقعة التي وضعت عليها الكعبة الشريفة ثم دحيت الأرض من تحتها حتى صارت على الهيئة التي عليها الآن. ويدل عليه ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام بقوله: "لمّا أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت متن الماء حتى صار موجاً ثم أزبد فصار زبداً واحداً فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول الله ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 96)، فأول بقعة خُلقت من الأرض الكعبة ثم مُدّت الأرض منها" (5). وأما الفارق الزماني بين خلق الكعبة ودحو الأرض فهو ألفا عام. ويدل على ذلك ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام فقال: "وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثّهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له وهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلَقَه الله قبل دحو الأرض بألفي عام" (6).
* الخامس والعشرون من ذي القعدة
لقد تبين من سياق الآيات الكريمة وبعض الأخبار الشريفة أن الزمان تحصّل بخلق الليل والنهار، ونتج منهما الشّهور والسّنون والأيّام والأسابيع. لذا بإمكاننا أن نقول إنّ دحو الأرض تحقق في واحدة من آنات الزمان، وصادف ذلك في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وهو الثابت في الأخبار، ولم تحد عنه ولو رواية واحدة. ولذا صار هذا اليوم بسبب ذلك وما اجتمع فيه من حوادث أخرى يوم فضيلة تُطلب فيه الأعمال وتتضاعف فيه الحسنات وتُمحى السيئات. وهنا لا بأس بالإشارة إلى ما حدث فيه من مناسبات وما يستحب للعبد أن يفعله ويقوم به.
النحو الأول: المناسبات
أ أول رحمة وضعت على الأرض
عن الإمام الكاظم عليه السلام: "وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة أول رحمة وضعت على وجه الأرض" (7). وعن عبد الله بن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنزل الله الرحمة لخمس ليال بقين من ذي القعدة" (8).
ب هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض
عن الإمام الرضا عليه السلام: "وهبط فيه آدم" (9).
ج تعظيم الكعبة على آدم عليه السلام.
عن الإمام الكاظم عليه السلام: "في الخامس والعشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام" (10).
أقول: والمراد من إنزال الكعبة إما إنزال الحجر الأسود من الجنة وإما إنزال تعظيم الكعبة على آدم، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "وأنزل تعظيم الكعبة على آدم عليه السلام" (11). ولادة نبيي الله إبراهيم الخليل وعيسى ابن مريم صلى الله عليه وآله. روى الحسن بن علي الوشاء قال: "كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة فقال لهم: ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام وولد فيها عيسى ابن مريم عليه السلام" (12).
* النحو الثاني: المستحبات
أـ الصلاة: صلاة ركعتين يؤتى بهما عند الضحى بالحمد مرة والشمس خمس مرات ويقول بعد التسليم: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم يدعو ويقول: يا مقيل العثرات أقلني عثرتي ويا مجيب الدعوات أجب دعوتي ويا سامع الأصوات اسمع صوتي وارحمني وتجاوز عن سيئاتي وما عندي يا ذا الجلال والإكرام (13).
ب الصوم: هو أحد الأيام الأربعة التي يُؤكِّد فيها استحباب الصوم كما في الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام قال: "الأيام التي يصام فيهن أربعة إلى أن قال ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض" (14). أقول وثواب الصوم فيه كثير ويدل عليه: ما جاء في خبر الوشاء عن الرضا عليه السلام: "فمن صام ذلك اليوم كمن صام ستين شهراً" (15). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها" (16).
ج الإكثار من ذكر الله: والاهتمام بالدعاء لمولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه. يعلق الميرزا الأصفهاني على الأدعية الموجودة في إقبال الأعمال وزاد المعاد بقوله: "وقد اختلج بالفؤاد نكت شريفة لهذا الارتياد نذكرها تشويقاً للعباد، منها: إنه الخامس والعشرون من ذي القعدة اليوم الذي وعد في مثله ظهوره فإذا رأى المؤمن أن هذا اليوم من هذه السنة قد أتى ولما يظهر إمامه تجدد حزنه وعظم غمه وبعثه عقله وإيمانه إلى الدعاء له وطلب تعجيل فرجه" (17). ومن أهم الأدعية ما ذكره الشيخ "رحمه الله" في مصباحه الذي افتتح الدعاء بقوله: "اللّهم داحي الكعبة وفالق الحبة وصارف اللّزبه وكاشف كل كربة..." (18).
(1) معجم ما استعجم، البكري الأندلسي، ج 2، ص 547.
(2) العين، الخليل الفراهيدي، ج 2، ص 280.
(3) الأمثل، الشيرازي، ج 19، ص 392.
(4) بحار الأنوار، المجلسي، ج 74، ص 298ـ 299.
(5) تفسير الميزان، الطباطبائي، ج 3، ص 356.
(6) الكافي، الكليني، ج 4، ص 198.
(7) جواهر الكلام، الجواهري، ج 17، ص 100.
(8) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 10، ص 451.
(9) الكافي، م. س، ج 4، ص 150.
(10) وسائل الشيعة، م. س، ج 10، ص 450.
(11) جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج 17، ص 101.
(12) وسائل الشيعة، م. س، ج 10، ص 449.
(13) المصباح، الكفعمي، ص 657.
(14) جواهر الكلام، م. س، ج 17، ص 101.
(15) مفاتيح الجنان، القمي، ص 311، أعمال ليلة الخامس والعشرين.
(16) جواهر الكلام، م. س، ج، ص 101.
(17) مكيال المكارم، الأصفهاني، ج 2، ص 34.
(18) مصباح المتهجده الطوسي، ص 669.