تناولنا في العدد السابق في حديثنا حول"الإشارات العلمية في القرآن" موضوع الأرض، وكيف اظهر القرآن الكريم ظاهرتي دوران الأرض حول الشمس، ودورانها حول نفسها، وسوف نستكمل البحث في هذا الموضوع راجين من المولى القدير التوفيق...
* أولاً: رجفة الأرض
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة﴾ (النازعات: 6).
الملاحظ هنا أن المولى القدير أسمى الأرض أيضاً باسم صفتها، والتعريف العلمي لكلمة الرجفة، بأنها حركة منتظمة بالنسبة لسطح أو خط ثابت، وحركة الرجفة تختلف عن حركة الدوران، وقد بين علم الفلك أن للأرض بالإضافة إلى حركتي الدوران حول نفسها وحلو الشمس، حركة تدخل في التعريف العلمي للرجفة وهي الترزخ أو التمايل، وهي رجفة بطيئة تتمايل خلالها الأرض من اليمين إلى الشمال بالنسبة لمحورها العمودي في مدة تستغرق 25800 سنة، وهناك حركة الميسان أو الذبذبة التي تجعل مسار الأرض حول الشمس متعرجاً، وهذه الحركات المختلفة عن دوران الأرض والتي لا نشعر بتأثيرها هي نتيجة تأثير جاذبية القمر والنجوم وبقية الكواكب على الأرض إلا أن القرآن الكريم لم يغفلها لذلك أسمى الأرض بالراجفة.
* ثانياً: شكل الأرض
﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ (النازعات: 30).
شكل الأرض شبه كروي، فهي مسطحة قليلاً في اتجاه محور القطبين، ومنتفخة قليلاً في اتجاه محور خط الاستواء بفعل دورانها حول نفسها، لكن هذه الفروقات بشكل الأرض هي من القلة بحيث لا تستطيع أن تكتشفها إلا الحسابات الدقيقة، فطول شعاع الأرض عند خط الاستواء والقطب (20 كلم تقريباً) يجعل الأرض تبدو لنا كروية كما رآها رواد الفضاء وصورتها الأقمار الاصطناعية وان كانت في الحقيقة بيضاوية أو اهللجية الشكل.
و"دحى" لغوياً تعني الاسترسال والبسط والتوسع والانتفاخ والانفتاح، ونلاحظ الإعجاز اللغوي العلمي القرآني في كلمة «دحاها»التي تعني أن المولى جعل الأرض مسطحة وبيضاوية في آن واحد. فكل جسم عظيم الحجم كالأرض، وأن كان بيضاوي الشكل، يبدو للناظر الواقف على جزء منه كأنه مسطح المستوى.
ثالثاً: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون﴾ (النمل: 88).
فلو كانت الأرض بحجم القمر لانخفضت جاذبيتها إلى السدس مما هي عليه، وما استطاعت ان تمسك بالماء فوق سطحها ولانعدمت إمكانية الحياة على ظهرها كما هي الحال على سطح القمر، علماً بأن القمر والأرض نشأ من كتلة غازية واحدة، فما سبب ذلك؟؟.
كما انه لو كانت الأرض بحجم الشمس، لبلغت جاذبيتها مئة وخمسين مرة عما هي عليه ولارتفع الضغط الجوي على سطحها إلى معدل طن واحد في كل بوصة مربعة، وفي ذلك استحالة نشأة كل حياة على سطحها، علماً أن الشمس والأرض انفصلتا من كتلة غازية واحدة، فما علة ذلك؟!.
ولو كانت المسافة التي تفصل الأرض عن الشمس بزيادة أربع ملايين ونصف المليون من الكيلومترات (أي 154 مليون كلم بدلاً من 150 مليون كلم) لانخفضت درجة حرارتها إلى 180 درجة تحت الصفر على سطحها ولو نقصت هذه المسافة بمقدار مليون ونصف من الكيلومترات (أي 5،148 مليون كلم بدلاً من150 مليون كلم) لارتفعت حرارتها إلى 45 درجة فوق الصفر، ولانعدمت في كلتا الحالتين إمكانية الحياة على سطحها.
ولو كان دوران الأرض حول محورها العمودي مستقيماً وليس مائلاً كما هي الحال في دوران كوكب المريخ حول نفسه لانعدمت إمكانية الحياة على سطحها.
وما الذي تقدم ذكره إلا بعض الحقائق التي تدل على النظام المحكم، والمودع في الأشياء من قبل اللَّه الحكيم.