الشيخ د. أكرم بركات
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 96).
الخامس والعشرون من ذي القعدة هو تاريخ دحو الأرض، وبعبارة أخرى، يوم ميلاد الأرض. إنّه تاريخ نتذكّر فيه نعمة الله علينا في تهيئة المسكن العام للبشريّة مع كلّ لوازم الحياة فيها، وهذا ما يستوجب منّا حمد الله تعالى ثناءً وشكراً.
* دحو الأرض ورفع الكعبة
لعلّ هذا التاريخ الواقع أو المقارب لأيّام الحجّ له رسالة ترتبط بتاريخ الأرض؛ فقد ورد في قصّة دحو الأرض أنّ الله تعالى حينما أراد أن يدحوها رفع موضع الكعبة ودحا الأرض من تحتها. وحينما نزل آدم وحواء عليهما السلام، كان نزولهما قرب ذلك الموضع؛ آدم إلى صخرة الصفا، لأنَّ الله اصطفاه، والمرأة حواء عند صخرة المروة. وهناك، أرشد جبرائيل آدم إلى الموضع المبارك ليبني فيه الكعبة المشرَّفة لتكون أوّل بيت وضع للناس.
* بركة هذا البيت
إنَّ بركة هذا البيت لم تقتصر عليه، بل شملت كلّ المسجد الحرام، ولم تقتصر على المسجد الحرام، بل شملت كلّ مكّة.
ورد في الحديث: إنّ الله اختار من كلِّ شيء شيئاً: اختار من الأرض مكّة، واختار من مكّة المسجد الحرام، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة(1).
وبما أنّ البركة تعني الزيادة، فقد برزت بركة مكّة في زيادة الثواب من الله تعالى، وهذا ما يظهر من خلال العناوين الآتية:
1. التسبيح: عن الإمام الصادق عليه السلام: «تسبيح بمكّة يعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله»(2).
2. السجود: عن الإمام الصادق عليه السلام: «الساجد بمكّة كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله»(3).
3. ختم القرآن: عن الإمام الصادق عليه السلام: «من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرى منزله من الجنّة»(4).
4. النفقة: عن الإمام الصادق عليه السلام: «الدرهم فيها بمئة ألف درهم»(5).
* فضل المسجد الحرام
وقد اختار الله من مكّة المسجد الحرام، ومن بركات هذا المسجد، ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام:
- عن الإمام الصادق عليه السلام: «الصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة»(6).
- عن أمير المؤمنين عليه السلام: «صلاة الفريضة تعدل ثواب حجّة»(7).
- وعنه عليه السلام: «النافلة في المسجد الحرام الأعظم تعدل عمرة مبرورة»(8).
* فضل الكعبة
وقد اختار الله من المسجد الحرام الموضع الذي فيه الكعبة، ومن فضل الكعبة:
1. توجّه المسلمين إليها في صلواتهم وذبائحهم.
2. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «النظر إلى الكعبة حبّاً لها يهدم الخطايا هدماً»(9).
3. عن الإمام الباقر عليه السلام: «فإذا طفت بالبيت أسبوعاً كان لك بذلك عند الله عزّ وجلّ عهد وذكر يستحي منك ربّك أن يعذّبك بعده»(10).
* خصوصيّاتها
بارك الله الكعبة بـ:
1. حجر أسود يمثّل ميثاق الفطرة بين الإنسان وربِّه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: 172).
حجرٌ ورد أنّه كان من أحجار الجنّة، وفيه ميثاق الفطرة. من هنا، ورد أنّه يستحبّ عند الحجر الأسود أن تقول: «اللهم أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة»(11).
2. ركنٍ يمانيّ هو «باب من أبواب الجنّة فتحه الله لشيعة آل محمّد، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلّا صعد دعاؤه حتّى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله حجاب»(12).
3. دفن أولياء وأنبياء، فبين الركن اليمانيّ والحجر الأسود قبور سبعين نبيّاً ماتوا جوعاً، وفي حجر إسماعيل قبر هاجر وولدها النبيّ، وشبر وشبير ولدي هارون النبيّ.
* خصوصيّات موضعها
بارك الله موضع الكعبة:
1. ليكون منطلقاً للرسالة الخاتمة الإسلام العزيز على يد خاتم الأنبياء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
2. لينشقّ جدارها أمام فاطمة بنت أسد عليها السلام حينما وقفت قرب الركن اليمانيّ تدعو الله تعالى أن يسهِّل ولادتها، فإذا بجدار الكعبة ينشقّ لتدخل إلى جوفها لتلد فيها سيّد الوصيّين علي بن أبي طالب عليه السلام، لترمز ولادتها فيها إلى انصهاره بالتوحيد وذوبانه بالله تعالى:
ولدته في حرم الإله وأمنه
والبيت ِحيث فِناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
ما لفّ في خرق القوابل مثله
إلّا ابن آمنة النبيّ محمّد
وختاماً ليكون منطلقاً لحركة الإصلاح العالميّة وتحقيق الحكومة الإسلاميّة المحمّدية الكبرى بقيادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
(1) مستدرك الوسائل، الشيخ الطبرسي، ج 9، ص 347.
(2) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 9، ص 383.
(3) المصدر نفسه، ج 13، ص 290.
(4) المصدر نفسه، ج 13، ص 289.
(5) نضد القواعد الفقهية، المقداد السيوري، ص 259.
(6) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 4، ص 504.
(7) الدرر النجفيّة، المحقّق البحراني، ج 2، ص 308.
(8) مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 3، ص 421.
(9) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 13، ص 265.
(10) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 643.
(11) الهداية، الشيخ الصدوق، ص 225.
(12) الكافي، الشيخ الكليني، ج 4، ص 409.