إعداد: إبراهيم منصور
* من أجمل الرُّدود
قال قومٌ من الخوارج لمحمد ابن الحنفية (ابن الإمام عليّ عليه السلام):
ـ لِمَ غرَّر بك أبوكَ في الحروب، ولم يُغرِّر بأخوَيْك الحسن والحسين؟
فأجابهم مُفحِماً إيَّاهم: ـ لأنَّهما عيناه، وأنا يمينُه، فهو يدافع عن عينيه بيمينه!
* من بلاغة الإمام علي عليه السلام
قال إمام البلاغة عليٌّ عليه السلام: "عرفت اللهَ سبحانه بفَسْخِ العَزائم وحَلِّ العُقود" (1). قال الشيخ محمد عبده (شارح نهج البلاغة) في شرحه لهذه الدُّرَّة العُلْوية: (العقود جمعُ عَقْد، بمعنى النيَّة تنعقد على فعلِ أمر، والعزائمُ جمعُ عزيمة، وفَسْخُها نقضُها. ولولا أنَّ هناك قُدرةً سامية فوق إرادة البشر لكان الإنسان كلَّما عَزَمَ على شيء، أمضاه. لكنّه قد يعزمُ، واللهُ يَفسَخُ). وقولُ الإمام عليّ عليه السلام، هذا، هو دليلٌ فطريٌّ على وجود الله سبحانه. وهو انسجامٌ مع القول المأثور: اللهُ يُريد، وأنا أُريد، واللهُ فعَّالٌ لما يريد.
* قالت لي المرآة
في صباح يوم ربيعيٍّ جميل وقد بدأت الشمس تغزلُ بواكيرَ خيوطها الذهبية لتحوك للمروج الخُضْر السندسيَّة حُلَلاً قشيبةً مزدانةً بلآلئ الندى لبسْتُ ثيابَ العيد، وأعددتُّ البندقية، وشحذتُ السكين.. ثم وقفتُ لحظات، قِبالة المرآة، لأتأمَّلَ شكلي قبل المغادرة. فقالت لي:
ـ كم يُلائمُكَ زيُّ السفَّاحِ هذا!
ـ ماذا؟ سفَّاح؟!
ـ وماذا تُسمِّي نفسكَ إذاً؟
ـ أنا أمارسُ رياضة القنص، وهي هواية أثيرةٌ لدى البشر.
ـ أتُسمِّي قَتلَ الطيور وهي من أجمل مخلوقات الله هوايةً ورياضة؟!
ـ لا حيلةَ لنا، نحن الصيَّادين، في ذلك؛ يبدو أنَّ الله زرع في خلايا الإنسان، منذ أقدم العصور، جيناً وراثيّاً خاصاً بالقنص. ولولا ممارسة هذه الهواية لكان الناس قتل بعضهم بعضاً، كما يقول علم النفس.
عندئذٍ قالت لي بازدراء: ـ هُراء! إنما هذه ذريعة لتسوِّغوا بها قسوتكم، وتُداروا جريمتكم. ألا تعلمُ أن الله، سبحانه، خلق الطيور لتزيِّن هذا الكوكب الجميل بجمال مناظرها ورشاقة طيرانها وروعة تغريدها؟! وأنتَ تذهب لتقتل أمَّهات الطير، وهي تأتي بالطعام لفراخها في الزَّغَب. ومع ذلك فأنت تستغرب كلمة سفَّاح! بربِّكَ قُلْ لي: أيُّ كائن أنت؟! فلمَّا وجمتُ، وحرْتُ جواباً، خفَّفتْ مرآتي حِدَّة أسلوبها الجارح فقالت:
ـ اسمع، من أهمّ موازين الحياة على هذه الأرض التوازن البيئي "الإيكولوجي" والتنوُّع البيولوجي، والإخلال بهما جريمة كبرى، وقد يُودي بالحياة نفسها؛ إذ إنَّ طائر الشَّرَقْرَق (2)، وحدَه، يأكلُ سنويَّاً مليار حشرة طائرة أو زاحفة! فكم تأكلُ طيورُ الشَّرقْرَق في العالم كُلِّه؟ وكم تأكل ملايين من مختلفِ الأنواع المعروفة والمجهولة؟ ولولا هذه الطيور التي تتباهى بقتلها، لكنتَ أيها الإنسان تتنفَّس، بدل الأوكسجين، حشرات!!
* الأَعراب أساتذةُ الإعراب
سمع الكسائيُّ (وهو رئيس أدباء الكوفة في علوم اللغة العربية) أَعرابيّاً يقولُ: "إنَّا قائماً"، فأنكرها عليه واتَّهمه باللَّحْن (3)، إذ ظنَّ الكسائيُّ أنَّ الأعرابيَّ لفَظ "إنَّ" المشدّدة الناصبة للاسم والرافعة للخبر، فحقُّها أن ترفع "قائماً". فاستثْبتَه طالباً إليه أن يُفصح عن مُراده بهذا القول، فإذا بالأَعرابيّ يريد: " إنْ أنا قائماً، أي "ما أنا قائماً"، فاستعمل "إنْ" النافية العاملة عمل "ليس"، لا "إنَّ"، ثمَّ ترك همزةَ "أَنا" تخفيفاً، وأدغمَ (شدَّد حرف النون)، على حدِّ قوله تعالى: "لكنَّا هو اللهُ رَبِّي"، أي "لكنْ أنا..".
* من جذور الكلام
"الطائف" اسم مدينة في الحجاز، جنوبي مكَّة إلى الشرق، مشهورة بطيب مُناخها وهوائها ووفرة مائها وثمرها. كان اسمُها، قديماً، "وَجّ"، ثم بنى أهلها حولَهم سوراً كبيراً فبدا كأنّه حصنٌ طائفٌ بهم، أي مُحيط، لذا أُطلق عليها اسمُها الجديد: "طائف".
* من أمثال العرب
- "بعد اللتيّا والتي": جاء في "المنجد": هُما الداهية الصغيرة والكبيرة، وقيل: أصله أنَّ رجلاً من قبيلة "جديس" تزوَّج امرأةً صغيرة فقاسى منها الشدائد، وكان يُعبِّر عنها بالتصغير "اللتيَّا". ثم تزوَّج امرأة طويلة فقاسى منها أضعاف ما قاسى من الصغيرة، فطلَّقها وقال: "بعد اللتيّا والتي، لا أتزوَّج أبداً"!
-"إنّ البغاثَ بأرضنا يَسْتنْسِرُ": البُغاثُ هو طائر أغبرُ أصغر من الرَّخَم، بطيءٌ في الطيران. لذا يُضرَبُ به المثل في الضعف والتخاذل، فيُقال: "إنَّ البُغاثَ بأرضنا يستنسرُ"، أي إنّ هذا الطائر الضعيف المتهالك، إذا حَطَّ بأرضنا، أصبح كالنسر في قوَّته. وهذا، طبعاً، كناية عن أنّ كلَّ مَنْ جاورَنا مِن الناس عَزَّ بنا ولم يَذِلّ!
* من نوادر العرب
فعل "ضاعَ" من أجمل الأفعال، فمن معانيه: ضاعَ يضيعُ: تاه يتوه. وضاعَ يضوعُ: حرَّك وأقلقَ وأفزَعَ. وضاعَ (يضوعُ) الطائرُ فراخَه، إذا زقَّها، أي أطعمها مُدخلاً منقاره في مناقيرها لإفراغ الطعام لها. وضاعَ الزهرُ (يضوعُ) إذا فاحت رائحتُه الشذيَّة وانتشرت. ومن طرائف العرب أنَّ أحد الشعراء دخل على أمير ومدحَه بقصيدة عصماء. لكنَّ الأميرَ لم يُلقِ إليه بالاً، ولم يُعطه مالاً على مِدْحَتهِ. فاغتاظ الشاعرُ خصوصاً عندما رأى في مجلس الأمير جاريةً سوداء اسمُها "خالِصة"، تضع حول جِيدها (عُنُقها) عِقداً ثميناً من اللؤلؤ. فخرج الشاعرُ مُغضَباً، وعند مدخل القصر، كتب على الباب الخارجي بيتاً من الشعر يقول:
ضاعَ شِعري على بابكم |
كما ضاعَ عِقْدٌ على خالصهْ |
ولمَّا أُخبرَ الأميرُ ما كتب الشاعر استدعاه، فلمّا وصلَ الشاعر إلى الباب الخارجي محا ذَيْلَ حرف العين من شِعره، فأصبح البيتُ:
ضاءَ شِعري على بابكم |
كما ضاءَ عِقدٌ على خالصهْ! |
عندها تنبَّه الأمير لذكاء الشاعر وفطنته، وأدرك أنه أساءَ إليه عندما لم يقدِّر شاعريَّته ونبوغه، فأعطاه، هذه المرَّة، جائزةً سنيَّة.
(1) نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 4، حكمة رقم 250، ص 54.
(2) طائر صغير، يُقال له أيضاً: الأَخْيَل، وتُسمِّيه العامَّة: "شْقُرُّق".
(3) اللَّحْن: الخطأ في الإعراب.