الشيخ علي حجازي
أوجب الإسلام السعي للمحافظة على الأمن العامّ، وأنكر كلّ ما من شأنه أن يُخلَّ بذلك. فقد نهى المولى العزيز تبارك وتعالى عن إفساد الأمن العام ومخالفته، بل وجعل عقوبة على ذلك في الدنيا بشكلٍ قاسٍ، فقد ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33). والمراد بالمحاربة هنا هو السعي لإخافة الناس وإرادة الإفساد في الأرض. والإفساد في الأرض يراد به الإخلال بالأمن وقطع الطريق. فقد كان بعض الناس يحاربون اللهَ والرسول من خلال إخلالهم بالأمن العام، الأمر الذي يمنع بسط ولاية الرسول صلى الله عليه وآله على الأرض. لذلك لا بدّ من طرح بعض الأمور، لإلقاء الضوء عليها، ومعرفة الحكم الشرعيّ تجاهها؛ لنميّز الأمن العام الواجب تحصيله، عن الإخلال بالأمن العام وحرمة فعله.
* شهر السلاح
لا يجوز شهر السلاح أو تجهيزه لإخافة الناس وإرادة الإفساد في الأرض، ويسمّى فاعل ذلك بالمحارب، سواء أسبّب القتل أم الجرح أم لا. والحرمة أعظم لو أدّى إلى جرح أحد أو قتله.
توضيح ذلك:
إنّ تجريد السلاح أو تجهيزه يتحقّق بعدّة وسائل، منها: أن يحمل سلاحه بيده، أو أن يضعه على خاصرته (مثلاً) بشكل مكشوف، ويسير به بين الناس؛ مع قصده أن يخيفهم وأن يُخِلّ بأمنهم، لتحقيق غاياته ومآربه، في الليل أو النهار، في البرّ أو البحر، في المدن أو القرى أو الأحياء أو غير ذلك، فهذا حرام شرعاً، بل هو من المحاربة. ومنها: أن يوجّه سلاحه نحو الناس بنفس القصد المذكور، وهذا أيضاً يدخل تحت عنوان المحاربة، وهو حرام. كما أن استعمال السلاح عدواناً بهذا القصد لهو أشدّ جرماً وأشدّ حرمة، سواء أدّى إلى الجرح أو أدّى إلى القتل، بل ولو لم يصب أصلاً. وهكذا لو كان بقصد السرقة، أو أيّ اعتداء آخر. وهذا لا يعني حصر الحرمة بعنوان المحاربة، بل هناك عناوين أخرى نتعرّض لبعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، قد يكون المهاجم فيها محارباً وقد لا يكون.
* حلّ المشاكل بالسلاح
قد تحصل مشكلة بين أكثر من طرف، ربّما تكون على موقف سيّارة، أو على أولويّة المرور، أو على أيّ شيء آخر، فيلجأ بعضهم إلى السلاح، ويطلق النار ليكون الحلّ لمصلحته، وهذا غير جائز، فإنّ استعمال السلاح لا يكون إلّا في حالات خاصّة دفاعيّة، وأمّا استعمال السلاح عند كلّ مشكل فهو حرام، يمنع منه الشرع الحنيف، وينكره أشدّ الاستنكار.
* بعض حالات الدفاع
إنّ للإنسان أن يدافع عن نفسه ضدّ المحارب والمهاجم واللصّ ونحوهم، عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، وقد يكون ذلك على نحو الوجوب وقد يكون على نحو الجواز. ولكنّ استعمال السلاح لا يجوز في جميع الحالات وبشكل مطلق، بل هناك حالات تجيز استعماله، وحالات أخرى لا تجيز استعماله.
* وجوب الدفاع
يجب الدفاع ولا يجوز الاستسلام في الحالات الثلاث التالية:
الأولى: لو هجم عليه لصّ أو محارب أو غيرهما في داره أو غيرها ليقتله ظلماً، فيجب عليه الدفاع بأي وسيلة ممكنة.
الثانية: لو هجم على من يتعلّق به، من ابن أو بنت أو أب أو أخ، أو سائر من يتعلّق به ليقتله ظلماً، فيجب الدفاع عنه بأيّ وسيلة ممكنة.
الثالثة: لو هجم على حريمه (زوجة أو غيرها) يجب دفعه بأيّ وسيلة ممكنة.
* جواز الدفاع
لو هجم على ماله أو مال عياله جاز له دفعه بأيّ وسيلة ممكنة.
* حدود الدفاع واستعمال السلاح
يجب على الأحوط في جميع صور الدفاع أن يتصدّى للدفاع من الأسهل فالأسهل، فلا يجوز للمدافع أن يستعمل سلاحه في كلّ الحالات، وهذا عدوان وظلم. والدفاع له مراتب، لا يجوز الانتقال من واحدة إلى أخرى إلّا بالعجز عن الأولى.
وهذه المراتب هي:
الأولى: لو أمكن دفع المهاجم بالتنبيه فيجب الاكتفاء به، ولا يجوز استعمال الصياح والتهديد والسلاح ونحو ذلك.
الثانية: إذا لم ينفع التنبيه يقوم بالصياح والتهديد، ويقتصر عليه، ولا يجوز استعمال اليد أو السلاح.
الثالثة: إذا لم ينفع ما سبق، ولم يندفع إلّا باليد يقتصر عليها.
الرابعة: إذا لم يندفع إلّا بالعصا يقتصر على العصا.
الخامسة: إذا لم يندفع المهاجم القاصد للقتل إلّا بالسلاح جاز، بشرط الاقتصار على الجرح إن أمكن الدفع به.
السادسة: إن لم يندفع المهاجم بالجرح، ولم يمكن دفعه إلا بالقتل، جاز ذلك، فالقتل هو الفرصة الأخيرة حيث لا ينفع إلّا أسلوب واحد وهو القتل.
مراعاة الترتيب السابق إنّما يجب مع الإمكان والفرصة وعدم الخوف من غلبة المهاجم، وأمّا مع عدم الفرصة فيتوسّل بما يدفع المهاجم قطعاً.
* تجاوز المدافع
لو تجاوز المدافع عمّا هو الكافي في الدفع بنظره وواقعاً، فوقع نقص على المهاجم فيكون المدافع ضامناً للنقص على الأحوط وجوباً.
* شهر السلاح على نحو المزاح
لا يجوز شهر السلاح في وجه المؤمن لإخافته ولو على سبيل المزاح.
* إطلاق النار في المناسبات
يحصل في بعض المجتمعات إطلاق الرصاص في بعض المناسبات، كما عند الزواج أو الولادة، أو النجاح، أو إطلالة مسؤول عبر وسائل الإعلام، أو عند مجيء شخص بعد تأديته مناسك الحجّ، أو عند وفاة شخص وما شاكل ذلك. وهذا الأمر حرام شرعاً إذا أدّى إلى إزعاج أو أذيّة الآخرين أو عُدَّ تبذيراً إسرافاً.
* الضمان
لو أدّى إطلاق الرصاص إلى خسارة مادّيّة، كأن كسر شيئاً، أو مزّق شيئاً، أو أحرق شيئاً ونحو ذلك، فمُطلقُ الرصاص ضامن فيما لو كان هو المسبّب لذلك. ولو أدّى لإصابة شخص وقتله فيجب على مُطلق الرصاص دفع دية القتل الخطأ، بالإضافة إلى صوم شهرين متتاليين فإن لم يمكن يُطعم ستين مسكيناً، وللجرح أحكامه الخاصّة. نعم لو كان جرح الآخر أو قتله جائزاً فلا ضمان على القاتل.
ختاماً
* أيّها الأعزاء والعزيزات
إنّ حفظ الأمن العام فيه مصالح الجميع، بينما الإخلال به فيه مفسدة وضرر للجميع، فعلى الجميع أن يتعاونوا لحفظ الأمن العام وتطويره، بحيث يعيشون الأمن والسلام في مجتمعهم. فالله الله في الناس، والله الله في أنفسكم، وكونوا مؤمنين في عقيدتكم، ومؤمنين في سلوككم، وكونوا رحماء فيما بينكم، وتذكّروا ساعة المحشر والحساب واتّقوا الله.
ملاحظة: تصحيحاً للنافذة التي وردت في الصفحة 21 من العدد السابق فإنّ كفارة اليمين هي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام (المحرّر).