الشيخ علي معروف حجازي
إذا مات الزوج أو ارتقى شهيداً أو فُقد أثره، ثبتت جملة من الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالزوجة، أوّلها عدّة الوفاة؛ إذ يجب على كلّ زوجة مات عنها زوجها، أن تعتدّ لوفاته، ولا يوجد أيّ استثناء من هذا الوجوب.
* بداية عدّة الوفاة
تبدأ عدّة الوفاة من حين علم الزوجة بوفاة (أو استشهاد) زوجها، وليس من حين وفاته الواقعيّة.
وفي المسألة صورتان:
الأولى: أن تعرف بوفاة زوجها من حين وفاته، فتبدأ بالاعتداد من حينها.
الثانية: أن لا تعرف بوفاة زوجها إلّا بعد مدّة (كيوم، أو شهر، أو سنة، أو عشر سنوات، إلخ) فتبدأ بالاعتداد من حين علمها بوفاته ولو بعد سنوات،
ولا يجوز لها الزواج قبل انتهاء عدّتها.
* احتمال وفاة الزوج
إذا احتملت الزوجة وفاة زوجها ولم يحصل عندها العلم، فلا تجب عليها العدّة في هذه الحالة.
فلو وُجد جثمان أو أشلاء ونحو ذلك، واحتملت الزوجة أن يكون هذا زوجها فلا تجب عليها العدّة، فإذا حصل فحص الـDNA مثلاً، وثبت أنّ الجثمان أو الأشلاء أو نحوها لزوجها، وعلمت بذلك، فيجب عليها البدء بالاعتداد من حين حصول العلم.
* خبر غير واقعيّ
إذا أُخبرت الزوجة بأنّ الجثمان المعيّن أو الأشلاء المعيّنة هي لزوجها، فبدأت بالاعتداد أو انتهت منه، ثمّ علمت بعد ذلك أنّ الجثمان أو الأشلاء ليست لزوجها، فلا يجزي ما امتثلته من الاعتداد، ويجب عليها العدّة من جديد من حين علمها بوفاة زوجها على نحو مؤكّد.
* مَن تجب عليها عدّة الوفاة؟
تجب عدّة الوفاة على الشابّة، واليائسة، والحامل، وغير الحامل، والمدخول بها، والمعقود عليها دون دخول، بلا فرق في هذا الوجوب بين الزوجة الدائمة والمنقطعة. فكلّ من مات عنها زوجها تعتدّ عدّة الوفاة.
* أحكام حداد المرأة المتوفّى عنها زوجها
1. ترك التزيين: يجب على المرأة في أثناء عدّة الوفاة الحداد ما دامت في العدّة. والمراد به: ترك الزينة في البدن مثل صبغ شعرها والتكحيل والتطيّب والخضاب وتحمير الوجه ونحوها.
وفي اللباس ترك لبس الأحمر والأصفر والحليّ ونحوها. وبالجملة: ترك كلّ ما يعدّ زينةً تتزيّن به للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة، كالأعياد والأعراس ونحوهما.
ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين.
نعم، لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتسريح الشعر، وتقليم الأظفار، والافتراش بالفراش الفاخر، والسكنى في المساكن المزيّنة، وتزيين أولادها وخدمها.
2. لا يجوز زواجها: لا يجوز لها أثناء العدّة إجراء عقد زواج دائم أو منقطع.
3. المكث في منزل زوجها: يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها، خصوصاً إذا كانت ضروريّة، أو كان خروجها لأمور راجحة، كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها، ولا سيّما والديها.
نعم، ينبغي، بل الأحوط استحباباً، أن لا تبيت إلّا في بيتها الّذي كانت تسكنه في حياة زوجها، أو تنتقل منه إليه للاعتداد، بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشيّ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً.
* مدّة عدّة الوفاة
تتحدّد مدّة عدّة الوفاة بحالتين:
الأولى: إذا لم تكن حاملاً، فعدّتها أربعة أشهر وعشرة أيّام بالحساب القمريّ.
الثانية: إذا كانت حاملاً، فعدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة أشهر وعشرة أيّام.
فإذا وضعت حملها قبل الأربعة أشهر وعشرة أيّام، فلا تنتهي عدّتها إلّا بعد إكمال الأربعة أشهر وعشرة أيّام.
وأمّا إذا مضت الأربعة أشهر وعشرة أيّام، دون أن تضع حملها، فتستمرّ في الاعتداد إلى أن تضع حملها. هذا يعني أنّ عدّتها تنتهي بعد وضع الحمل.
* المفقود زوجها
1. إذا غاب الزوج عن زوجته وفُقد أثره، ولم يكن بالإمكان استعلام حاله، فإمّا أن تصبر الزوجة وتبقى على هذه الحالة، وإمّا أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيؤجّلها أربع سنوات قمريّة للبحث والفحص عنه، فإن لم يُعرف خبره جاز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها بطلب منها.
2. إذا ثبت للزوجة شرعاً أنّ زوجها الغائب أو المفقود أثره قد مات، فتعتدّ عدّة الوفاة فور علمها بوفاته، ولا يشترط إكمال مدّة البحث والفحص عن الزوج الغائب أو المفقود أثره.
* وفاة الزوج أثناء عدّة الطلاق الرجعيّ
لو طلّق الرجل زوجته طلاقاً رجعيّاً ثمّ مات قبل انقضاء العدّة، بطلت عدّة الطلاق، ويجب على الزوجة أن تعتدّ من حين علمها بموته عدّة الوفاة.