د. عبد الجواد قصير*
تعدّ التربية على الأمل والإبداع من القضايا الحيويّة في أمّتنا اليوم، خاصّة في ظلّ التحدّيات والأزمات التي تواجهها، فهي السبيل الذي يجب أن ننتهجه لتجاوز نتائج أيّ مرحلة صعبة مررنا بها. ومن خلال البحث في القيم الإسلاميّة، يمكن أن نجد إشاراتٍ ودروساً قيّمة تساعد في بناء الأمل وتعزيز الإبداع للتغلّب على مصاعب ما بعد الأزمات. لذا، سنستعرض كيف يمكن أن تسهم تربيتنا لأنفسنا ومن حولنا على الأمل والإبداع من وجهة نظر إسلاميّة في تجاوز الأزمات وبناء مستقبل أفضل.
* أوّلاً: تبنّي ثقافة الأمل
الأمل شعور إيجابيّ يدفع الإنسان نحو الطموح والعمل على تحقيق أهدافه. في الإسلام، يعدّ الأمل من القيم الأساسيّة التي تشجّع على الصبر والثبات في مواجهة الصعاب. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الانشراح: 6). هذه الآية تعكس روح الأمل والتفاؤل بأنّ الفرج يأتي بعد الشدّة.
ويذكر القرآن الكريم العديد من القصص التي تعزّز الأمل في نفوس المؤمنين. على سبيل المثال، قصّة النبيّ يوسف عليه السلام الذي تعرّض للعديد من الصعاب والابتلاءات، ولكنّه بفضل الله وصبره وأمله تمكّن من تحقيق النصر والنجاح. هذه القصص تقدّم لنا نماذج حيّة عن كيفيّة الاستمرار في الأمل والتفاؤل في مواجهة التحدّيات. كما كان النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يبثّ الأمل في نفوس أصحابه خلال أصعب اللحظات. ففي غزوة الخندق مثلاً، ورغم الحصار الشديد، كان صلى الله عليه وآله وسلم يؤكّد أنّ النصر قادم بفضل الله. هذه الروح التفاؤليّة كانت تُلهم المؤمنين وتدفعهم للمثابرة والعمل الجادّ لتحقيق أهدافهم.
ولنجاح التربية على الأمل، لا بدّ من السعي لتحقيق الآتي:
1. تعزيز الثقة بالله: من أهمّ عناصر التربية على الأمل تعزيز الثقة بالله والاعتماد عليه في كلّ الأمور. فباستحضار أنّ الله تعالى هو المفرّج عن كلّ كرب تكون الانطلاقة. ويتفرّع عنها الاعتقاد بأنّ الأزمات جزء من الحياة، وأنّه يمكن تجاوزها بالإيمان والعمل، وما تشير إليه الآية الكريمة هو خير مصداق: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ (التوبة: 51-52).
2. النماذج الإيجابيّة: ينبغي الاقتداء بنماذج من الأشخاص الذين تغلّبوا على الصعاب وحقّقوا النجاح رغم الظروف القاسية. ويمكن استخدام قصص الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام كأمثلة قويّة تبثّ الأمل في النفوس. وخير نموذج يمكن أن يقتدى به هو رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21). وثمّة نماذج أخرى مثل قصّة النبيّ موسى عليه السلام الذي واجه فرعون وتمكّن بفضل الله من إنقاذ بني إسرائيل.
3. التعليم والتحفيز: يلعب التعليم دوراً مهمّاً في بناء الأمل، وذلك من خلال تقديم مناهج تعليميّة تحفّز على التفكير الإيجابيّ وتشجّع على مواجهة التحدّيات بروح متفائلة. يمكن أيضاً المشاركة في ورش عمل ودورات تدريبيّة تركّز على كيفيّة التعامل مع الأزمات بإيجابيّة. قد تشمل هذه الورش تعليم تقنيّات التفكير الإيجابيّ، والاستراتيجيّات العمليّة للتغلّب على التحدّيات.
4. التواصل والدعم الاجتماعيّ: يتحقّق ذلك عبر تعزيز الروابط الاجتماعيّة والدعم المتبادل بين أفراد المجتمع، بحيث تشكّل الأسرة والأصدقاء والمجتمع المحيط مصادر قويّة لدعم الأمل والتفاؤل. كما أنّ تنظيم فعاليّات اجتماعيّة والمشاركة فيها يعزّزان الروابط الأسريّة والاجتماعيّة، ويسهمان في بناء مجتمع متكافل ومترابط، وهذا يعود بالنفع على المنظّمين والمشاركين على حدٍّ سواء.
5. بناء العقليّة الإيجابيّة: وذلك عبر:
أ. التركيز على الجانب المشرق: تدريب النفس على البحث عن الإيجابيّات حتّى في المواقف الصعبة. الإيجابيّة لا تعني إنكار الواقع، بل محاولة رؤية الفرص الممكنة في كلّ تحدٍّ.
ب. محاربة الأفكار السلبيّة: مراقبة الأفكار التي تدور في الذهن ومواجهتها بخطط وإجراءات بدلاً من السماح لها بالسيطرة على المشاعر.
* ثانياً: السعي للإبداع والابتكار
الإبداع هو القدرة على التفكير في حلول جديدة ومبتكرة للتحدّيات والمشكلات. وفي الإسلام، يعدّ الإبداع من القيم المهمّة التي تعزّز التقدّم والازدهار. يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (آل عمران: 191). هذه الآية تحثّ على التفكير في الكون والتأمّل فيه، ممّا يعزّز روح الإبداع. يقول سماحة السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله: «أظهروا ما استطعتم الابتكار والإبداع، واختاروا الطرق الأقصر. أنتم تستطيعون، ويجب أن تؤمنوا بأنّكم تستطيعون؛ كما استطعتم من قبل»(1).. فالإبداع ليس مجرّد مهارة ترفيهيّة، بل هو عصب رئيس لتحقيق التطوّر والابتكار في حياة الأفراد والمجتمعات. إنّه الطاقة التي تجعلنا نتحدّى ما هو تقليديّ ونبتكر حلولاً وطرقاً جديدة لمواجهة التحدّيات. هو يتطلّب تنميةً وجهوداً مستمرّة سواء على مستوى الفرد أم المجتمع.
يبدأ الإبداع من الذات، وكلّ فرد لديه القدرة على أن يكون مبدعاً إذا أُتيحت له الفرصة والظروف المناسبة. ولتحقيق ذلك، ثمّة عدد من الخطوات التي يمكن للفرد اتّباعها:
1. استكشاف مصادر جديدة للمعرفة: القراءة المستمرّة ليست فقط لتوسيع المدارك، ولكن لتوفير زاد معرفيّ يشكّل قاعدة للأفكار الجديدة.
2. التفكير خارج الصندوق: فالنظر إلى الأمور من زوايا غير تقليديّة يُعدّ تمريناً فعّالاً لتنمية مهارات الإبداع. يمكن للفرد أن يسأل أسئلة غير مألوفة ويبحث عن حلول غير اعتياديّة لأيّ مشكلة تواجهه.
3. ممارسة الأنشطة الإبداعيّة بانتظام: الرسم، والكتابة، والحياكة، وأداء الأعمال بطرق مبتكرة، كلّ هذه الأنشطة تساعد في تحفيز العقل وتطوير قدرات الإبداع. كما أنّ تحدّي الذات بتعلّم مهارات جديدة يعزّز هذه الجوانب.
4. التخلّص من الخوف من الفشل: يمكن أن يكون الخوف من الفشل عائقاً كبيراً أمام الإبداع. لذا، من الضروريّ تذكير النفس بأنّ الفشل خطوة في طريق النجاح، وأنّ الأفكار قد تحتاج إلى تعديل وتجربة قبل أن تصبح مثاليّة.
5. استثمار وقت للتأمّل والاسترخاء: في عالم مليء بالصخب، يحتاج العقل إلى وقت من الهدوء للتأمّل وترتيب الأفكار. هذا لا يساعد فقط في التفكير بوضوح، بل يمنح الفرصة لإنتاج أفكار مبتكرة.
6. تعزيز الصحّة النفسيّة والعاطفيّة: وذلك عبر التعبير الفنّيّ، فالفنون يمكن أن تكون وسيلة قويّة للتعبير عن المشاعر والتخفيف من التوتّر. فالرسم، والكتابة، والموسيقى هي بعض الوسائل التي يمكن استخدامها.
7. إيجاد فرص جديدة: يمكن أن يفتح التفكير الإبداعيّ أبواباً جديدة للفرص المهنيّة. على سبيل المثال، يمكن للفرد تطوير فكرة مبتكرة لشركة ناشئة أو مشروع تجاريّ.
8. إدارة الوقت: يمكن استخدام الإبداع في تطوير إستراتيجيّات فعّالة لإدارة الوقت وتحقيق التوازن بين الحياة الشخصيّة والمهنيّة.
في الختام، يمكن القول إنّ التربية على الأمل والإبداع تعدّ من الركائز الأساسيّة لتجاوز ما بعد الأزمات. من خلال تعزيز القيم الإسلاميّة، والعمل على بناء الثقة بالله، وتحفيز التفكير النقديّ، والابتكار، يمكننا بناء مجتمع قويّ قادر على مواجهة التحدّيات وتحقيق النجاح.
(*) أستاذ جامعيّ.
(1) من كلمة لسماحته في 27-9-1995م.