تحدثنا في العدد السابق عن أحكام الحلف باليمين في
الإسلام، وذلك من خلال حكم اليمين وشروط انعقادها. وفيما يلي نستكمل الحديث عن باقي
أحكامها الشرعية.
* شروط الحالف باليمين
يشترط في الحالف خمسة أمور:
الأوّل: البلوغ.
الثاني: العقل.
الثالث: الاختيار.
فلا تنعقد اليمين من الصغير، والمجنون، والمكرَه.
الرابع: القصد، فلا تنعقد يمين السكران، ولا الغضبان في شدّة الغضب، فيما إذا كان
الغضب سالباً للقصد، بحيث لم يكن واعياً ومميّزاً لما يقول، وأمّا إذا لم يكن الغضب
سالباً للقصد فتنعقد اليمين.
الخامس: انتفاء الحجر في متعلّق اليمين، فلا تنعقد اليمين من الممنوع من التصرّف
فيما مُنع فيه، فلو حُجر عليه في ماله (كالمفلس) فلا تصحّ يمينه بما يتعلّق بالمال؛
لأنّه ممنوع من التصرّف في أمواله. وهذا هو معنى الحجر، الذي هو المنع. نعم تنعقد
يمينه فيما لم يُحجر عليه فيه، فيصحّ للمفلس، مثلا،ً أن يُقسم بأن يصلّي ركعتين.
* يمين الولد
إذا أراد الولد المكلّف أن يحلف يميناً ففي المسألة ثلاث صور:
الأولى: إذا منعه والده من اليمين فلا تصحّ يمينه.
الثانية: إذا أذن والده له باليمين تنعقد يمينه، ويجب على الولد الوفاء بها. ويحقّ
للوالد أن يحلّ يمين ولده بعد الإذن، فتنحلّ إذا حلّها الوالد.
الثالثة: إذا لم يأذن الوالد ولم يمنع لا تنعقد اليمين. إذاً يكون انعقاد يمين
الولد المكلّف في حالةٍ واحدة وهي ما إذا أذن له والده بذلك.
يمين الزوجة
أ حكم الزوجة مع زوجها كحكم الولد مع والده، فإذا أذن الزوج لزوجته باليمين تنعقد
يمينها، وإذا منعها الزوج لم تنعقد اليمين، وكذا لا تنعقد اليمين إذاً لم يأذن
الزوج ولم يمنع.
ب إذا أذن الزوج لزوجته في اليمين، يحق له بعد ذلك أن يحلّ هذه اليمين، فإذا حلّها
تنحلّ.
ج لا يسقط إذن الأب في يمين البنت ولو تزوّجت، نعم إذا تزوّجت احتاجت في يمنيها إلى
إذن الأب والزوج، فإذا طلّقت بائناً اكتفت بإذن الأب. والمطلّقة رجعياً لها حكم
الزوّجة ما دامت في العدّة.
* بعض أحكام اليمين
* يمين الطلاق
لا تنعقد اليمين بالطلاق، بأن يقول: "زوجتي طالق إن فعلتُ ذلك"، أو "إن لم أفعل ذلك"،
فلا تؤثّر مثل هذه لا في حصول الحنث، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة، ولا يُلزم
بالطلاق، فهذه اليمين باطلة من الأساس.
* الحلف بالبراءة
يحرم ولا يجوز الحلف بالبراءة من الله (تعالى)، أو من رسوله صلى الله عليه وآله، أو
من الأئمة صلى الله عليه وآله، أو من الدِّين، كأن يقول: "برئت من الله، أو من دين
الإسلام إن فعلت كذا"، ولا يترتّب عليه كفّارة، فهو باطل، ويأثم حالفه.
* تعليق اليمين على مشيئة الله
إذا علّق اليمين على مشيئة الله تعالى ـ، كأن يقول: "واللهِ لأفعلنّ كذا إن شاء
الله" ففيها صورتان:
الأولى: إذا كان المقصود التبرّك بهذه الكلمة فتنعقد اليمين.
الثانية: إذا كان المقصود التعليق على مشيئة الله لا مجرّد التبرّك فلا تنعقد
اليمين.
* المخالفة غير العمديّة
مخالفة اليمين عن جهلٍ أو نسيانٍ أو اضطرارٍ أو إكراهٍ لا حنث فيها ولا كفّارة، بل
يبقى وجوب الوفاء ثابتاً، ولا يجوز الحنث عن عمدٍ واختيار.
* الحنث مرّة
يتحقّق الحنث بالمخالفة مرّةً واحدة، فلو حنث مرّةً تنحلّ اليمين، ولو كرّر
المخالفة لم يحنث إلا مرّة واحدة، فلا تتكرّر الكفّارة، فالحنث أوّل مرّة عليه
كفّارة، ولكنّ اليمين تنحلّ بهذا الحنث، وبعد الحنث تكون اليمين باطلة كأنّها لم
تكن موجودة.
* كفّارة اليمين
أ كفّارة اليمين هي كفّارةٌ صغيرة، وهي مخيّرةٌ ومرتّبة، وهي عتق رقبة، أو إطعام
عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن عجز عن هذه الخصال يجب أن يصوم ثلاثة أيّامٍ متتابعة.
وبما أنّ الرقبة غير موجودة في عصرنا فيقتصر على الإطعام أو الكسوة في المرتبة
الأولى.
ب يتخيّر في الإطعام الواجب بين إشباع المساكين وبين التسليم إليهم، والإشباع لا
يتحدّد بمقدار، بل المطلوب أن يأكلوا حتّى يشبعوا. وأمّا في التسليم فلا بدّ من
ثلاثة أرباع الكيلوغرام من الطعام على الأقلّ لكلّ مسكين، ولا تكفي القيمة، بل لا
بدّ من تسليم الطعام لهم.
ج إذا قبض المسكين الطعام يصير ملكاً له، ويجوز أن يأكله أو يبيعه أو يفعل به ما
يشاء.
د يعتبر في الكسوة أن تكون ما يعدّ لباساً عرفاً، من غير فرق بين الجديد وغيره،
بشرط أن لا يكون ممزّقاً، ولا بالياً ينخرق بالاستعمال، والأحوط وجوباً أن يكون
ممّا يستر عورته.
* يمين المناشدة
* تعريفها
يمين المناشدة هي ما يكون مع طلبٍ وسؤال، تكون مع المناشدة لشخصٍ لحثّه على إنجاح
المقصود، كقول السائل: "أسألك باللهِ أن تفعل كذا".
* حكمها
لا تنعقد يمين المناشدة، ولا يترتّب عليها شيء من إثمٍ أو كفّارة، لا على المحلف في
إحلافه، ولا على المحلوف عليه، فلو خالف المحلوف عليه ولم يلتزم بما طُلب منه
وتخلّف عن الإجابة على الطلب فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفّارة. وهذه اليمين مكروهة
أيضاً.
* يمين التأكيد
* تعريفها
تقع هذه اليمين للتأكيد، وتحقيقاً للإخبار بوقوع شيء في الماضي أو الحاضر، أو في
المستقبل، كأن يقول: "واللهِ لقد حصل كذا".
* حكمها
أ لا تنعقد هذه اليمين، ولا يترتّب عليها شيء من الكفّارة، نعم إذا كانت اليمين
كاذبةً وعن عمدٍ فإنّ حالفها يأثم.
ب هذه اليمين إذا كانت صادقةً فهي مكروهة، نعم لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه، أو عن
غيره من إخوانه تجوز بلا كراهة، بل قد يجوز لذلك الحلف كاذباً عند عدم إمكان الدفع
إلا بها، بل ربّما تكون اليمين الكاذبة واجبة لدفع ظالمٍ عن نفسه، أو عرضه، أو عن
نفس مؤمن، أو عرضه، ولا بدّ من أن ننتبه حتّى لا نقع في الحرام.