د.يوسف حكيم*
عندما نتحدَّث عن مرض الربو، فإننا نعني بذلك المرض الذي
يصيب المجرى الهوائي للتنفّس بحيث تصبح معه عملية استنشاق الهواء صعبة وذلك بسبب
انقباض العضلات المحيطة بأنابيب القصبة الهوائية، ما يؤدي إلى حدوث ما يسمَّى بـ "نوبة
الربو". ومع ازدياد التطور الصناعي البشري، فإننا نشهد ازدياداً واضحاً للتلوث
البيئي الذي يهدِّد صحة الإنسان، وبخاصة جهازه التنفسي، ما يزيد في نسبة الإصابة
بهذا المرض الذي قد يصبح خطيراً... وفي حالات معيّنة مميتاً.
* ما هو الربو وكيف يحدث؟
الربو هو التهاب مزمن يُصيب الرئتين ويحدث داخل القصبات الهوائية حيث توجد عدة
خلايا مخاطيّة تعمل على إفراز المخاط الكثيف، إضافة إلى خلايا تسمى الخلايا
الالتهابية. وعند حدوث التفاعل الالتهابي يحصل انقباض في عضلات القصبة الهوائية،
فيضيق قطرها، وبالتالي تقل نسبة كمية دخول الهواء فيشعر المريض بضيقٍ في النفس أي
حدوث "التشنج القصبي أو نوبة الربو".
* ما هي أعراض الربو؟
من أشهر علامات الربو شعور المريض بالعوارض الآتية:
1 السعال: وهو عملية تأتي كردة فعل من الرئة، على الاستثارة القصبية، بسبب استنشاق
أي رائحة: عطر، دخان، مواد كيماوية.
2 امتلاء أو انتفاخ في الصدر، كما لو كان ممتلئاً فلا يسمح للمريض بأخذ النفس
الجيّد.
3 خناق صدري، أي صعوبة في التنفس، أثناء عملية الاستنشاق.
4 صوت صفير (wheezing) في الصدر عند التنفس.
* العلاقة بين الربو والغذاء
ليس الطعام بحد ذاته يؤثر على مرض الربو، إنما في الحالات التي يعاني فيها المريض
من حساسية معيّنة تجاه بعض الأنواع الغذائية كالفراولة، أو البيض، أو السمك، أو
الخلّ أو المواد الحافظة ما يسبب ارتفاع حموضة المعدة إلى باب المعدة وأسفل القصبة
الهوائية، فيثيرها ويؤدي ذلك إلى حدوث نوبة الربو. كذلك، وبما أن البرد هو العدو
المعروف للربو، فإن تناول المثلجات "البوظة" والماء البارد، يسرّع في حدوث نوبة
الربو عند الشخص المصاب بهذا المرض.
* العوامل المسبِّبة للإصابة بالربو
الفئات العمرية ليست محدَّدة لهذا المرض، إذ إنه يصيب الكبار والصغار وفي الأعمار
التي تتراوح ما بين عشرة إلى خمسة وعشرين عاماً، على اختلاف الحالة بين شخصٍ وآخر
حيث تكون خفيفة عند بعضهم وشديدة جداً عند بعضهم الآخر. كذلك فإن الأشخاص
الأكثر استعداداً للإصابة بالربو هم الذين يكون والداهم أو أحدهما مصاباً به،
فيصبحون عرضةً أكثر من غيرهم للإصابة به.
1 من العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالربو التلوث الناتج عن المصانع والسيارات.
2 التعرض للهواء البارد، وعدم ارتداء الثياب المناسبة لتدفئة الصدر يؤديان إلى
التهابات في القصبة الهوائية. وإن تكرُّر هذه الالتهابات يؤدي إلى حدوث مرض الربو.
كذلك، فإن قيادة الدراجات النارية، وخاصة في فصل الشتاء، يعرّض سائقيها للهواء
الشديد البرودة والذي يضرب الصدر الدافئ وبالتالي يعرّض للإصابة بالربو.
3 من الأمور الشائعة أيضاً التعرّض لغبار الطّلع في الفترة التي يتفتح فيها الزهر،
أو الغبار المنزلي كذلك فإنّ استعمال الأغطية والألبسة الصوفية يمكن أن يؤدي إلى
حدوث حساسية أنفية تتطور إلى ربو. وفي الحقيقة فإن حوالي 60% من حالات الربو تعود
إلى الإصابة بالتهاب الأنف التحسسي حيث يتطور إلى مرض ربو مزمن.
4ـ أهم الأسباب التي تساهم في ازدياد نسبة الإصابة في الربو التدخين. كما أن تعريض
الأولاد لغبار التدخين يؤدي إلى إحداث الحساسية لديهم في عمر مبكر وبالتالي
الاستعداد للإصابة بالربو.
* العوامل المثيرة لحدوث نوبة الربو
بعض الحالات تسارع في تفاقم الربو ومن المفيد أخذها بعين الاعتبار ومراعاتها، منها:
1 التغيرات المناخية.
2 الالتهابات الفيروسية (الرشح).
3 الحالات العاطفية (الفرح والحزن الشديدان).
4 الجهد، حيث تسمى النوبة "الربو الجهدي" وتحصل عند الأشخاص الذين يقومون بالرياضة
أو الأطفال عندما يركضون ثمّ يتوقفون فيبدأ عندهم السعال واللهاث ولذلك ننصح هذه
الفئات باستعمال البخاخ (Spray) قبل القيام بأي جهد.
5 بعض أنواع المهن: الأشخاص الذين يعملون في محطات الوقود والمعامل والمصانع التي
تؤدي إلى استنشاقهم الروائح الكيماوية (نجارة، دهان، رمال، حفريات، كابلات كهربائية)،
أو حتى سيّدات المنزل اللواتي يستنشقن باستمرار روائح المنطفات المنزلية، هم عُرضة
للإصابة بالربو.
6 بعض العادات السيئة، كتناول العشاء الدسم قبل النّوم، مما يحرّك حموضة المعدة
التي تصعد إلى المريء أو جوف الفم ونطلق عليه (الارتداد المعدي المريء) وهذا يفاقم
إحداث الربو.
7 الأشخاص الذين تجتمع عندهم أكثر من حساسية كالتهاب الجلد، الأكزيما، التهاب
الملتحمة التحسسي (أي الرمد الربيعي)، الحساسية في العين.. هؤلاء الأشخاص معرّضون
أيضاً للإصابة بالربو أكثر من غيرهم. هذا، ويجب الإشارة إلى ملاحظة مهمة وهي أن
غالبية مرضى الربو يشكون من ضيق النفس في فترة أول الليل وعند طلوع الفجر. وعلمياً
يعود ذلك إلى تدنّي كمية الكورتيزون في الجسم وهذا يرفع من نسبة مواد أخرى في جسم
الإنسان تعمل على انقباض القصبات الهوائية أثناء فترة نوم المريض.
* أهمية العلاج
يجب على مريض الربو أن يكمل علاجه ضمن الخطّة العلاجية التي يشخّصها طبيبه. فمن
الخطأ الشديد ترك العلاج عندما يشعر المريض بالتحسن فوراً وذلك لأن حدثية الالتهاب
تبقى فعاليتها ثلاثة أشهر رغم أن المريض يشعر بالتحسن، لذلك عليه متابعة العلاج
حتّى تتم السيطرة على مرض الربو بشكل كامل.
* الربو القاتل
قلّما يصل مريض الربو إلى مرحلة الربو القاتل وذلك لأن الطبيب ينبه المريض عادة إلى
المرحلة التي يجب عليه أن يشعر معها بالخطورة التي تستدعي ذهابه إلى المستشفى.
فعندما تزيد النوبة عن عوارضها المعروفة (سعال، ضيق نفس، صفير) وترتفع الحرارة أو
تصبح معها النوبة شديدة إلى مرحلة لا يستطيع فيها المريض أن يكمل الجملة بل وحتى
الكلمة فيجتهد ليتكلم، أو يؤشر بالحركات ليفهم من حوله ماذا يريد، نتيجة اللهاث
الشديد والزرقة التي تجتمع على شفتيه، فهذا دليل على أنه في "نوبة ربوية شديدة" حيث
تكون المفرزات وحالة التشنج عنده شديدة جداً وبالتالي تصبح كمية الهواء التي تدخل
إلى الجسم ضئيلة جداً ما يؤدي إلى هبوط في كمية الأوكسجين ثم الاختناق، وحدوث حالة
الوفاة لأن القلب يتوقف مع توقف عملية التنفس.
مضاعفات في حال إهمال العلاج
في حالات عدم السيطرة على الربو الشديد المزمن والمتكرر تؤدي حالات نقص الأوكسجين
إلى حدوث ما يسمى "بالقلب الرئوي". كذلك احتباس الهواء داخل الرئتين يؤدي إلى حدوث
"الريح الصدرية" حيث تنثقب إحدى الرئتين وبهذه الحالة تصبح مهددةً للحياة وتحتاج
إلى سرعة علاج. الآلام الضليعة للظهر والكتف تحدث أيضاً نتيجة وجود الربو
المزمن وفي بعض الحالات يمكن أن يتسبب الربو بحدوث الديسك والفتق نتيجة السعال
الشديد.
نصيحة أخيرة
نحن لا نستطيع أن نمنع حدوث المرض، لكن بمقدورنا التخفيف من مقدار حصوله عبر
الوقاية من العوامل المسببة للإصابة بالربو ممّا يذكّرنا بالحديث النبوي الشريف
للنبي صلى الله عليه وآله: "ما ملأ ابن آدم وعاءً أشرُّ من بطنه فإن كان ولا بدّ
فثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنَفسك" (1). إذا سرنا وفق هذه القاعدة واحتفظنا بثلثٍ
للهواء في أجسامنا فمن المؤكّد أنه لن يكون هناك مرضى يزورون الأطباء في العيادات.
(*) اختصاصي بالأمراض الصدرية والربو.
(1) جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج 36، ص 461.