الشيخ تامر محمد حمزة
إنَّ الإعلام الأمويّ الذي عُرِفَ بقوَّته كان يعكس
الصورة على خلاف الواقع ويقدّمها للرأي العام ويقنعهم بذلك في ظلِّ عدم السماح
بوجود إعلامٍ مضادّ, حتَّى تفاجأ بعضهم حينما علم بشهادة أمير المؤمنين عليه السلام
في المحراب وقال: أكان عليّ يصلي حتَّى يقتل في المسجد؟ وعلى نفس المنوال تمَّ
التعاطي مع كلِّ ما له صلة بأمير المؤمنين عليه السلام وشيعته، ومنهم المختار.
هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وكنيته أبو إسحاق. كان أبوه من أجلّة
الصحابة. وُلد المختار عام الهجرة، وليست له صحبة ولا رواية, أما شهادته فقد كانت
عام سبعة وستين للهجرة، إذ قتله مصعب بن الزبير بالكوفة (1)، كما ورد في أكثر الكتب
التاريخية.
* المختار غرض لسهام بني أمية
ألصق بنو أمية العديد من الشّكوك والتِّهم بشخصيّة المختار، في محاولةٍ منهم لتشويه
صورته بعدما كان قد انتقم من جلاوزتهم الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه
السلام في كربلاء. وهذا بعض ما أُثير حول شخصيته عبر التاريخ:
* المختار زعيم الكيسانيَّة
نسبت إلى المختار الفرقة الكيسانية. ووردت عدة أوجه عن سبب تسمية تلك الفرقة، فقيل
إنَّ المختار كان اسمه كيسان أولاً وإنَّما سُمّي بهذا الاسم لأن أباه حمله وهو
صغير فوضعه بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام فمسح بيده على رأسه وقال: كيّس كيّس،
فلزمه هذا الاسم. وزعمت فرقة منهم أنَّ محمد بن علي عليه السلام استعمل المختار على
العراقين بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام, وأمره بالطلب بثاره وسمَّاه كيسان
لما عرف من قيامه ومذهبه (2). وربما سميت الفرقة بالكيسانية نسبة إلى أحد قادة شرطة
المختار وهو أبو عمرة كيسان مولى عرينة (3).
* نعتُ أصحابه بالسبئية
السبائية أو السبئية لفظة لا تختلف عن معنى اليمانية واليمنية من جعل الانتساب إلى
عشيرة واحدة. فقد ذكر ابن حزم (في جمهرة أنساب العرب) في نسب اليمانية أنها راجعة
إلى ولد قحطان ثم عدّ فروع سبأ وقال عن بعضهم هم السبائيون. وقال ابن خلدون
في تاريخه: إن أهل اليمن من ولد سبأ, وربما أن هذه العشائر قد اجتمعت في الكوفة لا
سيما بعد نصرتها أمير المؤمنين عليه السلام في حربي الجمل وصفين بقيادة أشرافهم
أمثال: عمار بن ياسر ومالك الأشتر وكميل بن زياد وحجر بن عَدِيّ وغيرهم. وأول
من ذكرهم في وصف رسمي هو زياد بن أبيه في كتاب إلى معاوية حيث قال له فيه: "إن
طواغيت من هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عَدِيّ" (4). وقد صُبغ بها كل من له
صلة بأهل البيت عليهم السلام ومنهم المختار الثقفي.
* رميه بالدَّجَل والكَذِب
روى المقريزي عن صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: "لا تقوم
الساعة حتى يُبعث دجّالون كذّابون" (5). وكان قد تمسَّك بهذا النّعت خصمُه
اللدود مصعب بن الزبير. فإنه بعد أن قتله وبعث برأسه إلى أخيه عبد الله بن الزبير
قال لعبد الله بن العباس: "ألم يبلغك قتل الكذاب؟ قال: ومن الكذاب؟ قال: ابن أبي
عبيد" (6).
* استغلالي وخارجي
نقل عن أبي زهرة وهو يتحدث عن أثر مقتل الحسين عليه السلام في النفوس المؤمنة أن
هذا الأثر قد استغله بعضٌ من أولئك الذين يستغلون العاطفة القوية البريئة لينصروها
ويعلنوا انحرافهم من وراء نصرها، وقد كان الاستغلال شديداً بعد شهادة الإمام الحسين
عليه السلام. وأضاف أن المختار الذي كان من الخوارج انتقل للذين يتشيعون لعلي عليه
السلام وأولاده من بعده عليهم السلام (7).
* المختار من البغاة
من أولئك الذين ساهموا في تشويه صورة المختار الثقفي ابن تيمية حيث قد ذكره في
فتاويه على أنه من البغاة (8).
المختار شمس لا تحجبها الغيوم
يلاحظ المتأمّل في الأخبار الصادرة عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام أنَّ أغلبها
يتحدَّث عن فضل المختار ومنجزاته الجبارة، وخاصةً الثأر للدماء الزاكية في كربلاء.
* المختار على فخذ الإمام علي عليه السلام
عن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السلام وهو يمسح
رأسه ويقول له: يا كيّس يا كيّس يا جيد (9).
* الأئمة عليهم السلام يذكرونه بالخير
ذكر البروجردي (في ترجمة المختار) أنَّ الإمام الصادق عليه السلام ترحَّم عليه.
وروى عن الكشي بسنده عن أبي جعفر قال: "لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا وطلب
بثأرنا وزوّج أراملنا وقسّم فينا المال على العسرة" (10). وعن عمر بن علي بن الحسين
عليه السلام أنه لما أتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد لعلي بن الحسين
عليه السلام خرّ ساجداً وقال: "الحمد لله الذي أدرك بي ثاري من أعدائي وجزى الله
المختار خيراً" (11).
* الإمام الباقر عليه السلام يكرم ابن المختار
عن عبد الله بن شريك قال: "دخلنا على أبي جعفر عليه السلام يوم النحر وهو متكئ وقد
أرسل إلى الحلاق فقعدتُ بين يديه إذ دخل عليه من أهل الكوفة شيخ, فتناول يده
ليقبلها فمنعه ثم قال: من أنت؟ قال: أنا أبو محمد الحكم بن المختار... ثم قال:
أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا, والقول والله قولك....., فقال عليه
السلام: أخبرني أبي والله أن مهر أمي كان مما بعث به المختار, أوَلم يَبنِ دُورَنا؟
وقَتَلَ قاتِلَنا؟ وطلب بدمائنا ؟ فرحمه الله" (12).
* المختار الطالب بالثأر
سيطر المختار على الكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة
ست وستين، فبايعه الناس على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله والطلب بدم
الحسين عليه السلام ودماء أهل بيته والدّفاع عن الضعفاء (13). وبعد أن قتل عبيد
الله بن زياد وعمر بن سعد قال: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتى أقتل قتلة الحسين عليه
السلام وأهل بيته وما من ديني أن أترك أحداً منهم حياً (14) فأرسل من يأتيه بالشمر
حتى أوتي به فضرب عنقه وأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسخ (15). وحين أوتي
بحرملة قال له المختار: "الحمد لله الذي مكّنني منك"، ثمّ نادى: الجزار الجزار،
فقال له: اقطع يديه فقطعتا.... ثم قال: النار النار, فأتي بنار وقصب فأُلقي عليه
واشتعلت فيه النار فقال أحد الحاضرين ويقال له المنهال: سبحان الله! فقال: يا منهال
إن التّسبيح لحسن, ففيم سبّحت، فقال: أيها الأمير دخلت على علي بن الحسين عليه
السلام وسألني عن حرملة فقلت له تركته حياً في الكوفة, فرفع يديه قائلاً: اللهم
أذقه حرّ الحديد اللهم أذقه حرّ الحديد, اللهم أذقه حرّ النار، فقال لي المختار:
أسمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول هذا؟ فقلت: والله لقد سمعته. فنزل عن دابته
وصلى ركعتين وأطال السجود (16).
* قتل قتلةَ الحسين عليه السلام
كما وقد قتل كثيراً من الأشخاص الذين شاركوا في كربلاء، ولا سيما الذين رضُّوا صدره
الشريف بحوافر خيولهم أو سلبوه.
شهادة المختار
بعد المواجهة القاسية بين المختار ومصعب بن الزبير في موضع الزياتين قُتل المختار
وبُعث برأسه لشقيقه عبد الله. ثم تتبَّع ابن الزبير جميع أصحابه في الكوفة فقتل ما
يقارب ستة آلاف رجل كلهم خرجوا للطلب بدم الحسين عليه السلام كما بعث لحرم المختار
ودعاهن للبراءة منه ففعلن إلا امرأتين له.... قالتا كيف نتبرأ من رجل يقول ربي الله
وكان صائماً نهاره قائماً ليله قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول
الله صلى الله عليه وآله وأهله وشيعته (17)؟ وأبت زوجته ابنة النعمان بن بشير
البراءة منه وقالت: "شهادة أُرزقها ثم أتركها.... والله لا يكون أُتي مع ابن هند
فأتبعه وأترك ابن أبي طالب عليه السلام, اللهم اشهد أني متَّبعة نبيك وابن نبيه
وأهل بيته وشيعته" (18).
(1) إمتاع الأسماع، المقريزي، ج12، ص 249.
(2) الفصول المختارة، المفيد، ج 2، ص 296.
(3) الأمالي، الطوسي، ص 240.
(4) اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ج 1، ص 341.
(5) تاريخ الطبري، الطبري، ج 4، ص 202.
(6) إمتاع الأسماع، المقريزي، ج 12، ص 248.
(7) تاريخ الكوفة، السيد البراقي، ص 217.
(8) الإمام الصادق عليه السلام، أسد حيدر، ج 3، ص 108.
(9) فتاوي ابن تيميّه، باب البغاة، ح 27.
(10) الاستيعاب، ابن عبد الله، ج 4، ص 1465.
(11) طرائف المقال، السيد البروجردي، ج 2، ص 588.
(12) اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ج 1، ص 340، رقم 197.
(13) م. ن، ص 341، رقم 197.
(14) م. ن، ص 340، رقم 199.
(15) الأمالي، م. س، ص 244.
(16) م. ن، 239.
(17) تاريخ الكوفة، م. س، ص 359.
(18) م. ن.