الشيخ بسام حسين
في الرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: "كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، أما بعد، فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام"(1). بهذه الكلمات الصغيرة في حجمها، والكبيرة في معناها ومغزاها، اختصر سيد الشهداء عليه السلام نهضته المباركة، وحالة مَنْ لم يلحق به وتخلّف عنه، سواء أكان لعذر أم لغير عذر، فما آل إليه أمر هؤلاء أنهم لم يدركوا "الفتح"، ذلك العنوان الذي يحمل مفهوماً أوسع من النصر، ويترك أثره وتداعياته على مختلف مرافق المجتمع ومفاصله الأساسية.
وتختلف أعذار وظروف هؤلاء الأشخاص الذين تخلّفوا عن الإمام عليه السلام ونهضته المباركة، سواء قبلناها أو لم نقبلها.
وسوف نعرض بشكل موجز بعض هؤلاء الأشخاص وأبرزهم، وما ذكر لهم من أعذار في الكتب والمصادر، دون الدخول في المناقشة والأخذ والرد حولهم فإن ذلك يحتاج إلى مجال آخر:
1 - محمد ابن الحنفية:
وهو أخو الإمام الحسين عليه السلام وابن أمير المؤمنين عليه السلام، ومن أبرز وجوه البيت الهاشمي، لذا أثار عدم حضوره في كربلاء التساؤل عن سبب تخلّفه عن ركب الإمام عليه السلام.
وقد ذكر في هذا المجال عدة أسباب منها:
أ- إنه كان مريضاً، فقيل: إنه كان مصاباً في يده بحيث لا يتمكن من حمل السيف، وقيل غير ذلك.
ب- إنه كان عيناً للإمام عليه السلام في المدينة:
ذكر بعض المصادر أن الإمام الحسين عليه السلام قال مخاطباً أخاه: "وأمّا أنت يا أخي، فلا عليك أن تقيم في المدينة، فتكون لي عيناً لا تخفي عني شيئاً من أمورهم"(2).
ج- إن اسمه لم يكن مكتوباً بين شهداء كربلاء:
فقد ذكروا أن محمداً ابن الحنفية قال معتذراً عن عدم حضوره: إن أصحابه - يعني الحسين عليه السلام - عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم(3).
د- إنه لم يبلغ الفتح:
وهو المروي عن الأئمة عليهم السلام، فعن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفية عنه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إن الحسين لما فصل متوجهاً دعا بقرطاس وكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح، والسلام"(4).
2 - عبد الله بن جعفر:
وهو من الشخصيات الهاشميّة البارزة، والتي أثار عدم حضورها أيضاً استغراباً وتساؤلاً، فهو ابن جعفر الطيّار الشهيد، وابن عم الحسين عليه السلام، وصهره، فهو زوج العقيلة زينب عليها السلام، وله مشاهد عديدة معروفة ومشهورة.
ومما يزيد الأمر حيرة أنّه أرسل زوجته وبعض أولاده مع الإمام عليه السلام، واستشهد له اثنان منهم بين يديه، وكان يتمنّى لو كان هو شهيداً بين يديه أيضاً، فقد دخل بعض مواليه فنعى إليه ابنيه فاسترجع، فقال أبو السلاسل مولى عبد الله: هذا ما لقينا من الحسين بن علي، فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: والله لو شهدته لأحببت ألّا أفارقه حتى أُقتل معه، والله إنه لَمِمّا يسخي بنفسي عنهما ويعزّيني عن المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له، صابرين معه. ثم أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله، عزّ عليّ مصرع الحسين، إن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آساه ولدي(5).
وعلى أي حال، فقد ذكر لعدم حضوره أسباب منها: ذهاب بصره، أو أنه كان مكلفاً من قبل الإمام بالبقاء في المدينة لغرض، كالمحافظة على بني هاشم مثلاً أو أنه كان كبيراً في السن، حيث كان عمره سبعين عاماً، ما يحتمل أنه كان يعاني من ضعف جسدي(6).
3 - عبد الله بن عباس:
وهو من الشخصيات المرموقة والمشهورة عند المسلمين جميعاً سنّة وشيعة، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أصحابه وأصحاب أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين عليهما السلام.
وتذكر الروايات أن سبب تخلّفه عن الحضور هو أنه كان كفيف البصر في آخر عمره، ويشهد لذلك ما روي عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء، فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟... إلى آخر الرواية التي تذكر أنها أخبرته بقتل الحسين عليه السلام(7). وهناك شواهد أخرى على ذلك(8).
4 - سليمان بن صرد الخزاعي:
وهو من كبار وجوه الشيعة في الكوفة ومن أصحاب الإمام أمير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، وكان ممن كاتب الإمام عليه السلام يطلب منه القدوم إلى الكوفة.
وقد ذكر لعدم التحاقه بالإمام عليه السلام عدة أسباب منها:
أ- إنه كان قد وضع في سجن عبيد الله بن زياد مع مجموعة من الشخصيات الشيعيّة الأخرى، كالمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شداد وغيرهما.
ب- إن الكوفة كانت تحت مراقبة شديدة، ما شكل مانعاً لخروج الكثيرين لنصرة الحسين عليه السلام، وكان من بين هؤلاء سليمان.
ج- عدم توقّع شهادة الإمام عليه السلام عند العديد من الشيعة، ولعل من بين هؤلاء سليمان.
د- التخاذل والتقصير في نصرة الإمام عليه السلام، الذي أدّى إلى اعترافهم بخطئهم وتوبتهم بعد ذلك، حتى عُرفوا بالتوابين، وكان سليمان على رأسهم وزعيمهم(9).
5 - المختار بن أبي عبيد الثقفي:
وهو من الشخصيات البارزة في الكوفة أيضاً، وصاحب الثورة المعروفة التي خرجت للطلب بثأر الحسين عليه السلام، بعد ثورة التوابين. وكان ابن زياد قد أمر بحبسه، حيث بقي المختار في السجن إلى أن قُتل الحسين عليه السلام(10)، فكان هذا سبب تخلّفه عن اللحاق به.
6 - الطرماح بن عدي:
روي عن الطرماح بن عدي أنّه دنا من الإمام الحسين عليه السلام فقال له: والله إني لأنظر فما أرى معك أحداً ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم فقيل: اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين، فأنشدك الله إن قدرت على ألا تقدم عليهم شبراً إلا فعلت، فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجأ... ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيئ فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ رجالاً وركباناً، ثم أقم فينا ما بدا لك فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبداً ومنهم عين تطرف، فقال له عليه السلام: جزاك الله وقومك خيراً، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة(11).
يقول الطرماح: فودعته وقلت له: دفع الله عنك شر الجن والإنس، إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة(12)، ومعي نفقة لهم، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء الله، فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك، قال: فإن كنت فاعلاً فعجّل رحمك الله، قال: فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل، قال: فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت... وأخبرتهم بما أريد، وأقبلت في طريق بني ثعل، حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إلي، فرجعت(13).
7 - الضحاك بن عبد الله المشرقي:
وهو أغرب مَنْ يمكن الحديث عن تخلفه عن الإمام عليه السلام، فقد أدركه وقاتل بين يديه، ثم تركه بعد أن استأذنه.
ويحدثنا عن كيفية التحاقه فيقول: قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين، فسلمنا عليه، ثم جلسنا إليه، فرد علينا، ورحب بنا، وسألنا عما جئنا له، فقلنا: جئنا لنسلم عليك، وندعو الله لك بالعافية، ونحدث بك عهداً، ونخبرك خبر الناس، وإنّا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك...، ثم قال عليه السلام: فما يمنعكما من نصرتي؟ فقال مالك بن النضر: عليَّ دين ولي عيال، فقلت له: إنَّ عليَّ ديناً وإنَّ لي لعيالاً، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً، قال: قال: فأنت في حلّ، فأقمت معه...
ثم حدَّث عن كيفية نجاته فقال: لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي، قلت له: يا ابن رسول الله، قد علمت ما كان بيني وبينك، قلت لك: أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حل من الانصراف، فقلت لي: نعم، قال: فقال: صدقت، وكيف لك بالنجاء؟ إن قدرت على ذلك فأنت في حل! قال: فأقبلت إلى فرسي، وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر، أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أقاتل معهم راجلاً فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين يومئذٍ مراراً: لا تشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثم استويت على متنها، ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك..." ويكمل في الرواية أيّ طريقٍ سلك، إلى أن يختم بالقول: "فنجاني الله"(14).
1.كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 157.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج 44 ص 329.
3.مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3 ص 211.
4.بحار الأنوار، م.س، ج 42 ص 81. وانظر هذه الآراء ومناقشتها في كتاب: نهضة عاشوراء رقم 1، الصادر عن معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، ص 153.
5.الإرشاد، المفيد، ج 2 ص 124.
6.نهضة عاشوراء رقم 1، م.س، ص169.
7.الأمالي، الطوسي، ص 315.
8.نهضة عاشوراء رقم 2، ص 153.
9.نهضة عاشوراء، م.ن، رقم 1، ص183.
10.مقتل الحسين عليه السلام، المقرّم، ص 147 و151و 159.
11.تاريخ الطبري، ج 4 ص 307.
12.الميرة بالكسر فالسكون: طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد إلى بلد.
13.تاريخ الطبري، م.س.
14.م.ن، ج 339.
بيروت_الضاحية الجنوبية
هادي حسين حاوي
2023-07-29 15:24:08
والله يا أبا صالح المهدي لو اني أعلم أني أقتل ثم أحرق ثم أدرُ في الهواء ثم أحيا ثم اقتل ثم احرق ثم ادرُ في الهواء يفعل بي ذلك مائة ألف مرة ما تركتك يا مهدي... لا عُذر للذين لم يبلغوا الفتح.. إن هذا إمام زمانهم وإمام عصرهم وقام من اجلهم وأجل دين الله ورسوله...نسأل الله أن يثبتنا على ولاية امير المؤمنين والطاعة والمعرفة لإمام زماننا