الشيخ محسن قراءتي
قال تعالى:
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾
(الإسراء: 44) وكذلك قال تعالى:
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
(الحديد: 1). إن كل موجودات هذا الكون تسبّح الله عزّ وجلّ وتسجد وتقنت له. وقد
اختلف المفسرون في تفسير تسبيح الموجودات، فذهب بعضهم إلى أنَّ هذا التسبيح تسبيح
تكويني، أي إنَّ صنع وخلقة كلِّ ذرَّة في هذا العالم تدل على الصفات الإلهية من
الإرادة، الحكمة، العلم والعدل، فوجودها تسبيحها. ويذهب بعض آخر من المفسّرين إلى
أنَّ لكلِّ شيء في عالم الوجود شعوراً وعلماً وهي في حالة تسبيح لله عزّ وجلّ،
ولكننا لا نسمع تسبيحها، وهذا التفسير أكثر انسجاماً مع ظاهر الآيات. فنطق الأشياء
ليس أمراً مستحيلاً، والشاهد على ذلك:
1- إنّ هذا سوف يتحقَّق في يوم القيامة حيث قال تعالى:
﴿أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
(فصّلت: 21).
2- ورد وصف الحجارة في القرآن بأنّها تعرف الله وتخشع له عزّ وجلّ، بل أنها تسقط من
الجبال بسبب خوفها من الله عز وجل، قال تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾
(البقرة: 74).
3- يحدّثنا القرآن الكريم عن النبي سليمان عليه السلام الذي سمع كلام النملة، بل
عُلّم منطق الطير.
4- إنّ الهدهد أمكنه أن يدرك انحراف قوم سبأ ولذا جاء إلى سليمان يخبره عن انحرافهم
عن عبادة الله.
5- خطاب الله عز وجل للجبال في قصة داود عليه السلام حيث قال تعالى:
﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾
(سبأ: 10).
وقد تعرَّض القرآن مضافاً إلى هذه الشواهد إلى تسبيح سائر الموجودات.
كما ورد في الروايات الحديث عن تسبيح الموجودات:
1- في الرواية عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال: "نهى رسول الله صلى الله
عليه وآله عن أن توسم البهائم في وجوهها وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبّح بحمد ربها".(1)
2- روى إسحق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من طير يصاد في بر ولا
بحر، ولا شيء يصاد من الوحش إلا بتضييعه التسبيح"(2).
3- شهادة الحجر والشجر بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله(3).
وخير شاهد على عدم صحة تفسير تسبيح الموجودات بلسان الحال وأنَّ وجودها تسبيحها هو
قول الله عزّ وجلّ
﴿وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾
(الإسراء: 44) مع أنَّ وجودها التكويني لو كان هو تسبيحها لكان معنى ذلك
أنَّنا قد فهمنا تسبيحها.
مضافاً إلى أنّ تسبيحها لو كان هو بوجودها التكويني لما كان لذلك زمان محدد وخاص،
مع أنَّ القرآن الكريم تحدّث عن تسبيحها في أوقات محددة قال تعالى:
﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ
يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ﴾
(ص: 18). ولو أنَّ تسبيح الموجودات كان بنفس صنعها وخلقتها ووجودها لكان
التسبيح عامّاً وشاملاً لكافَّة الموجودات مع أن القرآن تعرَّض بالحديث لبعض
الموجودات وتسبيحها قال تعالى:
﴿ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾
(الرعد: 13). ولو أنّ وجودها وخلقتها هو المراد من تسبيحها كشهادة
البناء الجميل على قدرة المهندس والبنّاء، فما هو معنى قوله تعالى:
﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ
وَتَسْبِيحَهُ﴾
(النور: 41)، أي إنَّ الموجودات تعلم بصلاتها وتسبيحها، وهذا أمر لا
يصدر إلا عن علم وإدراك وشعور، وليس أمراً تكوينياً يصدر بلا شعور.
(1) تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 3، ص 168.
(2) م. ن.
(3) بحار الأنوار، ج 17، ص 383.