نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: المؤسسات التعليمية والعمل التربوي


د.حسن سلهب


بعد تزايد أعداد المدارس، وبعد اكتشاف قابلية صروحها للاستثمار السياسي والرسالي، فضلاً عن الاجتماعي والمالي، دخلت المدارس مرحلة جديدة تخلت فيها عن المرجعية الفردية لصالح جمعيات أو مؤسسات ذات طابع سياسي أو ديني أو اجتماعي أو مزيج من ذلك.  وإذا كان هذا الانتقال قد بدأ منهجياً مع المدارس الإرسالية، إلّا أنّه تعداها بعد ذلك ليشمل معظم المدارس والمراكز التربوية. وبتنا اليوم نشهد تنامياً غير محدود للجمعيات والمؤسسات التربوية التي ترعى المدارس لدى معظم الطوائف والمناطق اللبنانية. ما تطرحه هذه المقالة يتناول بعض الإشكاليات التي نجمت عن عملية الانتقال هذه، وبالتالي المقاربات المفيدة في هذا المجال. 

لا شكّ بأنَّ عملية تجميع الطاقات وتوحيدها، ومن ثمَّ تعميم خيراتها على أكبر شريحة ممكنة، عملية مفيدة ومتقدمة، لكن القضية لا تنتهي هنا، ذلك أنَّ الانتقال من المرجعيَّة الفردية إلى المرجعية المؤسساتية يتطلَّب نظاماً جديداً يتناسب مع الحجم الجديد للأعمال والطاقة الضرورية لتحريكها, فلا يمكن، على سبيل المثال، قيادة مدارس عديدة ببرنامج إدارة مدرسة واحدة، مهما جرى توسيع الكادر البشري أو توزيع المهام المطلوبة، فالاختلاف ليس كمياً، كما نعرف، فحسب، بل هو نوعي في الدرجة الأولى. ثمّ إنّ المركزية، التي كانت مبرّرة في بدايات العمل الإداري والمدارس الإفرادية، لم تعد مجدية حتى في هذه الأطر المحدودة والضيقة، فكيف الحال بالأطر الواسعة والمساحات العريضة؟ إن الانتقال إلى مرحلة العمل التربوي الواسع والمتعدد الوحدات يستلزم نمواً في الفكر التربوي والإداري يتجاوز بضرورته أي نمو تقليدي في الأعمال الأخرى.

1- إشكالية الوحدة والتنوع
من إشكاليات العمل التربوي الواسع والمتعدد الإصرار على توحيد وتقريب المدارس في كلِّ مفردة من مفرداتها، وبالتالي السعي للوصول بها، جميعاً، الى أنموذج واحد وصورة واحدة، مع تجاهل كلي للظروف والفروق. نعم، لدينا مكوِّنات أساس ذات جوهر واحد، كالرسالة والأهداف والسياسات العامّة، تشكّل هويّة الجمعيّة أو المؤسسة، بل مبرر وجودها، لكن من الضروري الحذر من التمادي في المجالات الأخرى، حيث يكون للتنوع والاختلاف الطبيعي ضروراته ومحظوراته التي لا يمكن تجاهلها أو عدم الاهتمام بها. ليس من المفيد دائماً أن تلتزم كلّ المدارس أنظمة واحدة في التدريس والتقييم، فضلاً عن امتحانات القبول والترفيع، بل يكفي أن تكون الأهداف العامّة واحدة والسياسات العامّة غير متباينة، وبعد ذلك فليسلك كل فريق دربه المتّصل بموضعه والقريب من مكان وجوده. نقول ليس من الضروري، أو ليس من المفيد على الدوام، لأننا قد نكتشف مصلحة من الوحدة فتكون هي الدافع، وليس مبدأ الوحدة في ذاته.

2- الشروط العامة والشروط الخاصة
إنَّ هذا الكلام مبني في الأساس على قناعة عميقة بوجود شروط عامة وخاصة في إطلاق أي تجربة في العمل الاجتماعي الإنساني، وأنَّ الاعتراف بهذه الشروط مقدِّمة ضرورية لنجاح أي تجربة من هذا القبيل. ونعني بالشروط كل ما يشكّل حيثيّات ضرورية لإنجاز الأعمال على الوجه المفترض أو المطلوب. وإذا كانت الشروط العامة تصدر عن المشتركات العامة للمجتمع وتشكّل خطوطاً عريضة في كل برامجه وأنشطته، فإنَّ الشروط الخاصة تصدر عن خصوصيّاته الكامنة في المجال الحيوي الخاص به. ولا توجد جماعة، كما لا يوجد اجتماع، من دون شروط عامّة تربطه بغيره من الجماعات أو بالاجتماع الأكبر الّذي ينتمي إليه. كذلك لا توجد جماعة، مهما بدت منخرطة بغيرها، أو مندمجة في سياق واحد مع غيرها، إلّا ولها شؤونها الخاصة ومعطياتها الخاصة، تماماً كما هو حال الشخصية الفردية مع الجماعة الواحدة. لذا نقول إنّه لن يتوازن عمل الجمعية أو المؤسسة الخاص بالمدارس لمجرَّد امتلاكها نظاماً يغطِّي كلَّ المهام والحقوق والأحوال التي تتطلبها المدارس أو تتحمل المسؤولية فيها، بل لا بُدَّ لها من إنجاز أنظمة لا تتوخى الحكم على الأشخاص أو الأعمال فحسب، إنَّما تضمن فعالية دائمة للأشخاص وجودة مستمرة للأعمال، على الأقل في الظروف العادية والطبيعية. وبعبارة أخرى نقول إنَّ دور المؤسسة يكمن، بالدرجة الأولى، في ضمان وجود الحافزية والنوعية في كيان كلِّ فرد من أفرادها وكلِّ نتاج من نتاجاتها. ماذا تستفيد الجمعية أو المؤسسة إذا تم الالتزام بكلِّ قوانينها فيما يعيش العاملون فيها أقسى درجات الإحباط ويتجرعون، بشكل يومي، مرارة الصبر والقهر؟ ماذا تجني الجمعية أو المؤسسة إذا تمكنت من توحيد كلِّ مفردة من مفرداتها، بينما يغرق العاملون فيها في مستويات متعارضة ومتناقضة في الإنتاج والدافعية؟ إنَّ غاية الأنظمة والقوانين تصويب وحماية مسار المدارس. وهذا أمرٌ مفيد وضروري، لكن ماذا يغنينا التصويب؟ وماذا تؤمن لنا الحماية إذا وقعنا في أزمة تدني الدافعية أو انحسار الحماس؟؟ وهل يكفي توافر الحافزية في عدد محدود من العاملين فيما يتخبط السواد الأعظم في الملل والضجر؟؟..

3- مسؤولية استمرار الحيوية
إنَّ مسؤولية الجمعية أو المؤسسة إذاً، لا تتوقف عند تقنين أو تنظيم أعمال المدارس فحسب، بل في تمكين العاملين فيها من الشعور بالحيوية أثناء مزاولتهم لأعمالهم. ولا توجد جهة أخرى يمكنها تحقيق ذلك غيرها. أما الحديث عن الدور الذاتي للعامل فهو من قبيل الحديث عن الدور المكمل لا أكثر.  والمؤشر البالغ الدلالة الذي يتعيّن على الجمعية أو المؤسسة التدقيق فيه وتفقُّده على الدوام هو مدى توافر هذه الحيوية في أداء معظم الكادر البشري في مدارسها. قد تتحمل المدرسة خروجاً عن بعض الأنظمة والقوانين، كما قد يكون بإمكانها، لاحقاً، معالجة خللٍ ملحوظٍ في موازنتها المالية، ولكن ليس بوسعها أن تتحمل كادراً فقد حيويته أو جهازاً بشرياً غارقاً في الروتين اليومي والإحساس بعدم الجدوى. هذه الحيوية التي تعتبر أثمن ما لدى المدرسة، وأغلى ما يمكن أن تصل إليه أي منظمة بالمصطلح الإداري، يجب أن تكون محفوظة على الدوام ومحروسة باهتمام شديد، كما لا يجوز التفريط بها أو النيل منها تحت أي حجة أو عذر، بما في ذلك التطبيق الدقيق للأنظمة والقوانين. ليست دعوة للفوضى، ولكن بالإمكان تطبيق النظام اعتماداً على هذه الحيوية، وبطاقتها المفتوحة، وليس على حسابها أو بطاقة خارجية غريبة. أخيراً إذا سألتني عن سر وجود الحيوية في العمل الإداري أو التربوي عموماً، فاسمح لي بأن أجيبك باختصار شديد: إنه فعل الاعتراف بالشروط الخاصة، المشروعة والمعقولة. إن وجود الحيوية مرتبط بمدى اعترافنا بالسمات الخاصة وبالتطلعات الخاصة وبالقدرات الخاصة التي تشكل مقدمات ضرورية وأسباباً عضوية للنهوض بأعمال الجمعية أو المؤسسة، وبالتالي تحقيق رسالتها العامة، من دون أن يعني ذلك انتقاصاً من الشروط العامة التي لها أهميتها وضرورتها الثابتة.

تلك هي الإشكالية الأكثر تحدياً لسياسات وأنظمة الجمعيات والمؤسسات التربوية الراهنة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع