وسام قبلان
قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته عند وفاته للحسن
والحسين عليهما السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم
أمركم وصلاح ذات بينكم"(1). يتميز هذا الحديث من وصية أمير المؤمنين عليه السلام
بكثير من الأهمية نظراً لظروف قوله وزمانه ومن يستهدفه ومحتواه الذي يتضمن ثلاثة
أصول قيادية حيوية ومصيرية (تقوى الله، نظم الأمر، صلاح ذات البين) موجهة خاصة إلى
القيادات الإسلامية مهما كان موقعها في الهياكل التنظيمية في حكومة أو جيش أو حزب
أو جمعية لاستمرارية بقاء ونجاح هذه الأطر الجماعية.
عندما قال أمير المؤمنين عليه
السلام هذا الحديث الذي هو جزء من وصيته الأخيرة لما حضرته الوفاة إثر الجراح التي
أحدثها الملعون ابن ملجم في محاولة اغتياله غدراً داخل المسجد خلال سجوده في الصلاة،
عندها كان أمير المؤمنين القائد الأعلى للدولة الإسلامية وبيده السلطة كلها
والحكومة والجيش. هذه الكلمات موجهة إلى الحسن والحسين عليهما السلام القائدين
اللذين سيخلفانه في الإمامة وقيادة الدولة الإسلامية. وكان عليه السلام حريصاً على
تعميم وصيته إلى أهله في زمانه وجميع من بلغه كتابه مستقبلاً من الأجيال اللاحقة من
القيادات الإسلامية، لذا فالوصية الكاملة هي أمانة في أعناق جميع من بلغتهم من
القيادات الإسلامية لتنفيذ مضمونها، لكننا سنكتفي بالإشارة إلى ما ورد في أول
الوصية وهو الأصول الثلاثة نظراً لأهمية الأولويات التي كانت تشغل بال أمير
المؤمنين فقدمها بوصيته على غيرها، أما باقي الوصية الّذي هو ليس موضع بحث في هذه
المقالة فهو يعتبر من متفرعات الأصول الثلاثة.
* شرح الأصول الثلاثة
1- تقوى الله: هي اتقاء ما يؤدي إلى مخالفة الله تعالى بالامتثال والطاعة لأوامره
واجتناب نواهيه بالتخلي عن كل رذيلة والتحلي بكل فضيلة. ومن نتائج التقوى العملية
التي يلمسها القائد الإسلامي، المساعدة من الله في حل المشاكل والصعاب وتيسير
الأمور، كما ورد في الآيتين الكريمتين:
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾
(الطلاق: 2-3)،
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ
مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾
(الطلاق: 4).
2- نظم الأمر: هو ما يصطلح عليه حالياً بالإدارة أو القيادة الإدارية والتي تتضمن
مفاهيم التخطيط، التنظيم، التوجيه، والمتابعة، وهي دعوة لتنفيذ هذا الأصل بكل
مضامينه حيث يعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام من أعظم
القدوات في الإدارة والقيادة، لذا نجد الأصول والمفاهيم الإدارية والقيادية من خلال
سيرتهم وأحاديثهم تعكس البعد الإلهي والإنساني المرتكز على حقوق الإنسان والحرية
والعدل والثورة على الظلم والحرمان والفقر، عكس ما تجده في المفاهيم الغربية
للإدارة والقيادة التي تتشابه مع الإدارة والقيادة الإسلامية بالكثير من العناوين
لكن ما يجعلها مختلفة هو أهدافها ونظرتها إلى الإنسان حيث تتعامل معه كآلة إنتاج من
منطلق الاستغلال باستخدام مزيّف لشعارات الحرية وحقوق الإنسان والتقدم والتنمية
البشرية.
3- صلاح ذات البين: يقترن هذا الأصل بالآية الكريمة
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ
جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾
وبالحديث الشريف "صلاحُ ذاتِ البينِ أفضلُ من عامّة الصلاةِ والصيام"(2) للحفاظ على
الوحدة وتماسك الأفراد والجماعات داخل الأمة الإسلامية من خلال حل النزاعات
والمشاكل بين الأفراد إلى الجماعات وصولاً إلى الدول.
* مفهوم وحدة الأصول الثلاثة
إن هذه الأصول الثلاثة تشكل مجموعةً رافعة من ثلاث ركائز يسند بعضها بعضاً لرفع
الأمم والجماعات من حفر الاستعمار والانحطاط والتخلف على أنواعه. فقد يتبادر إلى
ذهن بعضنا أن ما وصل إليه الغرب من تطور ونجاح يتعارض مع مفهوم وحدة الأصول الثلاثة
لنجاح وبقاء الأمم والجماعات. الغرب كما كل الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة
كالرومانية التي وصلت إلى أعلى مجدها باحتلالها لمناطق واسعة جداً على امتداد
القارات ما لبثت أن زالت من الوجود، وفي الماضي القريب زالت من الوجود دول متقدمة
جداً كألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي مع ما وصلت إليه من قوة وتقدم كبير. ذلك
التقدم والتطور جاء نتيجة استخدامهم لأصل نظم الأمر بفعالية عالية وللأصل الثاني
صلاح ذات البين بأسلوب مختلف عن المفهوم الإسلامي حيث استخدموا وسائل القهر والظلم
والطمع والفساد للحفاظ على الوحدة لفترة زمنية في بلادهم وداخل أحزابهم. لكن ما
ينقصهم هو عدم إمكانية وجود لأصل التقوى في مكونات مجتمعاتهم وحتى في التركيبة
الفكرية والعقائدية لأحزابهم وقادتهم.
* كيفية تطبيق القائد الإسلامي للأصول الثلاثة
يجب على القائد الإسلامي، مهما كان موقعه، المحافظة على دوام وجود الأصول الثلاثة
ضمن نطاقه. ولنتصور معاً أفراد تجمّع أو تنظيم سمه ما شئت تشعّ فيهم التقوى،
تدار أمورهم بفعالية ومتحدين كالبنيان المرصوص، هل ينجحون بالوصول إلى أهدافهم
والمحافظة عليها أم لا.
(1) نهج البلاغة، من وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لما
ضربه ابن ملجم لعنه الله.
(2) نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج 3، ص 76.