* من أجمل ما قيل:
أ- في الوالدين:
قول الله تعالى في التنزيل الحكيم، في سورة الإسراء، الآية 23:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
أمَّا من حيث المعاني فلا نحسبُ أنَّ في كلّ آداب السلوك المُنْزَلة والوضعيَّة، أي
كل آداب الدين والدنيا، آيةً تحملُ هذا القدْرَ من الحبّ والرحمة والتكريم والإجلال
للوالدين. وأمَّا من حيث جمال الأسلوب وروعة الصياغة الفنيَّة، فلا يقرأ هاتين
الآيتين مؤمنٌ أو متذوِّقٌ للأدب والبيان، إلا وتهتزُّ أعطافُه وتثور مشاعره وترقى
أحاسيسه، بل ويشعر برعدةٍ تسري في كيمياء دمه متناغمةً مع عذوبة الجرس ورخامة
الإيقاع. وأمَّا التصوير البياني فلهُ أبلغُ مثالٍ في قوله سبحانه:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ﴾(الإسراء:24)،
فهذا الأسلوب الاستعاري يُذكِّرُنا بخفضِ الطائرِ الأمِّ جناحيْها لفراخها تزُقُّها
وتحتضِنُها وترعاها حبّاً ورحمةً.
ب- في البلاغة والبيان:
أجملُ ما قيل في فضيلة البيان قول رسول المحبَّة صلى الله عليه وآله: "إنَّ من
البيان لسحراً"؛ يريد صلى الله عليه وآله أنَّ البلاغة تعمل عمل السحر، من حيث
تأثيرُها في السامع أو القارئ، فتجعل قلبه سريع الميل والقبول لما يسمعُ أو يقرأ،
وذهنه شديد الاقتناع بما يُلْقى إليه من كَلِم، منبهراً بالصياغة الفنيَّة والصورة
البيانيَّة.
من عيون الشعر:
- ما قال أبو تمَّام في الحسد:
وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فضيلةٍ |
طُوِيَتْ، أتاحَ لها لسانَ حَسُودِ |
لولا اشتعالُ النارِ في ما جاورَتْ |
ما كانَ يُعْرَفُ طِيبُ عُرفِ العود |
- قول أبي الأسْود الدُّؤليّ في وعظ الإنسان نفسه قبل وعظ
غيره:
يا أيُّها الرجُلُ المعلِّمُ غيرَهُ |
هَلاَّ لِنفْسِكَ كان ذا التعليمُ |
تصِفُ الدَّواء لذي السَّقامِ وذي الضَّنا |
كَيْما يصحَّ به، وأنتَ سقيمُ |
ابدأْ بنفسكَ فانْهَهَا عن غَيِّها |
فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حكيمُ |
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ |
عارٌ عليك، إذا فعَلْتَ، عظيمُ |
* مِنَ العامِّيِّ
ما أصله فصيح:
- الرجُل "صافِنٌ"، أي هادئ متأمِّل وقد سرَحَ نظرُه. هو مأخوذٌ من: صَفَنَ الفَرَسُ،
أي: هَامَ على ثلاث قوائم وطَرَفِ حافِرِ الرابعة.
- الفاكهة "مسْتويّة"، أي: ناضجة. وهي مأخوذةٌ من "استوى الرجُل"، بمعنى "بلَغَ
أشُدَّه"، أو "انتهى شبابُه". وتقولُ العرَبُ: "استوى الطعام"، أي: نضِجَ.
- "زَعْلان"، من فِعْلِ "زَعِلَ" فُلان من المرض أو غيره، أي: ضَجِر واضطرب.
والزَّعِلُ هو المتضوِّرُ جوعاً.
*من أمثال العرب
"عند جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقين"
يُضْرَبُ هذا المثلُ في معرفة حقيقة الأمر. وأصله أنَّ الحُصَيْنَ الغطفانيَّ خرج
ومعه رجُل من بني جهينة يُدعى الأخْنَس بن كَعْب، وكان كلٌّ منهما فتَّاكاً غادراً،
فمرَّا برجلٍ من بني لخْم أمامَه طعام وشراب، فدعاهما لمشاركته، فأكلا معه وشربا،
ثمَّ غافَلَ الحُصَيْنُ ذلك الرجل اللّخْميَّ وقتله ثم سلبه، فأحسَّ الأخْنَسُ
الجُهَنيُّ بأنَّ الحُصَيْن سيغدرُ به، إذ لا أمانَ له، فقد قتل الرجلَ الكريمَ
الذي أطعمه وسقاه!. ثمَّ جَلَسَا يتحدَّثان. وكان الحُصَيْن يُشاغلُ صاحبه ليفتك به،
ففطِنَ الجُهَنيُّ لمراده، فقال له الحُصَيْن، وقد رفع رأسه إلى السماء:
- ما تقولُ هذه العُقاب؟
فوضع الجُهَنيُّ سيفه في نحرْ الحُصَيْن فقتله، ثم أخذ أسلابه وأسلاب اللَّخْميّ
وانصرَف، فمرَّ بقومٍ من قبيلة قيْس، وإذا امرأةٌ تسألُ الرُّكْبان عن الحُصَيْن،
فقال لها:
- من أنتِ؟
فقالت:
- أنا صخرةُ امرأةُ الحُصَيْنِ الغطفانيّ.
فمضى الأخنسُ الجُهَنيُّ وهو يقول: تُسائلُ عن حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ وعندَ
جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليقينُ
*من روائع العربيَّة:
عمليَّة النحْت، وهي آليَّة تُغْني اللغة، وتقومُ على نَحْتِ فعلٍ جديد من فعلين
معروفَيْن، بعد حذفِ بعض الأحرف المكرَّرة خصوصاً من الفعل الثاني. من أمثلته:
- "شَمْرَخ" الغُصنُ، فهو منحوت من: شَمَخَ وفَرَخَ، فالشماريخ هي الغصون الدقيقة
المتفرِّعة من الغليظةِ، كأنَّها شَمَخَتْ برؤوسِها وفرَّخَت!.
- "قَنْبَضَ": منحوت من: قبض ونَبَضَ، لذا تُسمَّى الحيَّةُ "قُنْبُضَة"، لأنها
عندما تُساورُ مَنْ يدوسُها (أي: تثِبُ عليه) تنقبضُ ثمَّ تنبِضُ معتمدةً على عضلاتِ
جسمها الدائرية الشديدة المرونة، ثمَّ تنبضُ كالنابض (الرّسُّور) وقد تَحَرَّرَ من
الضغط. أمَّا القصيرُ فهو القُنبُض كأنما انقبض على نفسه.
- "زَحْفَطَ": منحوت من زحف وزَحَطَ، فالزَّحْفطيُّون هم أدنياء النفوس من العملاء
والخوَنة الذين يَزْحَطون أمام بهارج المال والسُّلْطة، ويزحفون على بطونهم ليلعقوا
بألسنتهم الطِّوال نِعالَ من يستعملُهم!.
*من نوادر العرب:
- خرَجَ رجلٌ إلى قريةٍ فأضافَهُ خطيبُها، فأقامَ عنده أيَّاماً، فقال له الخطيب: "أنا
منذ مدّةٍ أصلِّي بهؤلاء القوم، وقد أَشْكَلَ عليَّ، في القرآن، بعضُ مواضيع". قال
الرجل: "سَلْني عنها". قال: "منها في (الحمد لله) إيَّاك نعبُدُ وإيَّاكَ... أيُّ
شيء هي؟ تسعين؟ أو سبعين؟ أشكَلَتْ عليَّ هذه، أنا أقولُها "تسعين"، آخُذُ
بالاحتياط".
- كان رجُل كثيرَ المُخاطبة لامرأته، وله جارٌ يُعاتبُه على ذلك. فلمَّا كان في بعض
الليالي، خاصَمَها خصومةً شديدة وضرَبَها، فاطَّلعَ عليه جارُه فقال: يا هذا،
اعْمَلْ معها كما قال الله تعالى: "إمَّا إمْساك إيشْ اسمُه... أو تَسْريح ما أدري
إيشْ".