الشيخ نعيم قاسم
يحرص الإسلام على وجود علاقة الحب بين العبد وخالقه، وبين
العبد والرسول صلى الله عليه وآله، وبين العبد وأئمة أهل البيت عليهم السلام. ذلك
أنَّ علاقة الحب تعبيرٌ عن المشاعر التي تتفاعل، فتولِّد اندفاعاً، وتضحية، وأُنساً،
وراحةً نفسية هي ضرورية للاستقرار الإنساني. فالفرق كبير جداً بين طاعة الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام على أساس الآمر الذي يُلزم
المأمور، وبين الطاعة المجبولة بالحب والتي تحول السلوك والعمل إلى مسارٍ تغمره
اللذة والسعادة.
ومع الحب يأتي الأمر من الحبيب أحلى من العسل المصفَّى، وتزول
حواجز الشيطان، ويحلو الأُنس بالرحمن، وتصبح قدوة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام هدايةً نحو النور برغبةٍ وشوق. علاقةُ الحب بالقدوة تساعد على
الاقتداء بها، وتؤسس لشوق اللقاء والنصرة، فالمنتظرون المحبون للإمام المهدي عجل
الله فرجه تغمُرهم اللهفة للقائه، والاستماع لأوامره، والاستشهاد بين يديه، فلا شيء
يعادل حلاوة اللقاء والطاعة، مهما كانت النتائج، فالنصر معه سعادة، والشهادة معه
سعادة، والالتحاق بجنده سعادة، ولو كانت مشاقُّ اللقاءِ كثيرةً لتحمَّلها المحبُّ
لأنَّها مع حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
أنت مع من أحببت
عن الإمام الباقر عليه السلام: "وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى:
﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾(الحجرات:7),
وقال:
﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾(آل
عمران:31), وقال:
﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾(الحشر:9).
إنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله, فقال: يا رسول الله, أحبُّ المصلين ولا
أصلي, وأحبُّ الصوَّامين ولا أصوم (الصوم والصلاة المستحبان). فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: أنتَ مع من أحببت, ولكَ ما اكت سبت"(1). من هنا نفهم
معنى انسجام الدين مع الفطرة الإنسانية، وسمو المؤمن إلى الدرجات العليا عندما
ينفِّذُ تعاليم الدين. أَطلِق أيها المؤمن العنانَ لقلبك كي يتزوَّد من كلام الله
تعالى في القرآن الكريم ما يخالط اللحم والدم والفكر والجوارح، وعوِّدهُ ليتعلق
بخالقه حباً وهياماً، وأرشده إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي يستحوذُ على
القلوب بعظمتِهِ وعبادتِه وجهادِه ورقيِّه، وذكِّرهُ بالأئمة الأطهار عليهم السلام
فهم شعلة الحب نحو الحياة الأبديَّة في أروع عطاءاتها، واجعل انتظارك للإمام المهدي
عجل الله فرجه مدخلاً إلى الطمأنينة في مسار الدنيا نحو الخير والصلاح والعدل وعلوِّ
المؤمنين.
محبة أهل البيت هي الضمانة
طريقُ الحب مفتاحُ قبولِ الأعمال، ومحبةُ أهلِ البيت عليهم السلام ضمانةُ القبولِ
الأكيدة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الزموا موَّدتنا أهل البيت...فوالذي
نفس محمدٍ بيده، لا ينفعُ عبداً عملُهُ إلاَّ بمعرفتنا"(2). فلا تُتعِب نفسك بكثرة
الحركة وبذل الجهد الكبير إذا لم يكن مقروناً بالحبِّ والمودَّة لأهل البيت عليهم
السلام، واعلم أنَّك مع حبِّهم ومودَّتهم تربحُ الكثير، وتختصرُ الطريق، وتضاعِفُ
أعمالَك، ثم تَلقى القبولَ عند مليكٍ مقتدر. لاحظ معي ما ذكره القرآن الكريم
على لسان النبي صلى الله عليه وآله من طلب المودَّة من المؤمنين لأهل البيت عليهم
السلام، قال تعالى: صلى الله عليه وآله
﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(الشورى:23).
ولا يعبِّر هذا الطلب عن أي حاجة لرسول الله من المؤمنين، فمكانتُهُ عند الله تعالى
ومكانةُ أهل البيت عليهم السلام تُغنيهم عن كلِّ ما عداه، ولكنَّ المودَّة ثمرةٌ
للمؤمنين يتزوَّدون منها، وقد رُوي عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"﴿لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(الشورى:23):
أن تحفظوني في أهل بيتي، وتودّوهم بي"(3). ومؤدّى الحفظ والمودّة أن يقترب المؤمنون
منهم، ويتفاعلون معهم، ويتزوّدون من بركاتهم، ويكتسبون سلوكهم... فالمودَّة خيراتٌ
للمؤمنين. ذكر العلامة الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية، عن عقيدتنا
في حب آل البيت عليهم السلام: "قال تعالى:
﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾،
نعتقد أنَّه زيادة على وجوب التمسك بآل البيت، يجب على كل مسلم أن يدين بحبهم
ومودتهم، لأنَّه تعالى في هذه الآية المذكورة حَصَرَ المسؤول عليه الناس في المودة
في القربى"(4). هذا هو الطريق الآمن باتجاه الاستقامة، والحسرة على من لم يهتدِ
إليه مع هذا التوجيه القرآني، ومع ما حفلت به الروايات من التأكيد على العلاقة بآل
البيت عليهم السلام.
لماذا محبَّة أهل البيت عليهم السلام طريق الخلاص؟
لقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وآله أنَّ حبَّه وحبَّ آل البيت عليهم السلام هو
المقياس لقبول الإيمان، ولا معنى لإيمانٍ غير مصحوب بهذا الحب، الذي يؤدي إلى ذوبان
النفس المؤمنة في ذات الحبيب، وإنما يكون وجودها بهذا الحب، متلازماً مع الإيمان،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبّ إليه من نفسه،
وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته"(5).
لماذا؟ لأنَّه لا معنى للحب من دون تضحية في سبيله، والمحب يبذل لحبيبه ممَّا يحب،
من دون طلبٍ للبدل. والمطلوب أن نبذل في سبيل الله تعالى، وأن يكون حبنا لنبينا
أكثر من حبنا لأنفسنا، لأنَّ من أحب نفسه عاش الأنانية وانجرف مع ملذاته، أمَّا من
أحبَّ نبيَّهُ وآثره على نفسه، استقام بطاعته، وبذا يربح نفسه أيضاً. ومن أحبَّ
عترة أهل البيت عليهم السلام أكثر من أهله، قدَّمهم كقدوة، وواجه أهله بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ودعاهم إلى الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام، فحبُّهم
يؤدي إلى الحب النافع لأهله بربطهم بآل البيت عليهم السلام. بالحب للنبي وآله نسلك
طريق الخلاص: "إنَّ مكانة النبي عظيمة عند الله تعالى، فهو الأول والأرقى بين البشر،
وهو خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم جميعاً، وقد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليه، قال
تعالى:
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً﴾(الأحزاب:
56)، وجعلَ الصلاة عليه وعلى آله جُزءاً لا يتجزَّأ من التشهد والتسليم، في
الصلوات اليومية وكل الصلوات الواجبة والمستحبة.
فآل البيت خلاصة هذا الوجود، وهم
الأوائل في عصمتهم ومكانتهم وكرامتهم، وهم القدوة والقيادة "مثل أهل بيتي كسفينة
نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"(6).
فلنعمل لما يعزِّز إيماننا، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد طعم الإيمان: من كان الله ورسوله
أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يُلقى في النار
أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه"(7).
عندما يتعلق قلبك
بالإمام المهدي عجل الله فرجه فأنت معه في كل آنٍ، وهو معك، وعندما يغمرك حبُّهُ
فأنت على طريق الفرج، لأنَّك بشوقٍ إلى المنقذ، وهذا هو مسار الخلاص، عندها يرخص كل
شيء في هذه الدنيا لتكون جندياً في معسكر صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه
الفداء.
(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص: 80.
(2) بحار الأنوار، ج27، ص193..
(3) الشيخ الريشهري، أهل البيت في الكتاب والسنّة، ص: 358.
(4) الشيخ المظفر، عقائد الإمامية، ص: 72.
(5) الشيخ الصدوق، الأمالي، ص: 414.
(6) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص34.
(7) النيسابوري، روضة الواعظين، ص: 417.