تحقيق: نانسي عمر
السؤال الأوّل الذي يتبادر إلى ذهن الوالديْن بعد التأكّد
من خبر الحمل هو: ماذا أسمّي طفلي؟ وتبدأ الاقتراحات والخيارات على اختلافها تتهافت
من كلّ حدبٍ وصوب. المعيار الأساس عند بعضهم هو أنْ يكون الاسم جميلاً، وعند
الآخرين أنْ يكون حديثاً وغير متداوَل في عائلتَي الأمّ والأب، ويذهب فريق ثالث إلى
المعيار الدينيّ في تسمية الطفل، بينما يسمّي غيرهم أولادهم باسم أكثر شخصيّة
تأثّروا بها في حياتهم أو خلال فترة الحمل أو يوم الولادة، بغضّ النظر عن مقدار
قبول الاسم في المجتمع.
الاسم قد يعطي الإنسان سِمة معيّنة لشخصيّته. لذلك، يجب أنْ يكون مقبولاً ومتعارفاً
في المجتمع.
* تيمّناً بأسماء النبيّ وأهل بيته عليهم السلام والشهداء
دوافع كثيرة وراء إطلاق الأهل أسماء أولادهم، بعضها مقبول ومنطقيّ، وبعضها الآخر قد
يكون غريباً. فسعاد (أمّ لطفلتين)، قد اختارت اسم فاطمة دون تردّد لابنتها الكبرى،
تيمّناً بمولاتنا فاطمة الزهراءعليها السلام.
ولعلي (24 عاماً) حكاية مع اسمه، فلشدّة ما هو معجَب به، ومتأثِّر بسيرة مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام، اتّفق مع خطيبته أن تكون أسماء جميع أولادهما الذكور "عليّ"،
مع إضافة لقب لكل واحد، والخيارات عديدة: علي الهادي، علي الرضا، علي الأكبر.. أما
البنات فلا اسم يعلو على اسم مولاتنا فاطمة عليها السلام، وعلى القاعدة نفسها.
وتعبّر فاطمة (أم لطفلين) عن سعادتها في إقناع زوجها، خلال فترة الحمل، بالعدول عن
فكرة تسمية ابنهما الأول على اسم جدِّه، "فالاسم قديم جدّاً ولا يصلح لتسمية طفل"،
وتضيف فاطمة: "اسم محمّد هو أفضل اسم للطفل، وأفضل ما يُكنّى به الأب".
تقول أمّ مجتبى (أمّ لطفلين): "الدافع الوحيد وراء اختياري لاسمَيْ ولدَيّ هو
التأثّر بالشهداء، فخلال فترة حَملي بهما سَقط العديد من الشهداء في الجبهات
المختلفة، وكنت أُعجَب جدّاً بأسمائهم الجهاديّة، فاخترت منها اسمَيْ مجتبى وساجد.
أتمنّى أن يتأثّر ولداي باسميْهما ويسلكا طريق الجهاد والشهادة فيما بعد".
* الاسم رفيق الإنسان
"بما أنّ اسم الإنسان سيكون رفيقاً له طيلة عمره، فهناك اعتبارات عدّة يجب مراعاتها
عند اختيار الاسم للمولود الجديد"، هذا ما قالته السيدة فاطمة نصر الله (مختصة
بالإدارة التربويّة) في لقاء لنا معها حول موضوع "تسمية الطفل"، وتابعت: "الاسم قد
يعطي الإنسان سِمة معيّنة لشخصيّته. لذلك، يجب أنْ يكون مقبولاً ومتعارفاً في
المجتمع، يسهُل لفظه وكتابته".
وتعتبر نصر الله أنّ الحداثة ليست معياراً في اختيار الاسم، والأسماء القديمة ليست
كلّها غير صالحة للتسمية، بل على العكس، فإنّ الكثير من الأسماء الحديثة ليست
مناسبة في مجتمعنا. أمّا أسماء العبوديّة لله تعالى (عبد الله، عبد الرحيم..)،
وأسماء الرسول وأهل بيته عليهم السلام، فهي أسماء متعارفة ومناسبة لأطفالنا؛ لِما
تَحمله من معانٍ جميلة، مضافاً إلى "أنّني أكون بذلك أربّي طفلي على حَمل قِيم صاحب
الاسم، فيتأثر الولد مثلاً بأفعال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأقواله
عندما أسمّيه على اسمه، أو الفتاة مثلاً تتخلّق بأخلاق مولاتنا فاطمة عليها السلام
وعفّتها".
* عدم التأثّر بشخصيّة أو حدث
النقطة الثانية التي يجب أنْ يتنبّه لها الأهل، بحسب نصر الله، هي عدم التأثّر
بشخصيّة تلفزيونيّة أو سياسيّة أو أيّ حدث يحصل خلال الفترة الزمنيّة التي ترافق
ولادة الطفل، كالتأثّر بأبطال لأفلام تلفزيونيّة أو زعماء سياسيّين أو ألقاب معيّنة
أو حتّى أسماء معارك ومناطق (لبنان، قدس، فلسطين..)؛ تأثّراً بلحظة تاريخيّة معيّنة،
دون أنْ يلتفتوا إلى أنّ هذه اللحظات مؤقّتة، بينما الاسم سيرافق الطفل طيلة حياته،
ومع مرور الوقت سيصبح اسمه حينها غريباً وغير مقبول في المجتمع.
أما النقطة الثالثة فهي التأثر بأسماء الأجداد، فكثيرٌ من الآباء والأمهات -تحت
ذريعة برّ الوالدين- يُطلقون على أطفالهم أسماء أجدادهم وجدّاتهم مهما كان الاسم
قديماً أو غريباً. وهنا تُنبّه نصر الله إلى ضرورة الالتفات إلى أنّ الولد يجب أن
لا يحمل وِزر اختيار الأهل لاسم يعرف أنّه لن يناسبه عندما يكبر، أو يكون مدعاة
للسخرية بين أصدقائه.
وتُضيف نصر الله: "يدرُج بين بعض الأهل اليوم تركيب الأسماء بشكل غير منطقي، دون
الالتفات إلى صعوبة لفظ الاسم أو كتابته، أو حتّى صعوبة مناداته به. فالاسم يجب أن
يكون لطيفاً على السمع، وبما أنّ معظم الذين يختارون الأسماء المركّبة لأولادهم
يختارون اسماً واحداً لمناداتهم به فلماذا لا يُكتفى بهذا الاسم؟".
* اسمه من حقّه عليك
أمّا عن علاقة الدين الإسلامي بتسمية الأطفال فيقول فضيلة الشيخ توفيق علوية (مرشد
تربوي) إنّ الفكرة الأساس في ديننا الإسلامي أن يكون الاسم جميلاً وذا معنىً حسن.
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا عليّ: حقُّ الولد على
والده أن يُحسن اسمه وأدبه..."(1). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أول ما ينحل
(يهدي) أحدكم ولده الاسم الحسن، فليُحسن أحدكم اسم ولده". فهذا، إذاً، أحد حقوق
الولد على والده، وهو أوّل وأهمّ هديّة فعليّة يمكن أن يقدّمها الوالدان لابنهما،
لأن الاسم سيلازمه طيلة حياته، فإمّا أن يُسعد به، أو يسبّب له الإحراج.
ويتابع فضيلة الشيخ علوية: "إنّ الاسم قد يعطي منه لصاحبه، فيتّسم المسمى بمعنى
اسمه، ويتأثّر المسمّى بصفات اسمه، فإذا سمّي الولد باسم أحد الأئمة عليهم السلام
مثلاً فيتوقّع أن يتسم بصفات من الإمام، على سبيل المثال كاظم أو جواد أو حسن..".
ويضيف: "ينبغي أن يحمل الاسم معنىً جميلاً يدلّ على صفات حسنة، تبعث على التفاؤل
والسعادة. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم عُرف عنه أنّه كان يبدل الأسماء القبيحة
بالحسنة كي يسعد صاحبها باسمه ويحمل صفات الاسم، خاصّة وأنّ كثيراً من الأسماء
القديمة، في ذلك الزمان، كانت تؤخذ من أسماء الحيوانات أو تحمل صفات الهدم والخشونة".
أمّا أفضل ما يسمّى به الولد من أسماء فهي أسماء العبودية لله تعالى، (عبد الرحيم،
عبد الودود..)، كذلك يحثّ أهل البيت عليهم السلام على تسمية الأطفال بأسماء
الأنبياء والرسول والأئمّة عليهم السلام ؛ لأنّها تحمل معاني حسنة تؤثّر على شخصيّة
صاحبها. ويلفُت فضيلة الشيخ علويّة إلى أنّ بعض الأسماء وإن كانت حسنة إلّا أنّها
لا تصلح في زماننا. وطبعاً يجب الابتعاد عن التسمية بأسماء ناصبي العداء للرسول
وأهل البيت عليهم السلام من أيّ زمان كانوا.
* الاسم تعبير عن الحبّ
وعن مسألة محاسبة الأهل عن أسماء أولادهم، يقول الشيخ علويّة: "تصرّح بعض الروايات
بأن الأهل يُسألون يوم القيامة عن أسماء أولادهم، ففي الرواية: "استحسنوا أسماءكم
فإنكم ستُدعون بها يوم القيامة". ولكنّ الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئل عن
نفع التسمية بأسماء الأئمّة أجاب: "وهل الدين إلّا الحب". ونفهم من قوله أنّ الشخص
إذا كان محبّاً لأهل البيت عليهم السلام فيسمّي بأسمائهم. وهذا معروف عند الناس؛ إذ
يسمّون أطفالهم باسم شخص يحبّونه، من الوالدين أو الأصدقاء أو حتى شخصيّة مشهورة.
طبعاً، لا يوجد إثم شرعاً إن لم يُسمَّ الابن بأسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام،
ولكن هناك استحباب بأن يسمّى الطفل أول سبعة أيام بعد ولادته، باسم "محمد" للذكور.
ويؤكّد الشيخ علويّة في الختام أنّ كلّ من يحمل اسماً جميلاً عليه أن يتّسم
بصفات ذلك الاسم. فمثلاً إنْ كان اسم الشخص "صادق"، عليه أن يكون صادقاً بالفعل
والقول.
1- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص443.