بمَ ينتصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ (1)* أخلاقنا | الكبر الرداء المحرّم (2)* تسابيح جراح | نور إرادتي أقوى من ظلام عينَيّ الشهيد القائد إبراهيم محمّد قبيسي (الحاج أبو موسى) صحة وحياة | كيف نتجاوز ألم الفقد؟ كشكول الأدب تحقيق | الشهادة ميراثٌ عظيم (2) بيئة | حربٌ على الشجر أيضاً عوائل الشهداء: لن يكسرنا الغياب لتكن علاقاتنا الاجتماعيّة مصدر أنس ٍوعافية

الافتتاحية | اترك أثراً طيّباً

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


يروى أنّ رجلاً طاعناً في السنّ، كان يزرع في كلّ يوم ما استطاع من شتول الشجر المثمر، فقيل له: «ما لنا نراك تزرع وكأنّك ستحصد ثمار ما تزرعه؟». فقال: «غَرَس الأجداد فأكلنا، ونغرس فيأكل الأحفاد». وبالفعل، فقد زرع عدداً لا بأس به من الأشجار. وبعد سنين، مات الرجل، فبدأ الناس يجنون ثمار ما زرع، وكلّما جاء موسم القطاف، ذاع ذكرُ الرجل مجدّداً، وكثر الدعاء له بالرحمة.

إنّه الأثر الطيّب الذي لا بدّ من أن يكون سبيل كلّ مؤمن في هذه الحياة، فلا يخرج منها إلّا بذكر طيّب وبعملٍ ينتفع منه الناس بعده. تخيّل أنّ إنساناً أُعطي من الله نعماً لا تُعدّ ولا تُحصى؛ أعطاه العقل، والقدرة البدنيّة والحواس، وأنعم عليه بالرزق والمال والعلم والوقت، وما شاء الله من النعم، ومع كلّ ذلك لم يترك بوجوده أثراً ينتفع منه الناس! بل ربّما قضى عمره في اللهو والفراغ، أو باهتمامه بأمور آنيّة كلذّة هنا أو شهوة عابرة هناك، إنّه لا محالة قد غبن بذلك نفسه. وأشدّ من ذلك قبحاً، أن يترك ما فيه مفسدة للناس، كأولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً، فينشرون ما كان محرّماً لإفساد أخلاق الناس ودينهم، كبيع الخمور ونشر الغناء وغير ذلك.

وفي مقلبٍ آخر، نجد إنساناً بذل قصارى جهده في أن يكون نافعاً، في علم تعلّمه، أو صدقة جارية تصدّق بها، أو سنّة حسنة سرت في الناس حتّى كان لها نفعٌ كبير، فإنّ مثل هذا ممّن يحبّه الله تعالى، ويكون مصداقاً لقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر: 2-3). فالإيمان طبقاً لهذه الآية المباركة، لا بدّ من أن يُقرن بالعمل الصالح، وما أكثر ما يستطيع الإنسان فعله لو أراد.

إنّ الأثر الذي يتركه الإنسان بعد رحيله سيبقى حيّاً ولن يموت بموته، فإن ترك أثراً طيّباً جُوزيَ به خيراً، وإن ترك أثراً سيّئاً كان مآله حسرةً وندماً، ويكون حاله أن يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ (الْمُؤْمِنُونَ: 99-100).

قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ (يس: 12). فما يُكتب لك وعليك في صحيفة عملك، ليس ما فعلته في حياتك فحسب، بل أيضاً آثار ما فعلت، ومن جميل ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له»(1).

أيّها الأحبّة، إنّ أيّام الدنيا قليلة، وهي تنقضي بسرعة مذهلة، والفالح هو من استغلّ أيّام عمره في ما هو أبقى. عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: يومٌ مضى بما فيه فليس بعائد، ويومٌ أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويومٌ لا تدري أنت مِن أهله، ولعلّك راحل فيه»(2).

وقد أجاد الشاعر حيث قال:

دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ

إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي

فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا

فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي
 

(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 2، ص 123.
(2) مستدرك الوسائل، الشيخ النوري، ج 12، ص 149.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع