مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: سيّد البطحاء جدّ الرسول صلى الله عليه وآله


الشيخ تامر حمزة


عبد المطَّلب هو "إبراهيم الثاني" كما كانت تعبِّر عنه قريش، وهو الذي كانت تفسح له مجالس الملوك والرؤساء، وهو الواثق بربِّ البيت حين انتقم من أبرهة، وهو حافر بئر زمزم، وهو الذي سنّ سُنناً أجراها الله فيما بعد، وهو الحصن والملجأ لقريش، وعلى مائدته كانت تشبع الطّيور والوحوش، وهو صاحب الهيبة والسؤدد بلا منازع، كلُّ ذلك لأنَّه آخر حلقة في الأصلاب الشامخة التي انطوى فيها نور النبوَّة والإمامة، ويكفيه فخراً من لدن آدم إلى حين الوقوف بين يديّ الله عزّ وجلّ أنّه الجدّ الأوّل لخاتم الأنبياء أبي الأوصياء عليهم السلام.

* الولادة:
ولد عبد المطَّلب في المدينة(1) ولم يُعرف تاريخ الولادة. وقد اختلف في مدَّة عمره الشريف، منهم من قال إنَّ عمره اثنان وثمانون سنة(2) ومنهم من ذهب إلى أنَّ عمره مئة وعشرون سنة(3) وعلى رواية ثالثة أنَّه بلغ من العمر مئة وأربعين سنة(4).

* أسماؤه ونسبه
اشتهر بعبد المطَّلب لأنَّ أباه هاشماً - وبعد أن تزوَّج من امرأة يثربيَّة اسمها سلمى - قام برحلة تجاريَّة إلى الشام من المدينة فحملها معه إلى دار أهلها وكانت حاملاً به، وفي هذه الحملة أدركه الموت في غزَّة فلسطين ودفن بها، وبعد وفاته وضعت سلمى حملها وتربَّى عبد المطَّلب في دار أخواله بني عدي بن النجار، ثمَّ إن رجلاً من بني الحارث مرّ بيثرب وإذا بغلمان ينتضلون (أي يتفاخرون) فسمع أحدهم يقول ((أنا ابن هاشم بن عبد مناف)) فلما رجع أخبر المطلب بن عبد مناف بذلك فركب من ساعته متوجهاً إلى يثرب حتَّى أتى دار بني عدي فقال للقوم: هذا ابن هاشم، قالوا نعم هذا ابن أخيك، فحمله عائداً به إلى مكة من دون علم أمّه. وعندما كان يُسأل عنه كان يقول: هذا عبدٌ لي فسمِّيَ بعبد المطَّلب(5). كما كان يدعى بشيبة الحمد لكثرة حمد الناس له أو لأنَّه في رأسه شيبة أو تفاؤلاً بأنَّه سيبلغ سنَّ الشيب(6). وله ألقاب منها عامر وسيِّد البطحاء وساقي الحجيج وساقي الغيب وغيث الوادي وأبو السادة العشرة وحافر بئر زمزم (7).

* زوجاته وأولاده
الظاهر من بعض كتب التاريخ أنَّ عبد المطَّلب كان متزوِّجاً من خمس نساء استولد منهنَّ عشرة ذكور وست إناث، الأكبر هو الحارث بن عبد المطَّلب والأصغر عبد الله والد النبيّ، سبعة منهم وهم عبد الله وأبو طالب والزبير والعاتكة وأميمة والبيضاء وبرة من أمٍّ واحدة وهي فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم والسبعة من النساء الأربع الأخريات.

مكانته الاجتماعية:
كانت قريش تقول لعبد المطَّلب "إبراهيم الثاني"(8) ومن خلال ألقابه المتقدِّمة يتَّضح لنا مكانته الاجتماعيَّة وأنَّه صار حصناً وملجأ للناس وقد ساد في قريش سيادةً عظيمةً وذهب بشرفهم ورئاستهم فكان جماع أمرهم عليه وكانت إليه السِّقاية والرفادة بعد المطَّلب، وهو الذي جدَّد حفر زمزم بعدما كانت مطمومة من عهد جُرهم، وهو أوَّل من طلى الكعبة بالذهب في أبوابها من تينك الغزالتين اللتين وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القلعيّة(9) وكان يُقال له الفيّاض(10). وكان يُفرش له في ظلِّ الكعبة فكان لا يجلس على الفراش أحدٌ من بنيه إجلالاً له. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي ويجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخِّرونه فيقول جدُّه عبد المطَّلب: دعوا ابني فيمسح ظهره ويقول: "إنَّ لابني هذا لشأناً"(11).

ديانته:
كان عبد المطَّلب على دين الحنيفيَّة الإبراهيميَّة، ولم يسجد لصنمٍ قط. وكان يصلِّي إلى البيت، فعن أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "ما عبد أبي ولا جدِّي عبد المطَّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلَّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به"(12). وكان مجابَ الدعوة(13) كما يَظهر من مطاوي البحث إن شاء الله. وقد أجرى الإسلام خمس سُنن قد سنَّها عبد المطَّلب في الجاهليَّة، ويدلُّ عليه ما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وآله في وصيَّته لعلي عليه السلام بقوله: "يا علي، إنَّ عبد المطَّلب سن في الجاهلية خمس سُنَنَ أجراها الله له في الإسلام: حرَّم نساء الآباء للأبناء، ووجد كنزاً فأخرج منه الخُمس، ولمَّا حفر زمزم سمَّاها سقاية الحاج وسنَّ في القتل مئة من الإبل ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسَّن فيهم سبعة أشواط(14). وكان ممَّن حرَّم الخمر على نفسه في الجاهليَّة(15).

حفر بئر زمزم:
ذكرنا سالفاً أنَّه كان يُفرش لعبد المطَّلب في ظلِّ الكعبة الشريفة. وذات يوم حال نومه سمع هاتفاً يأمره بحفر بئر زمزم. وتكرَّر الهاتف لمدَّة أربعة أيام. وقد حدَّد له مكان البئر عند الغراب الأعصم عند قرية النمل. وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كلِّ يوم ليلتقط، فلما رأى عبد المطَّلب هذا عرف موضع زمزم فقال لقريش: إنِّي عُبِّرت في أربع ليال في حفر زمزم وهي مأثرتنا وعزّنا فهلمّوا نحفرها، فلم يجيبوه إلى ذلك فأقبل يحفرها هو بنفسه ويُعينه ولده الأوحد الحارث، فلمَّا حفر وبلغ الطوي - طوي إسماعيل - علم أنَّه قد وقع على الماء فكبَّر(16).

* كفالته رسول الله
كان عبد المطَّلب يشعر بأنَّ محمداً صلى الله عليه وآله سيكون له شأنٌ عظيم. وكثيراً ما كان يعبِّر عن شعوره ذاك. هذا إن لم ندّعِ أنَّه كان عارفاً بنبوَّته وكان يقول: إنِّي أرى أنَّه سيأتي عليكم يوم وهو سيِّدكم. إنِّي أرى عزَّته تسود الناس. وكان يحمله على عنقه فيطوف به حول البيت سبعة أشواط(17).

* الوصية الأساس حفظ محمد:
بعث عبد المطَّلب إلى أبي طالب وهو في غمرات الموت ومحمّد على صدره فبكى وقال لأبي طالب: أنظر أن يكون هذا من جسدك بمنزلة كبدك فإنِّي قد تركت بنيَّ كلهم وأوصيتك به لأنَّك من أمِّ أبيه وانصره بلسانك ويدك ومالك. هل قبلت وصيتي؟ فقال: نعم قد قبلت والله على ذلك شهيد. فقال عبد المطَّلب: فمدَّ يدك إليّ فضرب يده على يده. ثمَّ قال عبد المطَّلب: الآن خفَّف عني الموت. ثمَّ لم يزل يقبِّل محمداً صلى الله عليه وآله، ثمَّ مات ولرسول الله ثماني سنوات(18). وقد دفن بالحجون(19). وقد أعظمت قريش موته وغسّل بالماء والسدرة ولفَّ بحلَّتين من حلل اليمن وعليه المسك وحمل على أيدي الرجال عدَّة أيام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب(20).

عبد المطَّلب على أصدق لسان:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنَّ الله يبعث جدّي عبد المطَّلب أمّة واحدة في هيئة الأنبياء وزيِّ الملوك"(21). وعنه صلى الله عليه وآله: "إنَّ الله شفعه في خمسة في البطن الذي حمله والصلب الذي أنزله والحجر الذي كفله والبيت الذي آواه وأنيس له في الجاهلية"(22).


1- شرح الأخبار، القاضي النعمائي، ج3، ص219.
2- البحار، ج15، ص186.
3- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص11.
4- السيرة الحلبية، ج1، ص6.
5- تاريخ الطبري، ج2، ص8، 9.
6- السيرة الحلبية، ج1، ص6.
7- كشف الغطاء، ج2، ص362.
8- شرح الأخبار، القاضي النعماني المغربي، هامش، مجلد3، ص219، 220.
9- السيرة النبوية، ابن كثير،ج1، ص184.
10- السيرة الحلبية، ج1، ص6.
11- إكمال الدين، الصدوق، ص169.
12- المصدر نفسه.
13- السيرة الحلبية، مجلد1، ص6.
14- الخصال، الصدوق، 244، وبحار الأنوار، المجلسي، ج96، ص243.
15- السيرة الحلبية، ج1، ص6.
16- جامع أحاديث الشيعة، ج1، ص37، 38.
17- موسوعة التاريخ الإسلامي، ج1، ص284.
18- تاريخ اليعقوبي، 1، ص282 وموسوعة التاريخ، ج1، ص285 وسيرة ابن هشام ج1، ص187وتهذيب السيرة، ص41.
19- بحار الأنوار، ج15، ص156وأصول الكافي، ج، ص439.
20- عيون الأثر وتاريخ اليعقوبي ج2، ص12.
21- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص13 والكافي، ج1، ص446.
22- الخصال، الصدوق، ج1، ص29.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع