الشيخ موسى خشاب
وردت عدة فتاوى متعلقة بالطفل المميز في عدة مواضيع, منها
ما هو متعلق بصحة الأفعال العبادية الصادرة عنه أو عدم صحتها, ومنها في موضوع قبول
شهادته وعدمها, ومنها الفتاوى التي كثيراً ما تقع مورد ابتلاء والمتعلقة بموضوع
النظر والستر. وقد اختلفت الأحكام بالنسبة للطفل في مراحله المختلفة, قبل أن يكون
مميزاً وبعد أن يصبح مميزاً إلى وقت البلوغ. ونحن في هذه المقالة نبيّن هذه الأحكام,
ثم نحاول أن نعرف السن التي يصبح فيها الطفل مميزاً, حتى نتعامل مع كل مرحلة من هذه
المراحل تعاملاً صحيحاً. يمر الصبي بمرحلتين أساسيتين:
1. مرحلة ما قبل التمييز إلى أن يصبح مميزاً.
2. مرحلة التمييز إلى أن يصبح بالغاً.
* ما هو المقصود من التمييز؟
من المهم جداً أن نعرف الأمور التي إذا تحقّقت ينتقل الصبي عندها من مرحلة عدم
التمييز إلى مرحلة التمييز, فكيف يصبح الطفل مميزاً؟ وهل هناك سن معينة يتحقق بها
التمييز؟ وفي أي عمر يتحقق هذا الأمر؟ قبل الإجابة عن هذه الأسئلة من المهم أن نعرف
الفائدة المترتبة على معرفة هذا الأمر وهي تتلخص بالأمرين التاليين (طبعاً فيما يخصّ
أحكام النظر، وإلا فإن هناك فوائد أخرى في سائر الأحكام):
1. معرفة السن التي يحرم فيها النظر إلى عورة الطفل ولو دون تلذذ وريبة.
2. معرفة متى يجب الستر ويحرم النظر إلى ما عدا العورة عن الطفل المميز الذي لديه
إمكانية ثوران الشهوة.
بعد هذا التفصيل، يبقى أن نحدّد معنى أن يكون الصبي
مميّزاً، ومتى يتحقق هذا الأمر، والمسألة لا تخلو من نوع من الإبهام، وليست كمسألة
البلوغ الذي - وإن كان يمكن أن يتحقق في أعمار مختلفة - له علامات واضحة وجلية،
وهذا بخلاف موضوع تحديد عمر التمييز لأنه لا توجد علامات جسدية أو عمرية كما هو
الحال في البلوغ، ولكن، وردت بعض العلامات التي تساعد على تحديد المميز من غيره
وذلك في كتب الاستفتاءات الشرعية:
1. كيف نميز الصبي المميّز من غيره؟
الجواب: الصبي إذا ميّز الحسن من القبيح، وفَهِمَ ما يفهمه الكبار، فهو مميز، والله
العالم(1).
2. جاء في بعض الأحكام للصبي المميز بأنه الصبي الذي يميز الحسن من القبيح، فما هو
المراد من الحسن والقبيح؟ وما هي سن التمييز؟
الجواب: المراد من الحسن والقبيح هو ما يكون كذلك بنظر العرف، مع ملاحظة ظروف حياة
الصبي والعادات والآداب والتقاليد المحلية. وأما سن التمييز، فهي مختلفة تبعاً
لاختلاف الأشخاص في الاستعداد والإدراك والذكاء(2).
3. وأيضاً يسوغ لكل من الذَّكر والأنثى أن يغسل الطفل غير المميز، حتى ولو تجاوز
عمره ثلاث سنين صبياً كان أم صبية، ونريد بغير المميز هنا من لم يبلغ السن التي
يحتشم فيها(3).
4. ما هو ضابط الصبي المميز في مسألة جواز النظر إلى عورته، وجواز نظره إلى عورة
الغير؟
الجواب: المراد بالمميز الذي يتأثر من النظر إلى العورة أو النظر إلى عورته لو
التفت وتتحرك غريزته نسبيّاً(4).
5. والطفل المميز الذي يفهم الحسن والقبيح(5).
6. هل هناك سن محددة للطفل المميز؟
الجواب: يعتبر الطفل مميزاً إذا أكمل ست سنوات، والله العالم(6).
7. المعيار في التمييز كون الشخص ممن يقبح التكشف أمامه عرفاً، لكونه ممن يدرك قبح
العورة(7).
خلاصة ما مر:
يمكن أن نلخص ما مرّ بأمرين:
1. الصفة التي على أساسها يعتبر الصبي مميزاً.
2. العمر الذي تتحقق فيه هذه الصفة ولو في الغالب.
أما بالنسبة للأمر الأوّل: فإن الصفة الأساسية التي ذُكرت فيما مرّ هي أن يكون
الصبي قادراً على تمييز الحسن من القبيح، فهو يعتبر القبيح قبيحاً، ومثاله كشف
العورة، فإن كشف العورة يعتبر قبيحاً فإذا عرف الصبي هذا الأمر كما يعرفه الكبار
أصبح مميزاً وجرت عليه الأحكام المتعلقة به. وقد خصص البعض موضوع تمييز الحسن من
القبيح في موضوع العورة، فذكروا أنه إذا أصبح يحتشم من الناس بسبب إدراكه لقبح عدم
الاحتشام أصبح عندها مميزاً، وقد يكون اعتبار كشف العورة أمراً قبيحاً، مقدمة لتحرك
ولو نسبي للغريزة عند الصبي. وأما بالنسبة للأمر الثاني: - وهو العمر الذي تتحقق
فيه هذه العلامة - فقد ذكر البعض ست سنوات، وذكر آخر سبع سنوات، وذكر ثالث أنه لا
يوجد عمر محدد، فقد يكون صبي ما مميزاً في عمر ست سنوات وآخر في عمر سبع سنوات...
هذا من جهة الحد الأدنى للتمييز.
أما من جهة الحد الأقصى، أي السن التي يستبعد فيها
أن لا يكون الصبي دخل في سن التمييز، فإن المُراجع لآراء الفقهاء بشكل عام يشعر أن
هناك جواً عاماً يتجه لاعتبار الصبي الذي بلغ سبع سنوات، والبنت التي بلغت ست سنين
مميِّزيَن. وقد يُستأنس بما ورد في الرواية التي أكّدت ترك الولد يلعب سبع سنوات ثم
البدء بتأديبه عندما يتمّ سن السابعة، ففي الرواية، قال الصادق(عليه السلام): "دع
ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدَّب سبع سنين وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلا فإنه
ممن لا خير فيه"(8).
النتيجة
والنتيجة هي أن العلامة الأساسية التي يعتبر على أساسها الطفل مميزاً هي تمييزه
الحسن من القبيح، خصوصاً تمييزه أنّ كشف العورة يعتبر أمراً قبيحاً, وهذا الأمر
يتحقق عادة عند الصبي في السابعة من عمره، وعند البنت في السادسة من عمرها. وقد
يتحقق التمييز قبل هذا العمر، ومن النادر أن يتحقق بعد هذا العمر، فيكون تحديد سبع
سنوات للذكر وست سنوات للأنثى من باب الفرد الغالب.
(1) إرشاد السائل – السيد الكلبايكاني – 128.
(2) أجوبة الاستفتاءات، الإمام علي الخامنئي، ج2، ص299-300.
(3) الفتاوى الواضحة- السيد محمد باقر الصدر – ص172.
(4) استفتاءات – السيد السستاني – ص125-126.
(5) الأحكام الشرعية – الشيخ المنتظري – ص16.
(6) صراط النجاة – الميرزا جواد التبريزي – ج3، ص404.
(7) منهاج الصالحين – السيد محمد سعيد الحكيم – ج1، ص22.
(8) من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج3، ص492.