مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

البيئة في لبنان: صراع الأرض وذويها

حوار مع الناشط البيئي حبيب معلوف

حوار: منهال الأمين


إذا طرقت باب "البيئة في لبنان"، وضعتَ يدك على ألف جرح وجرح، تبدأ من سهوله وجباله وغاباته وشطآنه، مروراً ببحره وكل ما يجري فيه من مياه، على سطح الأرض أو في داخلها من مياه جوفية، ولا تنتهي بالهواء المتصاعد إلى السماء أو الداخل إلى رئة كل واحد منا محمَّلاً بأصناف التلوث والأمراض القاتلة. إن هذا غيض من فيض الملفات العالقة، والتي لم توضع لها أية حلول، كالكسّارات والمرامل والمقالع، الماضية قضماً بالمساحات الجبلية، وتلويثاً للطبيعة ومجاري الأنهار، دون حسيب أو رقيب. وتحكم هذه الملفات تجاذبات السياسة والمحسوبيات والفئوية التي تنخر عظم البلد من أوله إلى آخره، ومن الطبيعي أن يكون الملف البيئي أحد ضحاياه، طالما أن كل شيء محكوم لهذه المعايير الهدّامة.

* المشكلة البيئية العامة:
يلخص الناشط البيئي حبيب معلوف المشكلة البيئية العامة في لبنان بكلمتين:غياب الاستراتيجيا في العمل. وهذا ينسحب على:
- طرق الانتاج والاستهلاك. وتندرج في هذا السياق السياسة الزراعية المتبعة، فلا رقابة تُذكر على الإنتاج، ولا مراعاة للفاصل الزمني الضروري بين وقت الانتاج ووقت الاستهلاك. وكذلك، الأدوية والأسمدة الزراعية، من خلال الاستخدام العشوائي لها.
- عدم وجود مخطط توجيهي لترتيب الأراضي، والفوضى التي سمحت بتداخل الأماكن السكنية بالأماكن الصناعية، فلم يعد هناك أماكن مصنفة.
- أساليب العمران وشقُّ الطرقات.
- التشويه الذي تتسبب به المقالع والكسارات. فالاحصاءات تشير إلى أن هناك أربعة آلاف وخمسمئة هكتار من الأراضي مشوّهة بالمقالع والكسارات فضلاً عن المرامل.
- تلوّث المياه الجوفية من علو 800 متر ونزولاً، من خلال تلوث مياه الينابيع والأنهار بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية.
- النفايات الصناعية والمنزلية، السائلة منها والصلبة.
- مكبّات النفايات.
- تلوّث الهواء: إذ إن 70% من مصادر تلوّث الهواء ناجمة عن قطاع النقل.

* ملوثات قطاع النقل:
إن استعمال الوقود ينتج عنه ملوثات على الشكل التالي:
1- استخدام البنزين ينتج عنه 8 ملوثات (تقلصت إلى 7 مع منع استعمال البنزين غير الخالي من الرصاص).
2- استخدام المازوت ينتج عنه 7 ملوثات.
إلا أن هذا الأخير تنجم عنه مضار إضافية على صحة الإنسان، فهذه المادة كلما "فُلترت" كلما تقلص حجم جزيئاتها الدقيقة، مما يسهل اختراقها للرئتين وتتسبب بمشاكل صحية لا حصر لها. وعلى الرغم من أنه تم وضع خطة لقطاع النقل، إلا أنها لم تشمل إلا النقل العام دون غيره. ويشدد معلوف على أن "المعاينة الميكانيكية وحدها لا تكفي، دون تطبيق قانون السير بشكل دقيق وحازم". وينتقد في هذا الإطار الاهتمام بإحصاء ضحايا حوادث السير الطُّرقية، دون الالتفات إلى أعداد ضحايا التلوث البيئي الناجم عن الانبعاثات الغازية التي تصدر عن وسائل النقل، وهؤلاء الضحايا هم مرضى السرطان وأمراض الرئة والصدر والجهاز التنفسي، مع العلم أن أعدادهم تفوق بكثير أولئك الذين يسقطون نتيجة حوادث السير.  والخطير أن هذه المشاكل تتحكم بالواقع البيئي في لبنان، ومن الصعب التراجع عنها وإصلاح ما أفسدته على مدى عقود من الزمن.

* الإصلاح الجذري هو الحل:
وفي الأمس القريب وجدنا أن الحرائق أشعلت لبنان كله، وقضت على جزء كبير من ثروته الحرجية. ولكن، لم يكن هذا محفزاً للجهات المختصة لكي تنتهج سياسة إصلاح جذرية، بل أطلقت حملة لاستجلاب طائرات خاصة لإطفاء الحرائق، بلغت كلفتها حوالي 15 مليون دولار. ولم توفر وزارة الداخلية في هذه الحملة حتى جمع التبرعات، بشكل أصبح الأمر معه "قضية وطنية" بامتياز. ولكن، لم يكن هذا الحل الأنجع، برأي معلوف، الذي يجزم بأن وضع خطة متكاملة لحماية الأحراش والغابات هي الطريقة الفضلى والأقل تكلفة لمنع الحرائق "إذ إن أي حريق تُكتشف بدايته فمن السهل جداً القضاء عليه". لذا، "فمن الضروري تعزيز عديدِ وعُدَّةِ حرس الأحراش لكي يصبحوا أكثر فاعلية". وكذلك، فإن الاعتماد على "الدفاع المدني" لإطفاء هذه الحرائق الحرجية هو خروج على مهمة هذا الجهاز وتحميله ما لا يحتمل، وهو المنوط به اطفاء الحرائق في الأماكن السكنية أو الصناعية على أبعد تقدير، أي إنه أساساً غير مجهز لهذه المهمة. ويفترض معلوف أن تأمين حراسة حقيقية للأحراش والغابات له تأثير إيجابي يضاف إلى منع تمدد الحرائق، ويتمثل في توفير كميات المياه المستخدمة لهذا الغرض، خصوصاً وأن ايصال المياه إلى تلك المناطق عادة ما يكون متعسّراً "فالحريق بعد 5 دقائق من بدئه سيتطلب ولو افتراضاً - دلواً من الماء. أما بعد 10 دقائق فإنه يحتاج خزاناً صغيراً... وهكذا إلى أن يخرج عن السيطرة أحياناً كثيرة، وهو ما حصل في الحرائق الأخيرة". كذلك يرى معلوف أنه كان الأجدى استثمار ما تكلفته الدولة لشراء هذه الطائرات الخاصة لاطفاء الحرائق" في حملة وطنية شاملة، تشمل الشباب اللبناني، وخصوصاً في فصل الصيف ، موسم العطل، كي ندرّب هذا النشء الطالع على أن حماية البيئة وخصوصاً الثروة الحرجية هو مسؤولية الجميع، وهذا يساهم في تعميم الثقافة البيئية".

* "الكسارات" شرٌ لا بد منه:
ولكن هذه الأحراش والمحميات الطبيعية وحتى الجبال الجرداء التي تميز الطبيعة اللبنانية لم تسلم من "الشر" المتربص بها، ألا وهو الكسارات والمقالع والمرامل، والتي حتى اليوم ليس هناك من مخطط توجيهي ينظّم عملها، بل الفوضى ثم الفوضى ثم الفوضى. ويسهب معلوف في شرح ما ينبغي أن يتوفر من شروط فنية في أي مخطط توجيهي للكسارات والمرامل، فهو يرى أنه يقتضي العمل على محورين أساسيين: الأماكن وقانون التنظيم. فعلى مستوى الأماكن، هناك مشاعات واسعة للدولة (29 ألف عقار في البقاع لوحده)، تُضاف إليها أملاك مصرف لبنان على معظم الأراضي اللبنانية ، فلتكن الدولة إذاً هي المستفيد الأكبر من عمل هذه الكسارات "التي هي شر لا بد منه". وبدلاً من تحكُّم السماسرة وهيمنة القوى السياسية على هذا القطاع بشكل متوحش، تتأمن لخزينة الدولة مداخيل إضافية. ويصف معلوف هذا القطاع بأنه "الذهب الأبيض" في لبنان، والذي ينبغي استخراجه مع مراعاة عدم التشويه وعدم الفوضى في توزيع الرخص الاستثمارية ووضع شروط صارمة لنيل الرخصة، ومكافحة قضم المساحات الجبلية الذي استفحل في ظل غياب أي قانون ينظم هذا القطاع. كذلك، يصف المُهَلَ الإدارية التي تصدر عن الحكومات المتعاقبة من حين لآخر بأنها "احتيال على القانون"، لم تزد الأمور إلا تعقيداً.

* معالجة النفايات مشكلة متفاقمة:
وبالانتقال إلى ملف حيوي جداً ويطاول حياتنا اليومية، وهو موضوع معالجة النفايات المنزلية وغيرها من نفايات صناعية وزراعية وحيوانية و... فإن معلوف يضع تصوراً علمياً عملياً ليس من اختراعه بطبيعة الحال - لحل هذه المسألة، متحفظاً على اعتماد المطامر كحل لهذه المشكلة. ويكشف أن الحكومة اللبنانية اعتمدت هذه الآلية نتيجة اقتناعها بأنها الوسيلة الأقل تكلفة، دون الالتفات إلى المخاطر البيئية الناجمة عن هذه المطامر، لناحية التأثير على التربة بالدرجة الأولى، وفي مراحل متقدمة على المياه الجوفية. ويشير إلى أنه في الخطة البيئية التي وضعت في العام 1997، ولم يطبق منها شيء حتى الآن ما جعلها تتجزّأ إلى خطط طوارئ غير مجدية، فقد أُقر انشاء خمسة عشر مطمراً، في مختلف المناطق، ولكن هذا الأمر لم يجد طريقه نحو التطبيق، لأنه مرفوض شعبياً، فلا أحد يقبل بأن "تحتضن" منطقته مثل هذه البؤر الموبوءة، وهو الأمر الذي دفع نحو التفكير بتقسيم لبنان إلى أربع محافظات "بيئياً"، على أن يُنشأ في كل محافظة معمل لفرز النفايات. ولكن للفرز قصة أخرى، إذ إن الخطة الطارئة التي وضعت في العام 97، تضمنت خطة لمعالجة النفايات بطرق علمية صحيحة، ولكن انتهت الأمور إلى أن تتحول المعامل إلى مكبات تحرق فيها النفايات بشكل يومي، وتتسبب بمشاكل بيئية آخذة في التفاقم. وبحسب معلوف، فإن هناك حوالي أربعة آلاف طن من النفايات ينتجها لبنان يومياً، أكثر من نصفها، حوالي 2200 طن في بيروت وجبل لبنان لوحدهما. والحل العلمي العملي الذي يقترحه يقضي بتخفيض انتاج النفايات في لبنان، وذلك من خلال تشريع قوانين واتخاذ قرارات ضريبية تطاول تلك البضائع والمنتجات غير القابلة للمعالجة بشكل سريع، والتي لا تتحول بسرعة إلى نفايات وتتطلب وقتاً طويلاً حتى تتحلل وتصير جزءاً من التربة. وفي ذلك كما يتصور معلوف دَفْعٌ باتجاه تغيير المنتِج لطبيعة منتَجَه حتى يتناسب والسياسة البيئية المناسبة لنا، ووضع حدٍّ لسياسة الانجرار وراء السوق ومتطلباته دون التبصُّر والتأمُّل في تداعيات ذلك وتأثيراته على مستقبل الوطن والمواطنين.

حبيب معلوف، هو محرر صفحة البيئة في جريدة السفير اللبنانية، ومؤسس حزب البيئة منذ سنوات خلت. بدأ "نضاله" في هذا المضمار في العام 1985، حين أطلق اعتراضه على إحدى الكسارات غير الشرعية التي كانت تنهش جبال منطقته في المتن الأعلى. ومنذ ذلك الحين، وهو ينشط في هذا العالم "يصرخ في الهواء" كما يقال لأنه "كنت أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي". ينتقد بشدة تخلي الدولة عن مسؤولياتها في الحفاظ على البيئة والاضطلاع بدور أساسي في هذه القضية الحساسة على مستوى استمرار الوطن بناسه وترابه ومائه وأجوائه. ويسأل "هل من المعقول أن تفوض الدولة مسؤولياتها إلى الجمعيات الأهلية؟". ويشير إلى أن إحدى هذه الجمعيات "أُوكل" إليها أحد الملفات المتعلقة بإحدى الوزارات المعنية، باعتماد يصل إلى 5 ملايين دولار!. ولكن معلوف لا يغفل عن دور هذه الجمعيات وكل مؤسسات المجتمع المدني في التعويض عن غياب السياسة الحكومية في مجمل الملفات البيئية"، إلا أن ذلك لا يعني أن تقف الدولة تراقب عن بعيد أو تنظر وكأنها لا ترى فلا تبادر إلى تطبيق سياسة جدية في معالجة كل ملف على حدة".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع