مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مكافحة عمل الأطفال! درهم الوقاية قبل قنطار العلاج...

ولاء إبراهيم حمود



لأنهم حاضرنا الجميل؛ ومستقبلنا المرجو أكثر جمالاً، لأنهم أكبادنا تمشي على الأرض، نرفض بأحاسيسنا المسؤولة لا الحالمة، أن يمشوا على أرض وعرة وشارعٍ قذر، يجرجرون عليه أحلاماً كسيحة عاجزةً، ويتركون على إسفلته الأسود سواد طفولةٍ مهشمةٍ بين مطرقةِ الفقر وسندان الإهمال الحكومي.. لذلك، تداعت جهودٌ خيِّرة، أراد أصحابها حماية أطفالنا الذين يتسرَّبون من ملاعب طفولتهم ومدارسهم وصفوفهم، ولا يستطيعون الانسجام في برامج علمية مكثفة، وعملية كالتي يقدِّمها التعليم المهني.


* عمل الأطفال عبر التدريب المعجّل:
برزت فكرة التدريب المعجل التي تقدم للطفل دورة تدريبية حِرفية لا تتجاوز السنة، ينطلق بعدها إلى العمل متسلحاً بمهارات وحقوق وشهادة تحميه من جور رب العمل وظلمة الشارع.. ولكن، ما يدرك جله لا يترك كله. ففي هذا التدريب مأزقٌ آخر، أظهرته في حديثها د. نزهة شليطة، هو التدريب على بعض الأعمال الخطيرة التي تعيق نمو الطفل، وتؤذي صحته. وإن كان هذا التدريب في جوانب أخرى يقدِّم للطفل فرصاً ما كان يمتلكها لو انطلق إلى سوق العمل وسلاحه الوحيد إحساسه بالحاجة إلى العمل في سن مبكرة، لذلك، نشأت وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل، للعمل على تجنب تسرُّب الأطفال من مدارسهم، وفي أقل تعديل على ضمان حقوقه وترشيد عمله، إن كان لا بدَّ مما ليس منه بدٌّ. وقد أثبتت تجربة مكافحة عمل الأطفال عبر التدريب المعجل نجاحها الذي عرضه لنا مدير مركز الإمداد المهني للتدريب المعجّل. والتفاصيل في الأوراق التالية:

* وحدة مكافحة عمل الأطفال، مهام وإنجازات:
تحدَّثت د. نزهة شلِّيطة (رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل) مطوَّلاً عن تاريخ إنشاء هذه الوحدة، ومهامِّها وأهم إنجازاتها. فمنذ إنشائها عام 2001 ممثلةً بوزارة العمل عن الحكومة اللبنانية، وتوقيعها عدة اتفاقيات تهدف إلى تعزيز قدرات الحكومة على مكافحة أسوأ أنواع عمل الأطفال، ارتكزت على مبدأين أساسيين، هما: التنسيق عبر الوحدة مع جميع المؤسَّسات العاملة في لبنان من مجتمع مدني وجمعيات أهلية.. لتعديل التشريعات الوطنية لتنسجم مع اتفاقيات العمل الدولية، ثانياً: العمل على تعزيز قدرة وزارة العمل من خلال تدريب مفتشي الوزارة على كيفية سحب الأطفال من أماكن أسوأ أنواع أعمالهم. وقد أنشئت الوحدة بدعم مادي من منظمة العمل الدولية، وانقسم العمل فيها إلى مرحلتين: الأولى موِّلت من الحكومة الفرنسية، والثانية من وزارة العمل التركية، أما المرحلة الثالثة فما زالت مشروعاً قيد الدرس في مكتب وزير العمل، وهي مموَّلة من الحكومة الايطالية.

* حماية أطفالنا التزام أمام أنفسنا أولاً:
في المرحلة الأولى، تشكل فريق إشرافي يكافح عمل الأطفال، وقد شُكل بمرسوم وزاري رقم 15559، ليليه مرسوم وزاري آخر وقعه الرئيس لحود أيام الوزير طراد حمادة (كانون الأول 2005)، وهي لجنة تضم ممثلين عن وزارات الشؤون الاجتماعية، والصحة، والداخلية، والتربية، والصناعة، وقوى الأمن الداخلي، والضمان الاجتماعي، والمجلس الأعلى للطفولة. ولكل دوره المفيد حسب اختصاصه. وهي تجتمع دورياً مرة في الشهر، وترفع تقريرها السنوي لمجلس الوزراء. وقد عملت على تعديل سن الاستخدام من 8 سنوات لسن 13 انسجاماً مع اتفاقية العمل الدولية 138 الصادرة عام 96 و99، وقد صدر المرسوم رقم 700 الذي يحظر استخدام الأحداث (الصغار) قبل إتمامهم السابعة عشرة في الأعمال التي تشكل خطراً على نمو الطفل وأخلاقياته، وقد صادق لبنان على الاتفاقيات: 182 183 188 في 2001 2002. وبذلك، بات ملزماً بتطبيقها. ومن خلال كل ما تقدم، ترى د. شليطة: أنه التزام أمام أنفسنا وأمام أطفالنا ومستقبلهم، قبل أن يكون التزاماً أمام جهاتٍ دولية. وبذلك، تمَّ التصديق على الاتفاقية رقم 182 بموجب القانون 335 بتاريخ 2 آب 2001. والاتفاقية 183 بتاريخ 5/6/2002 بموجب القانون رقم 400. وقد حدَّدت هاتان الاتفاقيتان سن الاستخدام، وعدَّدت أسوأ أنواع عمل الأطفال، وقسمتها في أشكال: مشروطة، وأخرى غير مشروطة، وهي واردة في المادة (3) للاتفاقية، (أ ب ج) هي أعمال غير مشروطة، كاستخدام الطفل باتجار المخدرات، وأعمال إباحية، ودمجه في نزاعات مسلحة، بيعه لعمل جبري وهي مرفوضة بشكلٍ غير مشروط، بدون تعديل، غير قابلة للنقاش أو للحذف.

* دور الوحدة في التعريف ونشر الوعي:
وفي البند "د"، أعطت الدولة دور تحديد الأعمال وخطورتها، تحت وارد التوصية رقم 190، وهي لا تملك قوة الاتفاقية لكنها تعتبر دليلاً إرشادياً تطبيقياً لها، وقد أولت اهتماماً خاصاً بالفتيات، وقد اعتبرت هذه الاتفاقيات الطفل من سن صغره إلى نهاية عامه الثامن عشر، وأصرت على ضرورة اتخاذ تدابير فورية، تسمح لمفتشي الوزارة بالدخول إلى أماكن العمل، الورش والمصانع المخبأة. وبذلك، يكون دور الوحدة مزدوجاً متشعباً مع الطفل وذويه وصاحب عمله والجمعيات الأهلية. وقد عملت الوحدة على التعريف بالاتفاقيات الدولية، ونشر الوعي بحقوق الطفل، وعلى تطوير استراتيجيات وخطة العمل الوطنية، ولها دور أساسي في وضع الخطط، ودراسة خطط أخرى تعرض عليها، لأنها تختار ما يتلاءم مع الوضع السياسي والأمني للبلد.

* الوحدة تساعد كل موجود على الأراضي اللبنانية
لم ترتبط الوحدة يوماً بطائفة معينة، ومشروعها يشمل جميع الطوائف، والمناطق المحتاجة، (مشروع النبطية، الشمال، الضواحي). وتضيف د. شليطة: طُلبَ منا يوماً أن نرفع للمنظمة طلب مشروع لمساعدة الأطفال في الشمال، فرفضنا كوزارة وكوحدة، لأننا نطلب لكل لبنان، لا لمنطقة واحدة فيه. وُجدنا أساساً لمساعدة المرأة والشيخ والمعوق، فضلاً عن الأطفال، ونساعد السوري والفلسطيني والعراقي الموجود على الأراضي اللبنانية. والوزير الحاج محمد فنيش يمتلك شفافية كبرى في التعاطي مع المحتاجين كافةً. وقد أنجزنا حتى الآن ثلاث دورات تدريب لسحب الأطفال من الشوارع، وتعديل قوانين عديدة، وأنجزنا دراسة للمهن الخطرة. وينتظر إذن الوزير لنشرها بهدف تعديل المرسوم رقم 700، لأن بعض التدريب المهني وبعض الاختصاصات في بعض المؤسسات الحكومية تدرب على أسوأ أنواع عمل الأطفال، دون أن يعوا خطورتها عليهم، مثل: ميكانيك السيارات، الكهرباء، النجارة. علينا تأمين مهنة لائقة وبقدراته ومهاراته كطفل مضطر، لا كرجل قبل أوانه، فضلاً عن سعينا لإعادته إلى مدرسته أولاً.

* مؤسسات ناشطة وفاعلة:
تذكر د.شليطة أسماء مؤسسات ناشطة في هذا المجال مثل: كاريتاس ومؤسسة رينيه معوض التي طرحت مشروع بدائل لعمل الأطفال من خلال تعليم الخدمات المستدامة. وقد أخذت رسالة دعم من وزارة العمل والتربية عام 2004 2005، وقد أخذت حينها أربعة ملايين دولار، كان تمويلها من وزارة العمل الأميركية، وهي مخصصة فقط للتعليم والتدريب المهني المعجل، وقد أُبعدنا عن الإشراف على المشروع لأسباب سياسية. وقد حددت بالتوازي مع منظمة العمل موعد إعلان استراتيجية وطنية للقضاء على عمل الأطفال، تحدد مناطق وجود أطفال عاملين وتوزيعهم المهني والعمري والجنسي، وقد أعلنا هذه الاستراتيجية عام 2005. ولو امتلكنا قدرات مادية أكبر، لدخلنا إلى كل بيت ومنطقة. والآن، نستقبل في الوحدة أطفالاً ذوي شكاوى وطلاب أبحاث، وقد أنشأنا موقعاً الكترونياً لأن وحدتنا ما زالت مشروعاً للوزارة، لم تدخل بعد في الهيكلية الوزارية. لقد أنشأنا قاعدة بيانات (Data Base)، وهي ستصبح مصدراً هاماً للمعلومات حول موضوع مكافحة عمل الأطفال، مثل العمل في البويا والدهان. ثمة أعمال لائقة مثل التزيين النسائي جمع كمبيوتر تعليم الفتيات الخياطة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقاليد وأعراف كل منطقة، وقد اعتبرنا أن استغلال الفتيات في أعمال مشينة هو من أسوأ أنواع عمل الأطفال.

* المرحلة الثالثة تأهيل لحياة أفضل:
أعلنت د. نزهة شليطة استعداد الوحدة لفتح قنوات حوارية مع جميع الوزارات لإتمام المرحلة الثالثة من مشروع سحب الفتيات من الأماكن الخطرة وتأهيلهن لحياةٍ أفضل، شرط توفر المناخ العام سياسياً وإدارياً. وقد وزعت المسؤولية في ذلك مع وزارة العمل على وزارة الشؤون من خلال تنظيم الأسرة، حيث يجب أن تبدأ حماية الطفل من التسرب إلى الشوارع وإبقاؤه في المدرسة، وكذلك مركز الخدمات الإنمائية الشاملة. وقد نوَّهت د. شليطة بجمعية الإمداد الخيرية التي واكبت المشروع في بداياته وكانت متعاونة لأقصى الدرجات، وقد اعتبرتها من الجمعيات التي تسعى لخدمة الطفل قبل خروجه إلى الشارع، وتسعى لحمايته إذا ما اضطر إلى ذلك. وأعلنت أن لجمعية الإمداد مصداقية بالتعاطي الإنساني مع كل أطفال لبنان.

* للإعلام دور فاعل أيضاً:
وختتمت د. شليطة بإعلان قلّةِ ما أنجز قياساً للطموح. وتوجهت إلى الإعلام بالتحية ولمجلة "بقية الله" لمبادرتها وسبقها إلى تسليط الضوء على هذا الموضوع، وأكدت على أهمية الدور الإعلامي في مشروع مكافحة عمل الأطفال، حيث يكون الإعلام جسراً وكاميرا للوصول إلى الأطفال العاملين، للاطلاع عن كثب على ظروفهم ومحاولة تحسينها، إنقاذاً لبراءة الطفولة المحرومة من براثن مستقبلٍ غامضٍ مجهول.

* رأي مدير مركز الإمداد للتعليم المهني:
يرى مدير مركز الإمداد للتعليم المهني المهندس الحاج محمد ترمس أن التدريب المعجَّل هو مشروعٌ ممتاز، ولكنه يواجه المشكلة ذاتها التي يواجهها التعليم المهني التي تكمن في عدم متابعة الأهل شؤون أولادهم، فنضطر لبذل جهدٍ أكبر لاستيعابهم. ثمة قسم كبير يتابع الدورات ويتخرجون ونعمل لتأمين عمل لهم عبر الأساتذة الذين يدربونهم، وعبر جمعية الإمداد. يلاحظ الحاج محمد ترمس أن الكثيرين ممن تخرجوا من دورات التدريب المعجل أصبحوا ذوي شركات خاصة بهم بعد دخولهم المؤهل لسوق العمل، وهم يزورون المعهد ويتعاونون معه، بتوظيف سواهم، وحتى إذا صادفتهم أية صعوبة في سوق العمل يلجأون إلى من دربهم. يذكر الحاج ترمس على سبيل المثال شركة Bleu – ligne الخط الأزرق - شركة للتكييف والتبريد، وقد أنشأها طالبان من المعهد مع الأستاذ محمد ناصر الدين، الذي يدربهما، وهما يتابعان أعمالهما على خير ما يرام. يعلن الحاج ترمس أن المعهد يخرِّج من 70% إلى 120% في جميع الاختصاصات، ويعتبر أن الجزء الأكبر من المسؤولية التي توصلنا إلى الناس المتسرِّبين تقع على الدولة اللبنانية، بسبب عدم تطبيق القوانين الدولية وغياب إلزامية التعليم الأساسي المجاني في لبنان.

* تدريب معجل لذوي الاحتياجات الخاصة:
ويضيف المهندس ترمس أن التدريب المهني المعجل هو للذكور الأصحاء فقط دون الإناث في المعهد، بسبب عدم وجود إمكانية سابقة، ويعلن أن السنة القادمة موعدٌ ممكن للبدء بدورات خاصة للإناث، لكن جمعية الإمداد تعتمد التدريب المعجل لذوي الاحتياجات الخاصة للذكور والإناث في مراكز تأهيل تابعة للإمداد، في بعلبك والهرمل والنبطية وتحويطة الغدير، وهو تدريب مجاني ولا يتقاضى المركز أي بدل من الطلاب وضمن عقد موقع مع المؤسسة الوطنية للاستخدام، يخوّلها الإشراف على الامتحانات وإصدار النتائج بشهادات رسمية تابعة لوزارة العمل. يلتزم برنامج التدريب المعجل في جمعية الإمداد سن الرابعة عشرة وما فوق حدّاً مشروعاً لهذا التدريب، ويعلن جهوزيته وحضوره للتعاون مع أي جهةٍ مانحة أو أي جمعية، بعيداً عن أي انتماء سياسي. فالمعهد مفتوحٌ على كل شرائح المجتمع اللبناني لخير كل أطفاله ووصولهم إلى مستقبل عملي زاهر، لأن أطفال اليوم هم رجال الغد وعماله الشرفاء الناجحون.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع