نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مقابلة: الله والكون

(حوار مع د. عبد الله زيعور)

حوار: عديّ الموسويّ


منذ عقود عدّة، برزَ الكثير من المؤلّفات التي تستند إلى المكتشفات العلميّة الحديثة للاستدلال على وجود الله سبحانه أو تأكيد وجود خالقٍ لهذا الكون. ومؤخّراً صدر كتاب بعنوان (الله والكون برواية الفيزياء الحديثة) لمؤلّفه الدكتور "عبد الله زيعور"، أستاذ فيزياء الطاقة في الجامعة اللبنانية. وقد صدر عن دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة. التقينا المؤلّف، وكان لنا معه هذا الحوار...

* أسباب تأليف الكتاب
في البداية، كشف الدكتور عبد الله زيعور عن الدافع الذي أدّى إلى تأليف هذا الكتاب، فقال:
"أسباب عدّة كانت وراء التأليف، منها تنامي ظاهرة الإلحاد المستجدّة في العالم عموماً، والعالم العربيّ خصوصاً، والذي ربّما جاء كردّ فعلٍ عمّا شاهده الشباب عن قُرب من مظاهر الإسلام المتطرّف. وهناك دافع رئيس ثانٍ للتأليف يعود إلى كتاب "التصميم العظيم" (Intelligent Design) الذي أثار الجدل بعد صدوره وهو لعالم الفيزياء الشهير الراحل "ستفن هوكينغ" وقد صدر عام 2010م. وعلى الرغم من أنّ الكتاب قدَّم نظريّات فيزيائية، لكنّه قد أثار الجدل بعد إعلان مؤلّفه أنّه يعتبر، بعد تأليف كتابه هذا، ووفق علوم الفيزياء، أن لا حاجة إلى وجود الخالق. وهنا تكمن المفارقة. فعلم الفيزياء هو من العلوم التجريبيّة، فيما الحديث عن وجود الخالق أو عَدمه من اختصاص العلوم العقليّة والفلسفيّة؛ أي خارج اختصاص الكتاب. ولكن، بسبب شهرة هوكينغ وحيثيّته العلميّة، فقد تلقف دعاة الإلحاد رأيه وأثاروا ضجّة حوله، واعتبروه رأياً علمياً، كونه صادراً عن عالم شهير.

س: أعتقد أنّ هذه النقطة بحاجة إلى توضيح أكثر، كيف حوّل هوكينغ الآراء العلميّة إلى آراء فلسفيّة أو فكريّة؟
في كتابه "التصميم العظيم"، زعم هوكينغ أنّ قوى الجاذبيّة في الكون تنظّم نفسها وتخلُق نفسها بنفسها، وبالتالي لا حاجة إلى وجود خالق أو مدبّر للكون. وهنا تكمن المشكلة في مقولته؛ لأنَّ وظيفة العلوم التجريبيّة هي رصد الظواهر، وتفسيرها، دون أن تتطرّق إلى أصل هذه الظواهر أو تحديد علّتها. مثلاً، بات علم الفيزياء الحديث يقول إنّ الكون له بداية؛ أي إنّه غير أزلي، وهذه نتيجة ثورية؛ أمّا الفلسفات المادية فتقوم على ركيزتين أساسيّتين: أزليّة الكون وأزليّة مادته، وهما أمران نفَتْهما الفيزياء الحديثة بشكل لا نقاش فيه، بل إنّ علم فيزياء الطاقة يَعتبر أنّ هناك وقتاً يسمّى "اللحظة صفر"، وهي لحظة بداية الكون. كما أنّ العلوم الحديثة، بطرائقها المخبريّة المختلفة، تصف ما جرى بعد هذه اللّحظة حتّى يومنا هذا، لكنّها لا تتناول ما قبل اللحظة صفر. من هنا، يقول المؤمنون بوجود الخالق إنّ العلم الحديث يتوافق مع الإيمان فيما يتعلّق بخَلق الكون وعدم أزليّته. ولكن عندما قال هوكينغ إنّ قوى الطبيعة تخلقُ نفسها بنفسها، فقد ادّعى ما لا تقوله العلوم التجريبيّة الحديثة أبداً، وتلك هي النقطة الجوهريّة في الموضوع.

س: نحن نعلم أنّ المكتبة العلميّة تشمل مؤلّفات كثيرة تناولت قضيّة إثبات وجود الخالق من خلال النظريّات العلمية الحديثة، فما الجديد الذي حاولتَ إضافته في هذا الكتاب؟

الجديد فيه هو الاستفادة من أحدث الكشوفات والنظريّات العلميّة، ومناقشتها. منها نظريّة "الأوتار الفائقة"، وهي من نتاج تسعينيّات القرن الماضي، وما زال العمل جارياً عليها، وهي نظرية رياضيّة وليست تجريبيّة، وتقول بتعدد الأكوان في هذا الوجود. هذه النظرية مثلاً لا تصطدم مع جوهر الإيمان وفكرة وجود الخالق، ولكن هناك جزئيّة في هذه النظريّة ترى أن الكون هو في حالة نشوء، وأن الأكوان تتمدّد لتصل إلى مرحلة تفلس معها طاقة هذه الأكوان وتنفد، وتعود القهقرى بفعل الجاذبيّة، وهي عمليّة تحصل مرّة كلّ ثلاثة مليارات سنة. وخلال عمليّات التمدّد والانكماش تلك، تحصل محاولات لإنشاء كون فيه حياة مثل كوننا. ولكن، هنا يطرح السؤال الصعب: لماذا تشكّل هذا الكون الذي نحن فيه؟ وكيف تشكّل هذا النظام الأحيائي المعجز في كرتنا الأرضيّة، النظام الذي لا يمكن وصفه لما فيه من عظمة؟
يعتقد دعاة هذه النظريّة أنّه مع تمدّد الأكوان وانكماشها المستمر، تلعب الصدفة دورها وفق نظريّة الاحتمالات، فتحقق نظام الحياة هذا. عند هذا الزعم، قد ينبهر غير المختصّ بالفيزياء بهذا التفسير، ويظنّه تفسيراً علميّاً حقيقيّاً، ولكنّ هذا غير صحيح؛ ذلك أنّ أصحاب هذه النظريّة يزعمون أنّ الأكوان خلال تمددها وانكماشها، تعمل قوى الجاذبيّة على تنظيم نفسها بنفسها، دون الحاجة إلى وجود الخالق، أو إلى قوى خارجيّة مؤثرة. وهذا ما لا تقوله العلوم التجريبيّة، وهو كلام يثير السخرية لدى أغلب علماء الفيزياء.

س: بالعودة إلى كتابك، ذكرت أنك استعرضت عدداً من النظريات والمكتشفات الحديثة التي تؤكّد وجود خالق أو وجود مدبّر لهذا الكون، وذلك انطلاقاً من اختصاصك في فيزياء الطاقة. ما هي أبرز هذه المكتشفات؟

إنّ الحقائق العلميّة في تطوّر وتبدّل مستمرَّين، مع تطوّر وسائل البحث وقياس الظواهر العلميّة المختلفة. ولكن الجديد الذي تناولته في هذا الكتاب هو التركيز على نظريّة "الانفجار الكبير" (Big Bang)، وهي نظريّة قامت منذ عام 1929م، وهي مقبولة من جميع علماء الفيزياء، بل هي المصدر الأساس الذي أدّى إلى إيمان العديد من العلماء بوجود خالق للكون.

س: وماذا عن النظريّات المتعلّقة بالفيزياء الحراريّة أو الثيرموداينمكس؟
للفيزياء الحراريّة قوانين عدّة، وينصّ قانونها الثاني على أنّ: "كلّ منظومة حراريّة مقفلة على بعضها بعضاً، لا يمكن أن تُنتج نظاماً منتظماً؛ إذ لو تركنا هذه المنظومة وحدها فهي تتّجه نحو الفوضى". وهذا يعني أنّه لا بدّ من تدخّل عامل خارجيّ لنظم هذه المنظومة الحراريّة المغلقة. ونحن كمؤمنين بالله نسمّي هذا العامل الخارجي الخلّاق "الله سبحانه". وتعتبر مسألة العامل الخارجيّ قضيّة محسومة ومبرمة في علم الفيزياء الحراريّة؛ ما يعني استحالة أن يكون الوجود قد تشكّل من تلقاء نفسه، لينتج نظاماً محدّداً ومتقناً.
ولو انتقلنا إلى علم الرياضيّات، ومن خلال نظرية الاحتمالات، فإنّ احتمال حصول انفجار كبير من تلقاء نفسه، ومن دون تدخّل خارجيّ، وأن يؤدّي هذا الانفجار إلى تشكّل الكون بمنظوماته ومجرّاته وكواكبه ونجومه، إن احتمال حصول ذلك هو واحد مقسوم على عشرة مرفوعة إلى العامل 120، وهو رقم لا معنى له، ولا وجود له. هذا في ما يتعلّق باحتمال حصول "الانفجار الكبير"، أمّا عند الحديث عن إمكانية تكوّن أشكال الحياة المعقّدة والكائنات الحيّة، فنحن نتحدّث عن رقم أكبر من ذلك بكثير، حيث يقول علماء الأحياء، إنّ تشكّل خليّة واحدة بشكلها الأبسط، ومن تلقاء نفسها يتطلّب اجتماع عدد من الذرّات يبلغ 10 مضروبة بنفسها 80، وذلك لتشكيل هذه الخليّة وحدها، فما بالك بتشكّل خلايا عدّة، ثمّ نسيج من الخلايا، ثمّ عضو من الأعضاء، وصولاً إلى كائن حيّ؟ إذاً، فرضيّة الخلق التلقائيّ للكون أو الخلق بالصدفة هي فرضيّة مستحيلة رياضيّاً وفيزيائيّاً، فرضيّة يشبّهها الكثير من علماء الرياضيّات والفيزياء بعمليّة اصطدام سيارتين كبيرتين، نشأت عنهما مدينة كبرى كنيويورك بكلّ تفاصيلها الماديّة والبشريّة. من هنا، فالفيزياء الحديثة باتت اليوم أقرب إلى فرضيّة وجود قوّة خارجيّة، حكيمة وعاقلة ومدبّرة تحكم الكون، وهي فرضيّة يقرّها كبار علماء الفيزياء الحديثة، وقد أوردتُ شهاداتهم في كتابي هذا.

س: في كتابك هذا استندت إلى نظريات ومكتشفات ضمن علوم متخصّصة، فهل جاء كتابك ضمن كتب الثقافة العلميّة العامّة، أم التخصّصيّة؟

شكّلت هذه الإشكاليّة تحدّياً لي، فأغلب المراجع والمصادر التي اعتمدتها هي مراجع غير عربية، كما بذلت جهداً كبيراً للوصول إلى آخر الإصدارات العلميّة من كتب ومجلّات متخصّصة في هذا المجال، بما تتضمنه من أحدث الاكتشافات والنظريّات العلميّة. وهو ما تطلب منّي بذل الجهد، بعد ذلك، لتبسيط المعلومات والاستناد إلى البديهيّات التي يدركها الجميع، وأعتقد أنّني نجحت في ذلك. وفي بعض الموارد، اضطررت إلى نقل نتائج الأبحاث والدراسات كما هي، وأن أستقي منها الخلاصات وأشرحها.
تجدر الإشارة إلى أنّ محتوى هذا الكتاب يزيد من اطمئنان المؤمن بالله إلى إيمانه؛ لأنه يؤكّد على مسألة أساسية، وهي: إنّ العلم لا يتعارض مع الإيمان وحسب، بل هما في توافق وتكامل، وما تقوله الفيزياء الحديثة من حاجة الكون إلى وجود خالق ومنظّم، فهي قناعة تكبر وتزداد يوماً بعد آخر. هذه هي رسالة كتابي الأساسيّة. أما بالنسبة إلى كتاب هوكينغ "التصميم العظيم" فأنا قرأته، ولا بدّ من القول إنّ قراءة النظريّات والنتائج العلميّة من منظور فلسفيّ أمرٌ، والادعاء بأنّ هذه القراءة الفلسفيّة هي قراءة علمية أمرٌ آخر. فليست وظيفة العلم التجريبيّ أن يعتقد بوجود الخالق من عدمه. حتى بالنسبة إلى المؤمن بالله، فإنّ هذه المكتشفات والنظريّات العلميّة يفترض بها أن تزيد اطمئنانه إلى وجود الخالق لا أن تثبته، فعلى صعيدي الشخصيّ مثلاً، معرفتي العلمية بعثت الاطمئنان في إيماني أكثر فأكثر.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع