محمد أحمد خشفة
يبعد عن المسجد النبوي الشريف 3.5 كلم. له محراب ومنبر
رخامي، فيه بئر تنسب لأبي أيوب الأنصاري، وفيه مصلى النبي صلى الله عليه وآله،
ومبرك الناقة... إنه مسجد قباء، أول مسجد في الإسلام وأوّل مسجد أسّس على التقوى،
كما ورد في الآية 108 سورة التوبة:
﴿... لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ
أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
* سبب بناء المسجد:
إنَّ الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هي سبب بناء المسجد، فقد
كان المسلمون بالمدينة المنورة يخرجون كل يوم إلى الحرَّة أول النهار ينتظرون النبي
صلى الله عليه وآله المهاجر من مكة إلى المدينة فما يردهم إلا حر الشمس. ولما وصل
صلى الله عليه وآله إلى قرية قباء في شهر ربيع الأول أسس المسجد على مربد كلثوم بن
الهدم الأنصاري في بني عمر بن عوف وقد وهب كلثوم الأرض للرسول صلى الله عليه وآله
فأسس على تلك الأرض مسجد قباء، فكانت انطلاقة الإسلام الأولى في المدينة من هذا
المسجد المبارك، وعمل المنافقون في قبالة مسجد قباء على بناء مسجد "ضرار" الذي أسس
على النفاق. قال ابن الأثير(1): لما قارب النبي وهو عائد من غزوة تبوك المدينة أتاه
خبر مسجد ضرار، فأمر بحرقه.
ورد ذلك في القرآن الكريم:
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا
ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ
حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ
الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا
لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ
فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ﴾
(التوبة:107-108). في المزارات ورد(2): "إن أول ما نزل النبي صلى الله عليه
وآله في قباء حين هاجر من مكة إلى المدينة وبقي في قبا عشرين ليلة ينتظر قدوم ابن
عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومدة بقائه صلى الله عليه وآله في
قبا كان يصلي قصراً"(3).
* عمارة مسجد قبا(4)
الأولى: تأسس المسجد بعد الهجرة مباشرة في مكان يوضع ويخزن فيه التمر ليجفّف، وكان
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يعمل فيه بنفسه.
الثانية: بقيت العمارات متواضعة وذلك طيلة حياة الخلفاء ما بعد الرسول صلى الله
عليه وآله.
الثالثة: أيام عبد الملك بن مروان زاد عمارته بقدر صغير.
الرابعة: أيام عمر بن عبد العزيز حين أُعيد بناء المسجد ووسع بالحجارة والجص وجُعل
فيه أساطين في جوفها عمد من الحديد والرصاص منقوشة بالفسيفساء، ثم عملت فيه مغارة
مسقوفة بالساج وجُعل بداخله أروقة ورحاب.
الخامسة: جدد عمارته جمال الدين الأصفهاني وزير بني زنكي ببلاد الموصل عام 555هـ.
السادسة: عام 671هـ، جددت عمارته أيضاً.
السابعة: عام 732هـ، وسعت بعهد الناصر بن قلاوون.
الثامنة: عام 840هـ، سقفه بمعظمه الأشرف برسباي.
التاسعة: عام 877هـ، تساقطت منارته فأعيد ترميمها حتى عام 881هـ.
جاء في كتاب مرآة الحرمين: إن الدولة العثمانية جددت عمارته عدة مرات وكان آخرها في
عهد السلطان محمود الثاني وابنه السلطان عبد المجيد(5). ورد في الحديث الشريف عن
رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أتى مسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة"(6).
ووردت أعمال خاصة في مسجد قبا(7): السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي
الله السلام عليك يا حجة الله... يوم ولدت ويوم رحلت ويوم هاجرت وبقيت في قبا ورحمة
الله وبركاته.
(1) الكامل في التاريخ: ابن الأثير، ص281، ج2.
(2) مزارات أهل البيت عليهم السلام وتأريخها، الجلالي، ط1، ص40.
(3) معلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام بات في فراش الرسول صلى الله عليه وآله
فادياً له بروحه.
(4) التاريخ الأمين لمدينة سيد المرسلين، الشيخ المدني، ط1، ص369 (بتصرف).
(5) مرآة الحرمين، رفعت باشا، ج1، ص395-396.
(6) وسائل الشيعة، ج10، ص278 (بسند معتبر).
(7) راجع مفاتيح الجنان للشيخ القمي أو مفتاح الجنات للسيد الأمين باب المساجد في
المدينة.