نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عجائب خلق اللّه: كيف تتفاهم الحيوانات؟


أحمد سماحة
 

حين تتحدث مع بني جنسك مُعبراً عن فكرة تجول في خاطرك أو حين تتقدم برسالة شفهية من أحدهم طالباً أو موضحاً أو مستفهماً أو... فإنك تستعمل أرقى الأساليب والكلمات وأكثرها وضوحاً وتقوم بتركيب الجمل والعبارات بطريقة ذكية تجعل المستمعين يفهمون بسهولة آراءك وطلباتك وإيضاحاتك وكل ما تبغيه.


فالكلام ـ عند الإنسان ـ هو الأسلوب المعتمد للتفاهم. وإن لاحظت أن كلامك لم يؤدِّ المطلوب فإنك تستعين بحركات إيمائية من جسمك أو يديك أو عينيك أو باقي أعضاء وجهك. وللحيوانات وسائل مختلفة في متناول الأفراد تؤمن التفاهم فيما بينها. فهي ترسل وتلتقط إشارات لا حصر لها لأن التفاهم عند الحيوان كما هو عند الإنسان في أساس الحياة الاجتماعية المشتركة. وسنتحدث في هذه الحلقة عما هو أشهرها وأكثرها أهمية وهو "الرقص" عند النحل.

والرقص هو حركات إيقاعية تلقائية أو منظمة يستخدمها النحل في التفاهم بين أفراد الخلية لتحديد أماكن الغذاء ونوعه أو لإبلاغ منفي الخليّة رسالة على قدر ما من الأهمية تتعلق بوجود خطر قريب أو نداء استغاثة أو إعطاء فكرة عن حالة الطقس خارج الفقير. والرقصة الأولى للنحل هي رقصة دائرية تتحرك فيها النحلة في دائرة ثم تُغير اتجاهها كلما أتمت دائرة كاملة. فتقوم النحلة بإكمال دائرة كاملة في اتجاه عقارب الساعة ودائرة أخرى عكس الأولى وهكذا. وهذه الحركة تستمر عادة نصف دقيقة، ولكي يشاهدها أكبر عدد ممكن من النحل تنتقل النحلة الراقصة من مكان إلى آخر في الخلية لترقص عدة مرات.

وتقوم النحلة برقصتها هذه عند عودتها محملة بالغذاء من خارج الخلية وبذلك تكون قد أفهمت جمهور النحل أنه يوجد في الجوار غذاء، وهو لا يبعد عن القفير أكثر من مئة متر. وغالباً ما تقترب النحلات المجاورة من النحلة الراقصة وتسير خلفها لكي تتعرّف إلى نوع الحركة وتشم رائحة الغذاء. وعندما يتعرّفن إلى كل المعلومات المطولبة يتركن الخلية واحدة بعد الأخرى للبحث عن الغذاء في المنطقة المجاورة فإن وجدنه عُدن محملات به. وتبدأ كل واحدة منهن بالرقص لتخبر مجموعة أخرى بالرسالة الثمينة وهكذا.

وإذا كان الغذاء بعيداً عن الخلية فإن الرقصة الدائرية لا تفيد وعلى النحلة التي تكتشف غذاء بعيداً أن تقوم بالحركة الراقصة الثانية للدلالة على الغذاء البعيد مع تحديد دقيق لبعده ومكانه. فتقوم بالسير عل أحد براويز الخلية في خط مستقيم من أسفل إلى أعلاء أو بالعكس ثم تميل بزاوية معينة عن الخط الرأسي وهي تهز بطنها هزاً شديداً يميناً ويساراً، وعند وصولها لنهاية الخط المحدد تغيّر اتجاهها إلى اليسار مرّة وإلى اليمين مرة أخرى مع استمرار الرقص وهز البطن؛ وهكذا عدة مرات. وبعض النحل يتابع حركتها ليتلقى الرسالة المطلوبة، وقد لاحظ المتتبعون لحركات النحل أن سرعة الرقصة تزداد كلما كان الغذاء أكثر قرباً، وتقل وتُبطىء كلما بعُد مصدر الغذاء؛

 ثم قاموا بحساب الحركات ورصدوا مكان الغذاء فاستنتجوا أن عددها يكون أربعين دائرة كاملة في الدقيقة الواحدة إذا كان الغذاء المنوي امتصاصه على بعد مئة متر من الخلية أما إذا كان على بعد خمسمائة متر فإن النحلة تتم أربعاً وعشرين دائرة في الدقيقة وهكذا تنقص الدورات كلما كانت الأزهار نائية بعيدة. وقد لاحظ مربو النحل المهتمون بحركاتها أن تحديد النحلة لمسافة الطيران ينتج عن الجهد المبذول أو عن مدى استهلاك النحلة للسكريات في جسمها أثناء رحلة الطيران وتقدير المسافة يزداد عندما تطير النحلة في مواجهة الرياح أو عند صعود الجبل.

وتحديد اتجاه الغذاء يحدده النحل بالنسبة لاتجاه الشمس. فقد يكون الغذاء موجوداً باتجاه الشمس وقد يكون موجوداً عكس ذلك. والنحل القادم بالغذاء لا يقوم بالرقص خارج الخلية حيث الضوء وحيث يمكن رؤيته، لكنه يقوم بالرقص داخل الخليّة حيث الظلام الدامس ولا يوجد ضوء يحدد به النحل اتجاه الشمس، ولذلك كان لا بد من طريقه تحدد بها النحلة الراقصة موقع الغذاء بالنسبة للشمس. فكانت الجاذبية الأرضية هي الأرضية هي الترجمة لعكس اتجاه الشمس. واتجاه الشمس يصبح عكس اتجاه الجاذبيّة الأرضية.

 فإذا كان الغذاء في اتجاه الشمس كان الاهتزاز في الحركة متجهاً إلى أعلى أي بعكس اتجاه الجاذبية الأرضية أما إذا كان مصدر الغذاء في الاتجاه المضاد للشمس فإن الاهتزاز في حركة الرقص يُصبح متجهاً إلى أسفل أي باتجاه جاذبية الأرض. أما إذا انحرف اتجاه مصدر الغذاء عن اتجاه الشمس فإن الاهتزاز ينحرف عن الوضع الرأسي بنفس الانحراف عن الشمس واتجاهه.


هذا هو النحل. يتحدث بالحركات أكثر مما يتحدث بالأصوات. فسبحان الذي خلق فأبدع فنوع من مخلوقاته ويسر لكل منها سبل الحياة بما فطرها ومواهب وما وضعه فيها من أسرار.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع