مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عجائب خلق الله: العطر الدّليل


بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (الأنعام/58)

تحدّثنا في الحلقة السابقة عن أشهر أساليب التخاطب عند الحيوانات وهو "الرقص" الذي يستخدمه النحل في التفاهم بين أفراد الخلية لتحديد أماكن الغذاء ونوعه أو لإبلاغ جماعة القفير رسالة ما. واليوم، في هذه الحقة، سوف نُكمل إن شاء الله تعالى إماطة اللثام عن أسلوب آخر وحركة أخرى تستخدمها المخلوقات التي تعيش في الأوساط كافة: الأدغال الغابات، الصحاري، الجبال، المستنقعات وغير ذلك من الأماكن التي يمكن أن تطؤها حوافر أو ترفرف فوقها أجنحة.

لقد وضع الخالق العظيم سبحانه وتعالى في متناول الحيوانات وسائل مختلفة لتأمين الاتصال في ما بينها، فهناك حشرات ولبونات وبهائم كثيرة تملك طاقة على تأمين الاتصال في ما بينها بواسطة حاسّة الشم، وذلك بفضل شكل من الاستدلال بالرواح، وهذا يعني أنها تبعث مواد ذات نماذج مختلفة من الروائح: منها ما يؤذن باستدعاء العشير. وهذا النموذج نلاحظه عند أحد أنواع الفراش الليلي الذي يُعتبر بين الحشرات الأشد إحساساً بالروائح العطرة حيث تلقي الأنثى في الهواء كمية ضئيلة من مادة متضوعة، فتنثرها الرياح وتنشرها. وهذا كافٍ لأن تبلغ الرائحة الذكر، بفضل قرون تنتظم على رأسه بشكل مشط. فيقوم بتحديد الجهة التي انبعثت منها الرائحة ليتجه نحوها وبقدر ما يقترب يستطيع تحديد المكان الرئيسي للأنثى ويتمكن من الالتحاق بها من على مسافة عدة كيلومترات.

وإذا أخذنا مثالاً آخر وهو قرية النمل أو خلية النحل التي يسكنها الألوف وربما الملايين من أفراد النوع، نتعجّب حين نعرف أنها تعيش مجتمعة وتشكل "دولة" متماسكة يقوم أفرادها بمعرفة بعضهم البعض ويميزون بين مختلف الرتب والمستويات ويعودون إلى قريتهم أو خليتهم مهما بعدوا عنها ولا يخطئون في تحديد مكانها فلا يدخلوا قرية أخرى أو خلية قريبة رغم الظلام والتشابه وغيرهما من المعوقات، فما الذي يجعل هذه المجموعات الكبيرة متحدة؟. إنه انبعاث الروائح بشكل خاص. ذلك العطر المميّز المنبعث من تلك الحشرات، ذلك العطر الذي يُفعم مجاري القرية المظلمة أو الخليّة المعتمة ويشكل بالنسبة للنمل أو للنحل رائحة "البيت العائلي" التي يعرفها جيداً. ليس ذلك فحسب، فتلك الرائحة تتيح لهذه الحشرات الصغيرة أن يتعرف بعضها إلى بعض، وأن يُميز بوضوح بين "الرئيس" وسواه. فالملكة والعلامات والذكور والمقاتلات كلها تمتاز عن بعضها البعض في غياهب السراديب بفضل رائحة خاصة بكل منها.

وتلك الروائح، تبعاً لكثافتها، يمكن أن تحمل مدلولات متنوعة. فبوسعها أن توجّه استدعاء إلى موعد إذا كانت خفيفة. فالنحلة الملكة ما إن تبث كميّة ضئيلة من رائحتها الخاصة حتى يتداعى وراءها خط من النحلات الذكور يتبعونها طيراناً نحو الأعلى بقصد الزواج منها. ولكن عندما تكون تلك الرائحة قوية وكميتها أكثر فهذا يعني دعوة الجميع إلى الاستنفار لأن هناك خطراً داهماً وعلى الجميع التأهب والاستعداد.

وإلى جانب حاسّة الشم هذه نذكر الإشارات البصرية والعلامات بالألوان التي تعتمد على حاسّة النظر. فكما يقوم الإنسان بوضع معالم على الطرق ليرشد المارّة إلى الأماكن أو يعتمد الإشارات الضوئية ليحدد وجهة السير كذلك الحيوانات لها أضواؤها وإشاراتها البصرية. ولغة الألوان شائعة إلى حدٍ بعد بين الطيور حيث تقوم بتحويل ألوان ريشها ليصير زاهياً مع الوقت الذي يتم فيه التزاوج فيوجه الذكر إلى أنثاه إشارات الفراش الليلي وقرونه التي تشبه المشط بواسطة ريشه المتألق بالألوان المتعددة.

وهناك أنواع كثير من الخنافس اللامعة تعيش في منطقة واحدة. فكيف تتصرّف تلك التي تنتمي إلى فصيلة واحدة لكي تتعارف؟ السر يكمن في النمط الضوئي الخاص الذي يصدر عن الذكر فيما هو يحوم بين الأعشاب أو على الأشجار. إذ لكل فصيلة نوعية خاصة من الإرسال الضوئي. والأنثى المنتمية إلى هذه الفصيلة تستجيب وحدها من على الأرض لهذا الإرسال فيكتشفها الذكر وينضم إليها.

هذا هو خلق الله تعالى، منسجم تماماً مع المحيط الذي يعيش فيه، متكيفٌ مع بيئته، يخطط ويعمل ويتعارف ويبني "حضارته" كأنه يملك عقولاً إلكترونية تعرف كل شيء... فمن علّمه ذلك؟ سبحانه وتعالى "في كل شيء له آية تدل على أنه واحد".
والسلام


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع