إنّ محبّة أهل البيت عليهم السلام، موضوعٌ بالغ الأهميّة. فحبّ أهل البيت لا يختصّ
بجماعةٍ معيّنةٍ في الإسلام. كلّ المسلمين يحبّون ويودّون أهل بيت الرسول عليهم
السلام. نعم، كان هناك عددٌ محدودٌ وقليل جدّاً في التاريخ اسمهم النواصب يعادون
أهل البيت عليهم السلام، وحتّى هؤلاء أيضاً من المحتمل أن تكون دوافعهم سياسيّة،
وليست دينيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. لكنّ المسلمين قاطبةً منذ صدر الإسلام
الأوّل وإلى اليوم يُعتبرون محبّين لأهل البيت عليهم السلام. حسناً، هذه الجملة
بحدّ ذاتها هي درسٌ لنا؛ وهو أنّه يمكن جعل هذه المحبّة محوراً للاتّحاد والاتّفاق
بين المسلمين. كما أنّ الوجود المبارك لرسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة
ومحور للوحدة بين المسلمين. وكذلك القرآن والكعبة الشريفة محور للاتّحاد بين
المسلمين، يمكن لمحبّة أهل البيت عليهم السلام أيضاً أنْ تكون محوراً لاتّحاد
المسلمين وتقريب قلوب بعضهم من بعض.
* العالم الإسلاميّ اليوم جريح
إنّ العالم الإسلاميّ اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا الاتّحاد والتعاطف. إنّ جسد
العالم الإسلاميّ اليوم جريح. لقد استطاع أعداء الإسلام -من خلال إشعال الحروب
والخلافات- إيقاع الخلاف في ما بينهم وإشغال بعضهم ببعض، مع بقاء أعدائهم في أمن
وأمان. يعيش الكيان الصهيونيّ الغاصب حال الأمان في منطقة غرب آسيا، فيما يخوض
المسلمون في دماء بعضهم بعضاً!
يجب أن نعترف، بكلّ أسف، أنّ هناك داخل الأمة الإسلاميّة والحكومات الإسلاميّة
نفسها، مَن يقوم بما تريده أمريكا والصهيونيّة، ويتكفّل بنفقاته، ويوفّر مقدّماته،
فيصبح أداةً لهم. من أجل ماذا؟ من أجل جرح جسم الأمة الإسلاميّة. في مثل هذه
الأوضاع والظروف، إنّ اتّحاد الأمّة الإسلاميّة أوجب الواجبات. يجب أنْ نجتمع حول
بعضنا بعضاً.
* فلسطين قضيّة العالم الإسلاميّ
تكمن مصلحة أعداء الإسلام في جرّ الحروب إلى داخل العالم الإسلامي. وقد أشعلوا
الحروب للأسف. لقد صمدنا في وجه مؤامرة العدوّ ونحن نؤمن أنّنا، وبتوفيق الله تعالى
وإرادته ومشيئته وبإذنه، سننتصر على أعدائنا في هذه المواجهة.
إنّ فلسطين اليوم هي قضيّة العالم الإسلاميّ الأولى. كلّ من يفهم ويدرك قضيّة
فلسطين بصورة صحيحة، يقرّ بأنّها قضية العالم الإسلاميّ الأولى. وهي قضيّة مفتاح
الانتصار على أعداء الإسلام، لأن فلسطين بلد إسلاميّ، وقد غصبوه وانتزعوه من أهله.
احتلّ العدوّ بلداً وجعله مقراً للإخلال بأمن بلدان هذه المنطقة. يجب مقاومة هذه
الغدّة السرطانيّة. ولكم أنْ تلاحظوا كيف أن شخصاً يكتسي لباس الإفتاء الدينيّ،
يفتي بأنّ قتال الصهيونيّة حرام وبأنّه لا يجوز مساعدة الجماعة الفلانيّة التي
تناضل ضدّ الصهيونيّة! إنّها فاجعة حقاً؛ أنْ يعمل بعضُ مَن في العالم الإسلاميّ
ضدّ مصالح الإسلام بهذه الصورة، وذلك تماماً بخلاف النصّ القرآنيّ الصريح بأنّ
المؤمنين
﴿أَشِدّآءُ عَلَى الكفّارِ رُحَمآءُ
بَينَهُم﴾ (الفتح: 29). فهؤلاء "أشداء على المسلمين" و"رحماء مع
الكفّار". علاقاتهم مميّزة وجيّدة معهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "وَاللهِ لَا أكونُ كالضَّبُعِ
تَنامُ عَلى طولِ اللَدْم (1)"(2). يجب أنْ نكون هكذا، فلا يمكننا أنْ نخلد إلى
النوم ونغفل ونتجاهل كيد العدوّ. يجب أنْ نكون يقظين.
* على العالم الإسلامي التيقّظ!
ولهذه الصحوة مقتضياتها. من مقتضياتها هذه الأخوّة والمحبّة التي يجب أن نتحلّى بها
لمكافحة ومواجهة العوامل التي تعادي العالم الإسلاميّ، أو التي تساعد أولئك
الأعداء. ينبغي أن تُعرّفوا الناس الذين يستمعون إلى الحقائق الواقعيّة اليوم في
العالم الإسلاميّ. وإنّنا بالتأكيد لن نترك هذا الواجب.
الحمد لله على أنّ العالم الإسلامي قد تيقّظ اليوم. نحن المسلمين في مختلف البلدان
نُشكّل حقيقة عظيمة مفروضةً على الاستكبار والكفر. يمكن للعالم الإسلاميّ اليوم
الوقوف في وجه الكفر والاستكبار وفرض كلمته وفكره. والحمد لله على أنّه توجد في
إيران دولة باسم الإسلام وهي تفخر بأنّها دولة إسلاميّة. بالطبع، نحن لم نصل بعد
إلى كلّ آمالنا في تحقيق حاكميّة الإسلام في البلاد. نحن في منتصف الطريق، لكنّ
هدفنا هو تحقيق كلّ الأهداف الإسلاميّة وتحكيم الشريعة الإسلاميّة بالكامل. سوف
نتابع هذا الهدف بتوفيق الله تعالى وإذنه، وسيكون هذا وسيلة للانتصار على أعداء
الإسلام.
نأمل، بتوفيق من الله، أن يأتي اليوم الذي تعود فيه فلسطين لأهل فلسطين ويكون شعب
فلسطين مالكاً لبلاده، سيكون ذلك اليوم يوم عيد في العالم الإسلاميّ، وسوف توجّه
للاستكبار، في ذلك اليوم، الضربة الحقيقيّة التي تقصم ظهره، نحن نسعى ونعمل لأجل
هذا وسوف يأتي ذلك اليوم إن شاء الله.
(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في مؤتمر محبّي أهل البيت عليهم السلام -
23/11/2017م.
1.اللَدْم: صوت الشيء يقع في الأرض من الحَجَر ونحوه (لسان العرب)، ابن منظور، ج12،
ص539.
2.نهج البلاغة، الخطبة رقم 6.