مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ

الشيخ بسّام محمد حسين


الاتّباع هو اقتفاء أثر الغير في فعلٍ يُؤتى به أو طريقٍ يُسلك فيه أو قول يقوله. ومن هنا، كان لمن يُؤتمّ به ويُسار خلفه أهميّته الكبيرة والخطيرة، فإنْ كان يسير في طريق الهدى، فاتّباعه يوصل إلى الهداية والحقّ، وإن كان يسير في طريق الضلال، فاتّباعه يوصل إلى الضلالة والباطل.

وتظهر أهميّة الاتّباع في ما يلزمه من الصفات التي لها نتائجها الهامّة على صعيد مستقبل الإنسان ومصيره، فالاتّباع يلازمه الحبّ والتعلّق بذلك الغير، كما يلازمه نوع من وضع النفس موضع تولّي الغير له في سلوكه وأفعاله.
وقد تعرَّض القرآن الكريم لمفهوم الاتّباع، فحذَّر من بعض أفراده الذين يؤدّون بالإنسان إلى الضلال، وحثَّ على اتّباع الأفراد الذين لهم دورهم الإيجابيّ على مستوى هداية الإنسان.

أمّا ما نهى عن اتّباعه، فمنه:
- اتّباع الهوى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ (القصص: 50).
واتّباع الظنّ: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 116).

- واتّباع الآباء بلا دليل ولا برهان:
﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (الزخرف: 23).

- واتّباع الأحبار والرهبان بغير دليل ولا برهان: ﴿
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ (التوبة: 31). وقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام حول هذه الآية قوله: "والله ما صاموا لهم ولا صلّوا لهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً، وحرَّموا عليهم حلالاً، فاتّبعوهم"(1).

- واتّباع الشيطان:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ (النور: 21)، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ (يس: 60).

ومن أعظم الأفراد الذين حثَّ الشارع على اتّباعهم والاقتداء بهم، أتباع الهدى: ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيَ إِلَّا أَن يُهْدَى﴾ (يونس: 35).

ومن أعظم هؤلاء الهداة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ (آل عمران: 31)، ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ﴾ (الأعراف: 157)، ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران: 53)، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: 21).

ويُحدِّثنا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن فائدة هذا الاتّباع والاقتداء لأعظم شخصية على الإطلاق، فيقول: "ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثَرَ أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به"(2).

وعلى هذا، يظهر أثر حبُّ هؤلاء العظماء والهداة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ومن اهتدى بهديهم من الأولياء والعلماء، في اقتدائهم واقتفاء أثرهم والسير على نهجهم. وكلما كان تجسيد هذه التعاليم أقوى في مقام التطبيق والعمل، كلما كانت الرابطة والعلاقة بهم أقوى وأشدّ؛ ولذا، ورد عن المعصومين عليهم السلام التّنبيه على عدم الاكتفاء بحبّهم وتولّيهم من دون عمل، ووصفوا شيعتهم بأوصاف خاصّة تميِّزهم من غيرهم وتجعلهم بذلك أقرب إليهم وأوفق لتعاليمهم، فعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "إنّما شيعتنا من أطاع الله عزّ وجلّ"(3).

اللهم اجعلنا من شيعتهم، وارزقنا زيارتهم وشفاعتهم يا ربّ العالمين.


1.الكافي، الكليني، ج 1، ص 53.
2.نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، رقم 192.
3.الأمالي، الطوسي، ص 273.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع