مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التفكر شرط لأداء حق القرآن


يقول الإمام الخميني قدس سره: "فإذا التفت مسلمو العالم إلى مراد الأنبياء عليهم السلام الذي جاءت عصارته في آخر صناعة الإنسان وتهذيبه وهو القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي الذي سطع من مبدأ النور ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم على مشكاة القلب النوراني لخاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم ليخلص قلوب الناس من حجب الظلام إلى النور، وينور العالم بالنور الأعلى، فإذا التفتوا إلى ذلك لن يقعوا أبداً في أسارة الشياطين وأبنائهم".

ما زال الحديث يدور حول أداء التكليف بالنسبة للقرآن الكريم. وقد علمنا أن قراءة هذا الكتاب الإلهي تعدُّ من أوجب الواجبات، وإنما لكي نؤدي هذا التكليف كما هو حقه ينبغي رعاية الآداب المعنوية فيه.
ومن هذه الآداب المعنوية التفكر، والمقصود منه "أن يتجسس من الآيات الشريفة المقصد والمقصود".

فهذا الكتاب الشريف له مقصد كلي أساسي ومقاصد تتفرع منه، وعلى القارئ للقرآن أن يبحث عن هذه المقاصد عند قراءته لأجل الوصول إلى المقصد النهائي. وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أن "القرآن غنى لا فقر بعده". وهذا المقام هو حقيقة القرآن التي هي الكمال المطلق اللامتناهي. فالقارئ الحقيقي هو الذي يرتقي في مراتب الكمال بالقرآن، والتفكر وسيلة. قال الله تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. يقول الإمام الخميني قدس سره: "وفي هذه الآية مدح عظيم للتفكر، لأن غاية إنزال الكتاب السماوي العظيم والصحيفة النورانية الكبرى قد جعلت في احتمال التفكر. وهذا من شدة الاعتناء به حيث إن مجرد احتماله صار موجباً لهذه الكرامة العظيمة" (الآداب).

وقال الله تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
والآيات من هذا القبيل أو ما يقرب منه كثيرة والروايات التي وردت في التفكر أيضاً كثيرة جداً، فقد نقل عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله أنه لما نزلت الآية الشريفة: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

يقول الإمام الخميني صلى الله عليه وآله وسلم: وحيث إن مقصد القرآن كما تقوله نفس الصحيفة النورانية هو الهداية إلى سبل السلام والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النور والهداية إلى صراط مستقيم كما قال تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم.
فلا بد أن يحصّل الإنسان بالتفكر في الآيات الشريفة مراتب السلامة من المرتبة الدانية (أي القوى الملكية وعالم الظاهر) إلى منتهى النهاية، وهي حقيقة القلب السليم على ما ورد تفسيره عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو أن يلقى الحق وليس فيه غيره، وتكون سلامة القوى الملكية والملكوتية ضالة قارئ القرآن، فإنها موجودة في هذا الكتاب السماوي ولا بد أن يستخرجها بالتفكر.

يقول الإمام قدس سره: والعمدة في هذا الباب أن يفهم الإنسان ما هو التفكُّر الممدوح ولا شك في أن التفكر ممدوح في القرآن والحديث. قال الخواجه عبد اللَّه الأنصاري صاحب منازل السائرين: اعلم "أن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية". يعني أن التفكر هو تجسس البصيرة وهي بصيرة القلب للوصول إلى المقصد والمقصود، وهو السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العلمي أو العملي.
فإذا وجد القارئ المقصد وتبصّر في تحصيله وانفتح له طريق الاستفادة من القرآن الشريف وفتحت له أبواب رحمة الحق، فإنه لا يصرف عمره القصير الفاني ورأس ماله على أمور ليست مقصودة في رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وبالنسبة لمثل هذا الشخص يصبح التفكُّر في القرآن بعد مدة أمراً عادياً وتنفتح طرق الاستفادة له وتفتح عليه أبواب لم تكن مفتوحة من قبل، وحينئذٍ يفهم كون القرآن شفاءً للأمراض القلبية، ومعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام: "وتعلموا القرآن فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور".
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع