مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

منبر القادة: أداء التكليف...سِمة المنتصرين(*)


الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه)

القرآن الكريم هو كتاب الله الهادي والمرشد، والذي لا حجّة لأحد بأن يقول ليس بين يديّ ما أسترشد به،
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 2)؛ فمن أراد الهداية والرشاد عليه بقرآننا العزيز. من هذا المنطلق، سوف نشرح بعض التكاليف الشرعيّة في كتاب الله العزيز، لنفهم كيف نتعامل مع التكليف الشرعيّ.

* موسى عليه السلام والتكليف الإلهيّ
قصّ الله تبارك وتعالى علينا في القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام، وهي من أوسع قصص القرآن، وقد جاء في هذه القصّة الكثير من الدروس والعِبَر. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ (إبراهيم: 5 - 6).

لقد كلّف الله تعالى في هذه الآيات بني إسرائيل تكليفًا شرعيًّا صعبًا، وهو إزالة أكبر جبابرة ذلك العصر (فرعون)، الذي كان يقول للنّاس: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى﴾ (النازعات: 24). وكانت حضارة المصريّين الفراعنة هي أكبر حضارة ظالمة وطاغوتيّة في ذلك العصر، فيما كان بنو إسرائيل شعباً مستضعفاً، يُسامون كلَّ أشكال العذاب. عندما قدّم لهم موسى عليه السلام هذا التكليف الشرعيّ، ذكّرَهم بالنعمة الكبرى التي أنعم الله بها عليهم، وهي العصا التي أدركوا عظَمتها فيما بعد، والتي ذكرها الله في القرآن الكريم بقوله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ (طه: 17). حتّى موسى عليه السلام حينها، الذي كان يمسك العصا، لم يعرف الهدف من وراء هذا السؤال، لذلك أجاب إجابة بسيطة: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ (طه: 18). وقد تبيّن فيما بعد أنّ هذه العصا هي التي أسقطت كلّ الحضارة الفرعونيّة: ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ (البقرة: 50).

* الله يمنح المكلّف من قدرته قدرة
في الواقع، أيُّ تكليفٍ شرعي فيه صعوبات ومشاقّ. والله تبارك وتعالى الذي يوجّه التكليف، يعرف كلّ خطوةٍ من خطوات الإنسان المكلَّف، ويعرف القدرة الحقيقيّة التي يمتلكها هذا الإنسان المكلَّف، وفي المقابل، الله المكلِّف يعرف قدرة الأعداء، ويعرف قدرة الطواغيت، ولذلك عندما يُكلِّف الله تبارك وتعالى بني إسرائيل، وهم الضعفاء، تكليفاً شرعيّاً يمنحهم القدرة ويقوّيهم، وبهذا تتحوّل عصا الإنسان الضعيف، عصا الراعي، إلى معجزة، وكلُّ معجزات نبيِّ الله موسى عليه السلام كانت في عصاه. هذه محنةُ التكليف الشرعيّ ومحنةُ من يحمل التكليف الشرعيّ إلى الناس.

* أمرُنا صعبٌ مستصعب
إنّ النبيّ عندما يحمل التكليف الشرعيّ إلى الناس تواجهه صعوبات ومشاكل.
الإمام عندما يحمل التكليف الشرعيّ إلى الناس يجد مشاكل وصعوبات، ولذلك كان الإمام الصادق عليه السلام يقول باستمرار: "إنَّ أمرنا صعبٌ مستصعب". لا يظنّ أحد أنَّ مسألة التكليف مسألة عاديّة؛ لهذا، ونحن على أبواب عاشوراء، يجب أن نفهم طبيعة التزام الإمام الحسين عليه السلام بتكليفه الشرعيّ.

* "شاء الله".. تكليف الحسين عليه السلام
مضافاً إلى كـــلِّ الـــدروس التــي قدّمها الإمام الحسين عليه السلام إلى كلِّ الأجيال، كان عليه السلام يريد على رأس القائمة أن يعطي هذا الدرس الكبير، درس الالتزام بالتكليف الشرعي.

ولذلك عندما كثُر الناصحون لأبي عبد الله عليه السلام أنْ: "لا تخرج"، ثمّ رأوا إصرار أبي عبد الله عليه السلام قالوا له: "لا تُخرج النساء، لماذا تخرج الأطفال؟" عبّر الإمام الحسين عليه السلام بتعبيرٍ ليس مقنعاً للناس، ولم يكن هدفه الإقناع؛ وإنما كان هدفه أن يعلن تكليفه الشرعيّ، قال: "شاء الله أن يراني قتيلاً ويراهنَّ سبايا". هذه مشيئة الله وتكليف الله، الله هو الذي يريدني قتيلاً، وأنتم تخافون عليّ من القتل! الله هو الذي يريد أن يرى السيدة زينب عليها السلام مسبيَّة، وأنتم تخافون عليها من السبي! الله هو الذي يريد، وهذا تكليفي الشرعيّ.

مسألة التكليف الشرعيّ هي درس الحسين عليه السلام، ولذلك الموقف في كربلاء لم يكن طالباً فيه الحسين عليه السلام نصراً؛ لأنَّ كل شروط النصر لم تكن موجودة، وغير متوافرة، كانت أقلّ وأدنى مقوِّمات النصر مفقودة في معركة كربلاء، لكن الله أرادها كربلائيةً، أرادها عمليّة استشهاديّة جماعيّة، على رأسها سيّد الشهداء، حتّى يقول لكل الأجيال إنّ التكليف الشرعيّ هو الأساس فقط.

* محنة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام
لقد كانت هذه المسألة صعبة على امتداد الأجيال، ولذلك، كانت محنة المصلحين من الأنبياء والأئمة والفقهاء في طرح التكليف الشرعيّ وفي استعداد الناس لتنفيذ الحكم الشرعيّ. مثلاً، عندما تقرأ محنة نوح عليه السلام وقصّته في القرآن الكريم لا نجد له محنة مع السلطة الحاكمة، أو أنَّ هناك سلطة تطارد نوحاً عليه السلام، لكن كانت محنته تتمثّل في موقف الناس بشكلٍ عام.

رُفض نوح عليه السلام من الناس، فكان الكبيرُ يُوصي الصغير بالابتعاد عنه. وفي التاريخ، عندما تُحكى قصة نوح عليه السلام يُذكر أنَّ الإنسان عندما كان يكبرُ ويقترب من الموت، يأتي بأولاده ويقول لهم: "انظروا إلى هذا الرجل (نوح عليه السلام)، إنّه رجلٌ كذّاب". كانت هذه وصيّة الوالد لولده.

تقرأ قصّة النبيّ إبراهيم عليه السلام تجد أنّ محنته كانت مع السلطة الحاكمة ومع الناس. طلب النمرود [بن كنعان] من كلِّ الناس جمع الحطب لحرق جسد [إبراهيم] عليه السلام الشريف، وأخذ الناس يترجمون ولاءهم للسلطة بالنذورات، فإذا أراد أحد أن يشفى ولده، ينذُر نذراً بأن يجمع حطباً لحرق الجسد الطاهر لإبراهيم عليه السلام. لقد كانت محنة المصلحين دائماً مع الناس ومع السلطات هي محنة طرح التكليف الشرعيّ.

* تكليف الإمام الخميني قدس سره
إنّ مسألة التكليف الشرعيّ والأطروحة التي يحملها الإنسان المصلح عادةً تكون صعبة. والتكليف الذي أطلقه الإمام الخميني [روح الله الموسوي] "يجب إزالة إسرائيل من الوجود" عرفنا صعوبته. ولم تكن هذه المسألة بسيطة في وقتٍ تتوجَّه فيه كل الزعامات العربية وكلّ الدول والمؤتمرات الدوليّة والعربيّة والمحليّة والإقليميّة كلّها للصلح مع إسرائيل. كان الإمام الخميني قدس سره يقول "يجب إزالة إسرائيل من الوجود". تكليفٌ شرعيٌ صعب، وأيُّ طرحٍ يصبّ في خانة التكليف الذي كلّف به الإمام سوف يكون صعباً أيضاً.


(*) خطبة ألقاها (رضوان الله عليه) بتاريخ 31/8/1986.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع