* الموقع والسكان
يوغسلافيا جمهورية اتحادية تتألف من ست جمهوريات صغيرة وهي: "صربيا" عاصمتها "بلغراد"، "كرواتيا" وعاصمتها "زغرب" "البوسنة والهرسك" وعاصمتها "سيراجيغو"، "مقدونيا"، "سلوفينيا" و"الجبل الأسود". ويضاف إلى هذه الجمهوريات الست إقليمان يتمتعان بالحكم الذاتي هما: "كوسوفا" و"نوجغورينا".
تقع يوغوسلافيا في جنوب وسط أوروبا في غربي جزيرة البلقان، على الساحل الشرقي لبحر الأدرياتيك. تحدها رومانيا وبلغاريا من الشرق، والمجر والنمسا من الشمال، وإيطاليا من الشمال الغربي، وألبانيا واليونان من الجنوب. أما العاصمة فهي بلغراد. وقد ظهرت يوغوسلافيا على خريطة أوروبا السياسية بعد الحرب العالمية الأولى باسم "مملكة الصرب". واحتلها الألمان والإيطاليون أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم استقلت بعد ذلك إثر هزيمة ألمانيا في الحرب واتحدت في جمهورية فدرالية متبعة سياسة مصادقة جميع الكتل السياسية العالمية وسياسة عدم الانحياز.
تضم يوغوسلافيا أكثر من عشرين قومية، تتكلم بعددٍ مماثل من اللغات. وينتمي أكثرهم إلى مجموعة من العناصر، أكثرها عدداً الصقالبة الجنوبيون أو السلاف، وإلى جماعات المقدونيين والألبان، بالإضافة إلى جماعات أخرى من الأتراك.
أما المسلمون في هذا البلد فأكثرهم من البشناق والألبان، ويشكلون أكثر من 8% من عدد السكان، ويصل عددهم إلى نحو أربعة ملايين نسمة تقريباً. غير أن العدد الحقيقي غير معروف على وجه الدقة نظراً للاضطهاد الذي تمارسه السلطات ضد الأقليات الدينية، ولعدم توفر إحصائيات دقيقة في هذا المجال.
* كيف وصل الإسلام إلى يوغوسلافيا؟
وصل الإسلام إلى يوغوسلافيا قبل الفتح العثماني لها ولكن بشكل ضئيل جداً غير أنه بدأ بالانتشار بشكل كبير بعد ذلك الفتح. والعامل المساعد في ذلك الانتشار كان ظهور المذهب "اليوغوميلي" أو ما سمي بالكنيسة البشناقية، التي عارضت المذهبين المسيحيين السائدين في المنطقة، أي المذهب "الكاثوليكي" والمذهب "الأرثوذكسي" والتي كانت ترفض فكرة الألوهية والنبوة معاً للسيد المسيح عليه السلام وكانت تحمل مبادئ قريبة جداً من التعاليم الإسلامية، مما أدى إلى اعتناق هذه الطائفة بالكامل للدين الإسلامي الذي رأت فيه كل ما وعد به السيد المسيح عليه السلام من الحق، بعيداً عن الأفكار الأخرى المنسوبة إليه زوراً وبهتاناً. وهكذا أصبح البشناقيون من أقوى أنصار الإسلام فأخذوا يشيدون المدن ذات المعالم الإسلامية كمدينة "سراجيغو" التي برزت كنموذج حيٍّ للمدينة الإسلامية، ثم انتشر الدين الإسلامي، واتسع نفوذه، وبسطت تعاليمه لتشمل معظم مناطق يوغوسلافيا التي حكمها الإسلام مدّة لا تقل عن أربعة قرون، إلى أن جاء الاحتلال النمساوي.
تعرّض المسلمون في عهد الحكم النمساوي لموجات قاسية من الاضطهاد، اضطرت العديد منهم إلى الفرار. وعندما ثار المسلمون ضد الاحتلال النمساوي انضم إليهم الأرثوذوكس، وساعدوهم في ثورتهم. ونجحوا في الحصول على حكم ذاتي في الأمور الدينية. ولكن الأرثوذكس غدروا بالمسلمين عند ظهور الدولة الصَّربية وانحسار الحكم الإسلامي عن مدينة بلغراد التي كانت تضم نحو 270 مسجداً، فقضي خلال تلك الفترة على المدارس الإسلامية وهدمت المساج لتقام الفنادق والمسارح مكانها.
وسادت يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الثانية فترة من الاضطرابات، استطاع بعدها المسلمون أن يحصلوا على اعتراف الدولة بهم، عام 1973. فاستقرت أوضاعهم نسبياً غير أنها عادت واهتزت بعد فترة قصيرة جداً، واستأنفت الحكومة اليوغوسلافية أعمالها الإرهابية بحق المسلمين، وكان من أعنف هذه الأعمال ما حصل عام 1981، حيث اجتاحت القوات الحكومية مدينة "كوسوفا" وقتلت وجرحت ما لا يقل عن 2000 شخص واعتقلت مئات آخرين، وفرضت الأحكام العرفية في هذه المدينة التي تبلغ نسبة المسلمين فيها أكثر من 95% وفي عام 1983 اعتقلت القوات الحكومية 11 مسلماً بحجة مزاولة التعاليم الإسلامية، وفي العام نفسه اعتقل نحوٌ من 110 أشخاص من المسلمين وألقي بهم في السجون، وذلك بتهمة الترويج للإسلام، ولم توفر عمليات الاعتقال أحداً حتى الأطفال، فقد سجن عدة أطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والعاشرة.
هذا وكان خوف السلطات من امتداد الصحوة الإسلامية واضحاً، فقد أعلن الرئيس اليوغوسلافي "تيتو" مهدداً عام 1979 إثر انتصار الثورة الإسلامية في إيران والمسلمين من الذهاب إلى المساجد وقال: "إن على القومية المسلمة - حسب تعبيره - أن لا تستغل سقوط نظام الشاه في إيران، ووصول الإسلام إلى سدّة الحكم، للقيام بأعمال ضد الحكومة في يوغوسلافيا".
وبالرغم من هذا الحقد على المسلمين، وذلك الخوف الحكومي من انتشار الصحوة الإسلامية في أوروبا الشرقية، استمر الوعي الإسلامي المتنامي في يوغوسلافيا، متأثراً بصورة كبيرة بالأحداث في الدول الإسلامية، وأخباراً لشعوب المستضعفة. وهذا ما دعا رئيس البلاد "تيتو" إلى توجيه النصح إلى سلطات الأمن اليوغوسلافية باتخاذ إجراءات متشددة حيال العمليات التخريبية التي يدعو إليها المسلمون (على حد تعبيره).
وعلى الرغم من أنّ دول المعسكر الشرقي، لا تقيم للأديان وزناً، كان للشعور الديني مكانة مرموقة في قلوب مسلمي يوغوسلافيا، فالشعور الإسلامي في تأجج مستمر والمسلمون هناك متمسكون بعقيدتهم السمحاء، وهم حريصون على إقامة شعائرهم الدينية والحفاظ عليها.
* مناطق تمركز المسلمين في يوغوسلافيا
يتمركز وجود المسلمين في مناطق مختلفة من البلاد. ومن هذه المناطق:
أولاً: جمهورية "البوسنة والهرسك" وجمهورية "سلوفينيا"، ويقدر عدد المسلمين في هذه المناطق بنحو 1.500.000 مسلم.
ثانياً: جمهورية "صربيا" وإقليم "كوسوفا" وفيهما نحو 1.000.000 مسلماً.
ثالثاً: جمهورية "مقدونيا" وفيها نحو 450.000 مسلم.
رابعاً: جمهورية "الجبل الأسود" وفيها حوالي 150.000 مسلماً.
* النشاطات الثقافية والسياسية
تصدر في يوغوسلافيا عدة صحف ومجلات ناطقة بلسان حال المسلمين، مثل مجلة "غلاسنيك" وجريدة البعث الإسلامي، إضافة إلى عدد غير قليل من وسائل الإعلام المقروءة، كذلك تعقد مؤتمرات تناقش فيها القضايا الإسلامية المهمة، كما تقام جهود سنوية تتركز حول الحج في كل موسم، وتتناول من حيث الدراسات وتأمين بعثات لأداء هذه الفريضة. كما وتسعى الهيئات والمراكز الإسلامية على نشر الوعي الثقافي والديني لدى المسلمين، في محاولة للحفاظ على الأصالة والإيمان في نفوسهم.
كما يتركز نشاط المسلمين في يوغوسلافيا بشكل كبير على عمليات التعليم. ففي "سيراجيغو" مثلاً هناك ثلاثة معاهد للتعليم الديني، اثنان منها للذكور، وواحدٌ للإناث، وذلك بالإضافة إلى كلية إسلامية. وهناك جمعيات كثيرة تعمل في هذا الحقل، كجمعية "زغرب" التي تهتم بإقامة العديد من المدارس الإسلامية.
وقد نجح المسلمون في استرداد بعض المعابد التي كانت في الأصل مساجد تمّت السيطرة عليها، فأعادوا ترميم ما يمكن ترميمه منهخا، وبناء البعض الآخر من جديد. وهم يَؤُمونها الآن بشكل يومي. وهناك أيضاً العشرات من المساجد التي يُعمل فيها على حفظ القرآن.
كل هذه تعد الحجر الأساس للتربية وخطوة تؤهّل أبناء المسلمين للالتحاق بالكليات التي تدرس العلوم الدينية. كل هذا والمساجد في يوغوسلافيا غير مسموح رفع الأذان فيها، حيث يكتفي بالأذان داخل المسجد دون أن يصل الصوت إلى الخارج.
أما بالنسبة للنشاط السياسي فالمسلمون في يوغوسلافيا لا يهدفون إلى فرض حكم إسلامي على بلد لا يشكلون فيه سوى ربع السكان أو أقل من ذلك، ولذا فإنهم تجنبوا الحياة السياسية في نشاطاتهم، وابتعدوا عنها، مكتفين بالتركيز على الجانب الثقافي محاولين مخاطبة الناس من أجل تحصيل مكاسب تحفظ لهم كيانهم المهدد بالزوال جرّاء عمليات التذويب التي يتعرضون لها. ومن هنا يتبين لنا مدى الضغط الذي يتعرض له مسلمو يوغوسلافيا الذين يقدر عددهم بـ4 ملايين نسمة والاضطهاد الواسع النطاق الذي يلاقونه على جميع المستويات الدينية، والاجتماعية. فمن الجهة السياسية هم مضطرون للابتعاد عن أي نشاط سياسي تحت ضغط الاضطهاد الحكومي والممارسات التعسفية التي تقمع أي تحرك في هذا المجال، وعلى المستوى الديني، فهم معرضون لكثير من الاختراقات لصفوفهم من قبل عناصر تعمل على تشويه صورة الإسلام، وبث العقائد المنحرفة بين المسلمين، وعلى المستوى الثقافي يتعرض المسلمون لحملة كبيرة عمل على تشويه صورة الثقافة الإسلامية وعراقتها. أما على المستوى الاجتماعي، فلا تقل المخاطر والضغوطات عن غيره من المستويات.