•حكاية مثَل عربي: أحمق من هبنّقة
تقول العرب: أحمق من هبنّقة. فمن هذا الرجل؟
هبنّقة هو يزيد بن ثروان ويقال: ابن مروان أحد بني قَيْس بن ثعلبة. ومن علامات حمقه
أنّه جعل في عنقه قلادة من عظام وخزف وقال: أخشى أن أضيّع نفسي ففعلت ذلك لأعرفها
به. فحُوّلت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا!
فمنْ أنا؟
ويُروى أنّه أضاع بعيراً في يوم من الأيام، فصار ينادي: "من وجده فهو له". فقيل له:
فلمَ تريده إذن؟ قال: للوجدان حلاوة في القلب.
واختصمت قبيلتا طفاوة وبني راسب حول رجل ادّعى كلّ فريق أنه من قبيلته، فاحتكموا
إلى هبنّقة لسماع رأيه وحكمه، فقال: الحكم أن يلقى في الماء، فإنْ طفا فهو من طفاوة،
وإنْ رسب فهو من راسب، فقال الرجل: إن كان الحكم هذا فقد زهدتُ في الديوان.
وكان إذا رعى غنماً جعل يختار المراعي للسمان وينحّي المهازيل، ويقول: أنا لا أصلح
ما أفسده الله(1).
•من فروق اللغة
بين العادة والدأْب
- العادة: على ضربين: اختيار أو اضطرار، فالاختيار كتعوّد شرب القهوة وما
يجري مجراها ممّا يُكثر الإنسان فعله، فيعتاده ويصعب عليه مفارقته، والاضطرار: مثل
أكل الطعام وشرب الماء لإقامة الجسد وبقاء الروح وما شاكل ذلك.
- الدأْب: لا يكون إلّا اختياراً كإلقائه التحيّة كلّما لاح له شخصٌ في
الطريق(3).
•نوادر طريفة
1- عالم بالنجوم
قال رجل لعمرو بن دينار: أنا أبصر بالنجوم، فقال له عمرو: أتعرف الهقْعة والقنْعة
والوقْعة؟ قال: نعم. قال: الآن تأكّدت أنّك لا تعلم من النجوم شيئاً.
2- حيلة زوجة
جاء في أدبيّات التراث العربيّ أنّ المروزيّ قال يوماً:
اشترى أبو عبد الحميد سمكة ثمّ نام إلى أن تطبخها زوجته. لكنّ الزوجة أكلتها مع
صاحباتها أثناء نومه، ثم جاءت ببعضٍ منها ومسحت شفتيه وأطراف أصابعه وهو نائم. وحين
انتبه دعا بالغداء قائلاً: هاتوا السمكة.
فقالت له امرأته: يا مخبل، ألست قد أكلتها ونمت؟ ثم انظر، إنّك لم تغسل يديك!
فشمّ يده فوجد ريح السمك، فقام وغسلها وهو يقول: ما رأيت سمكة أمرأ من هذه، لكنّني
لم أشبع منها وجعت سريعاً، فهيئوا لي الغداء.
3- إذا جاء عاشوراء في رمضان
عن إبراهيم بن دينار قال: كان رجل يقول إنّه فقيه، وكان يكنى أبا الغوث وفيه تغفيل.
فقيل له: ما تقول في من نذر صوم عاشوراء فاتفق عاشوراء في رمضان هل يجزي عنها؟
قال المغفّل: فقد نصّ على أنّه يجزي.
•آراء ومواقف لغوية
كان أحدهم يلقي محاضرة في إحدى الجامعات حين قام طالب أراد إحراجه، قائلاً:
ما تقول في قول بشار بن برد:
فتميّزوا يا معشر الأشرار |
إبليس خير من أبيكم آدم |
والطين لا يسمو سمو النار |
إبليس من نار وآدم طينة |
فأجابه المحاضِر بسرعة:
والنار لا تسمو سمو الطين |
إبليس من نار وآدم طينة |
والطين للإنبات والتكوين |
فالنّار تحرق نفسها ومحيطها |
•فصاحة
كان في لسان ابن مُقلة الكاتب لثغة بالراء كلثغة واصل بن عطاء، فأراد أحدهم مرّةً
أن يُحرجه فطلب منه أن يقرأ أمام أحد الأمراء الرّقعة الآتية:
"أمر أمير الأمراء بأن تُحفر بئر على قارعة الطريق ليشرب منها الشارب والوارد".
فكَرِه أن يظهر ما في لفظه من عيب فقرأ كما يلي:
"حكَم حاكم الحكّام بأن يُجعل جُبّ على حافّة الوادي ليستقي منه الغادي والبادي".
•من الحكم الطريفة
دفعوا إلى أعرابية علكاً لتمضغه، فلم تفعل.
فقيل لها: لِمَ لَمْ تعلكي؟ ما بال العلك؟
فقالت : ما فيه إلّا تعب الأضراس وخيبة الحنجرة(5) .
•نقرأ لكم
من الكتاب اللغويّ "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" للسيوطي(6):
"كان اللسانُ الأوّلُ الذي نزل به آدمُ من الجنّة عربيّاً، إلى أن بَعُد العهدُ
وطال، حُرّف وصار سُرْيانيّاً. وهو منسوب إلى أرض سُورَى أو سوريانة؛ وهي أرضُ
الجزيرة، بها كان نوحٌ عليه السلام وقومه قبل الغَرَق [قال:] وكان يُشَاكِل اللسانَ
العربيّ، إلّا أنه محرّف. وهو كان لسانَ جميع مَنْ في سفينة نوح، إلّا رجلاً واحداً،
يُقال له: "جُرهم"، فكان لسانه لسانَ العربيّ الأول، فلمّا خرجُوا من السفينة،
تزوّج "إرَم بن سام" بعض بناته، فمنهم صار اللسانُ العربي في ولده؛ "عَوْص أبي عاد"
و"عَبيل" و"جاثر أبي ثمود" و"جديس". وسُمِّيَت "عادٌ" باسم "جُرهم"؛ لأنّه كان
جدَّهم من الأمّ، وبقي اللسان السريانيّ في ولد "أرْفَخَشْذ بن سام" إلى أن وصل إلى
"يشجب بن قحطان" من ذريّته، وكان باليمن، فنزل هناك بنو إسماعيل، فتعلّم منهم بنو
قحطان اللسانَ العربيّ.
أقسام العرب: قال ابنُ دِحْيَة: العربُ أقسام:
- الأول: عاربة وعُرباء: وهم الخُلَّص. هم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن
نوح، وهي: عاد، ثمود، أُمَيم، عَبيل، طَسْم، جَدِيس، عِمْلِيق، جُرْهم وَوَبار.
ومنهم تعلَّم إسماعيل عليه السلام العربية.
الثاني: المُتَعرّبة: قال في الصحاح: وهم الذين ليسوا بخُلَّص، وهم بنو
قحطان.
والثالث: المُسْتَعرِبة: وهم الذين ليسوا بخلّص، أيضاً كما في الصحاح.
وقال ابنُ دريد في الجمهرة: العربُ العاربة سبع قبائل: عاد، ثمود، عمليق، طَسْم،
جَديس، أُمَيم وجاسم. وقد انْقرض أكثرُهم، إلّا بقايا متفرّقين في القبائل. قال:
وسُمّي يعرب بن قحطان؛ لأنّه أولُ من انعدلَ لسانُه من السُّريانية إلى العربية.
وهذا معنى قول الجوهري في الصحاح: أولُ من تكلَّم بالعربية يعربُ بن قحطان".
(*) أستاذة في الجامعة اللبنانية.
1. يراجع: جمهرة الأمثال، أبو هلال العسكري، ج1، ص385.
2. الفروق اللغوية، أبو الهلال العسكري، ص89.
3.البصائر والذخائر، أبو حيّان التوحيدي.
4. زاد المسير، ابن الجوزي، ص 274.
5. البيان والتبيين، الجاحظ، ص261.
6. جلال الدين السيوطي، ولد سنة ١٤٤٥م، في القاهرة، وتُوفي فيها سنة ١٥٠٥م، ص11.