ليحكم العدو قبضته عليك، يقوم بتدمير نمط حياتك ليمسخه
بما يشبه نمط حياته... وعندها من السهل أن تحاكيه في سلوكك وقيمك وأفكارك. ولذا
يبدأ بالتركيز على مفردات نمط الحياة: الأسرة، المدرسة، الإعلام، ميادين رفد
الثقافة... والغذاء!!! نعم، الغذاء على بساطته، هو إحدى مفردات حياتنا، لكنّه يرتبط
بأمور كثيرة تعكس بنية خاصّة لمجتمعاتنا التي توصف بالممانعة. هل يمكن أن يغزوها
العدوّ في حربه الناعمة؟! كيف يصبح الطعام سلاحاً فتّاكاً في هذه الحرب الخفيّة؟
وما هي مفاعيل هذا السلاح؟ وكيف نَقي أنفسَنا وأهلينا ومجتمعنا هذه المفاعيل؟ هذا
ما سنحاول عرضه في هذا المقال.
•لا نزال بخير لولا...
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "لا
تزال هذه الأمة بخير ما لم يلبسوا لباس العجم [غير العرب] ويُطعَموا أطعمة العجم،
فإذا فعلوا ذلك ضربهم الله بالذل"(1).
لقد حذّر الأمير عليه السلام من وقوع أمّة المسلمين بالذلّ، وذلك عبر تغيّر مفردتين
من نمط حياة هذه الأمّة، وهما اللباس والطعام. وهنا قد يتعجّب المرء لذكرهما دون
غيرهما كونهما عادة يندرجان في نمط الحياة بشكل عفويّ ولا يلحظ الناس دورهما في
ثقافة الإنسان ودلالتهما على قيمه وحضارته. ولكن اختيار الأمير إياهما يشير إلى
دورهما في التغيير الثقافيّ لأيّ مجتمع قد لا يربطهما أفراده به. وهنا تكمُن
خطورتهما. وهذا نفسه الذي نشهد مصاديقه في عصرنا الحاضر من خلال استفادة زعماء
الحرب الناعمة من أدوات عدّة، منها الغذاء كأداة لتطبيع ضحيّتهم بثقافتهم الهجينة.
•الصحّة في الغذاء السليم
يعتبر الغذاء من مقوّمات الحياة، ومع السليم منه تستقيم صحّة المرء فيستطيع حينها
أن ينطلق للقيام بجميع تكاليفه بكل جدّ ونشاط.
لذلك، نرى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "اللهمّ بارك لنا في
الخبز ولا تفرّق بيننا وبين الخبز، فلولا الخبز ما صمنا ولا صلّينا ولا أدّينا
فرائض ربّنا"(2). وسواء كان الخبز في هذه الرواية معنيّاً به خصوص الخبز أو هو
كناية عن كلّ أنواع الطعام، فإنّ الرواية تشير إلى أهميّة الطعام ودوره في قيام
المرء بوظائفه الدنيويّة والعباديّة.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ بليغٍ ومعبّرٍ للمفضّل بن عمر، جاء فيه:
"واعلمْ يا مُفضّلُ أنّ رأس معاشِ الإنسانِ وحياتَهُ: الخبز والماء، فانظُر كيفَ
دُبّرَ الأمرُ فيهما"(3). وما نشهده اليوم في الحرب الناعمة هو ضرب لصحّة
الإنسان فيما يتعلّق بمفرَدَة الغذاء من خلال تأسيس لعلاقة ممسوخة مع الطعام قوامها
اللذّة. يروى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: "ليس شيء أضرّ لقلب
المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة"(4).
•الغذاء سلاح في الحرب الناعمة
لا يَخفى على أحد جاذبيّة عامل الشهوة في تطبيع المستهدَف في هذه الحرب وجعله
منقاداً بشكل إراديّ لتبنيّ النمط الجديد في السلوك الغذائيّ الذي من أبرز مصاديقه
الأمور التالية:
1- غياب الضابطة في اختيار الموادّ الصالحة لتناولها كغذاء. فالإسلام يفرّق بين
الطيّبات والخبائث وبين ما يؤكل وما لا يؤكل. ولكن نرى اليوم ترويجاً لبعض الموادّ
كمأكولات أو هي تدخل في تصنيعها كونها ترضي الذوق السطحيّ أو المادّي في تناول
الطعام. فمن مصاديق هذه الموادّ مثلاً: الحشرات (حيث تستعمل البقّة في استخراج
اللون الأحمر) (5)، الدم (ويستخدم في بعض الدول الأوروبية والآسيوية في صناعة
البسكويت، والعصيدة (الحلوى الشعبية)، والخبز، والنقانق... (6)، ممّا أدى إلى إفساد
الذوق الإنسانيّ في اختيار الطعام وتناوله.
2- زيادة الاهتمام بشكل المنتج الغذائيّ على حساب سلامة هذا المنتج وصلاحيّته
في الحفاظ على صحة الجسد، حيث يعمل الشكل على زيادة جاذبيّته عند المستهلك، مثلاً:
استخدام الألوان غير المرخّصة في السكاكر والعلكة والتي تسبّب الحساسيّة، والربو
والسرطان. مثلاً اللون الأصفر E102 Yellow #5 (Tartrazine) and Yellow #6 يسبب قلّة
التركيز عند الأطفال، الحساسيّة، الحكّة...(7).
3- رَواج عادة الشراء من البقالة عند الأطفال واستبدال الفواكه أو الصناعات
المنزليّة بمشتريات البقالة، كونها ترضي اللذّة عند الطفل، ولذلك تصبح السكاكر
والشوكولا ورقائق البطاطا... أكثر مقبوليّةً من الفواكه التي يحتاجها جسده لتقوية
المناعة عنده ضدّ الأمراض، عدا عن فوائدها الأخرى العديدة.
4- الغياب التدريجيّ لبعض الأصناف الغذائيّة الأساسيّة، في النظام الغذائيّ اليوميّ:
كالفواكه، والخضار الطازجة، بسبب استبدالها بالوجبات السريعة التي تتميّز
بأنّها لا تحتوي على الفواكه والسلطات الطازجة التي يحلّ محلّها الكاتشاب،
والمايونيز والمشروبات الغازية... وهذا قد يكون السبب الرئيس في ازدياد ضعف المناعة
والإمساك وغيرهما من الأمراض المعاصرة.
5- رواج عادة تناول الطعام الجاهز بدلاً عن الطعام الذي تعدّه الأمّ في المنزل،
والذي لا يقارن بالطعام الجاهز من حيث جودة الطعام المنزليّ الغذائيّة، والصحيّة
وتدنّي كلفته ... وهو ناتج عن انخفاض هذه المعايير الأخيرة في اختيار الطعام مقابل
ارتفاع معيارَي اللذّة والراحة عند المستهلك.
6- زيادة مرض السمنة عند أفراد المجتمع، والذي يعتبر السبب الرئيس في كثير من
الأمراض كالسكّريّ، وارتفاع الضغط وأمراض القلب... وذلك أنّ تناول الطعام صار سبباً
لإرضاء اللذة وليس لإشباع الجوع.
7- ظهور أعراض صحية ناتجة عن الاهتمام الزائد بطعم، وشكل المنتج الغذائيّ على حساب
قيمته الغذائية؛ كازدياد أعراض نقص الحديد، والكالسيوم، والمغنيزيوم، وذلك بسبب
تفضيل استعمال الحبوب المكرّرة والسكر الأبيض، حيث يعمل التكرير على تحسين شكل
المنتج الغذائي المصنّع منها ومذاقه. ولكن يفقده الكثير من الفيتامينات والمعادن
التي يحتاجها الجسم في عمليّة هضمه. لذلك نلحظ في عصرنا الحاضر ظاهرة نقص
المغنيزيوم عند الكثيرين، ومن أهمّ أسباب ذلك كثرة تناول السكّر والحبوب المكرّرة.
ومن أهمّ أعراض نقص المغنيزيوم في الجسم: هشاشة العظام، انقباض في العضلات، انخفاض
في صحّة القلب، الشعور بالتعب، الشعور بالقلق...
8- الاهتمام بتصنيع المنتَج المنخفــض الســـعر كبـــديل عن الأصــليّ، حتّى لو
كان ذلك في معظـــم الأحيــان على حســـاب جودتــــه الغذائيــة، مثـــلاً: صناعـة
الكريمـــا من الزيوت كبديل عن الكريما المستخرجة من الحليب الطازج والتي يكون
سعرها مضاعفاً، كذلك صناعة جبن القشقوان، واللبنة، والحليب المحلّى المكثّف من غير
الحليب...
•كيف نواجه ونقي أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا قوة الغذاء
الناعمة؟
لا تكفي معرفة أخطار الحرب الناعمة وتأثيراتها السلبيّة على صحّتنا ونمط حياتنا
وأعرافنا وتقاليدنا، والأهمّ من ذلك كلّه على التزامنا بتعاليم ديننا، بل لا بد من
المبادرة إلى كل ما يحصّننا وفلذات أكبادنا ومجتمعنا من أخطارها. لذلك علينا
الالتزام بما يلي:
- أولاً: أن لا نكتفي بالحكم الفقهيّ، بل علينا بالورع عند الشبهات؛ لأنّ
هذا العصر يتّسم برواج المفاسد وطغيان الترويج الإعلاميّ الكاذب الذي لا يشير إلى
كلّ حقائق المنتوجات الغذائيّة المصنّعة، فيسهل جذب المستهلك الغافل عن خبايا هذه
المسائل، ويقع فريسة لتناول طعام محرّم أو أقلّه ما يلحق الضرر به.
- ثانياً: الاطّلاع على الواقع الغذائيّ بشكل مستمرّ ومعرفة ما يستجدّ عليه
من تطوّر في الصناعات والمضافات لتمييز الطيّبات من السلع الغذائية عن الخبائث منها.
فكلّ مسلم مطالب بالتمسّك بشريعته والحفاظ عليها والدعوة إلى تطبيقها من أجل
التمهيد لدولة العدل الإلهيّ.
(*) مجازة في التغذية.
1.المحاسن، البرقي، ج2، ص410.
2.وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج24، ص323.
3.التوحيد، المفضل الجعفي، ص45.
4.مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج3، ص80.
5.في 1/11/2016:https://youtu.be/9YzM1Edb6mo
6.في 1/11/2016، http://journals.iium.edu.my/revival/index.php/revival/article/download/15/3
7.في 1/11/2016، http://www.naturalnews.com/tartrazine.html