مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا: منافقٌ حتّى في توبته(*)


السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب

 

لا يقتصر النفاق على إظهار الإيمان أو التقوى والإخلاص، في حين أنّ الباطن مليء بظلمة الكفر والشرك، بل قد يقع الفرد في شباك النفاق إذا ما أراد التوبة من الذنب. كيف ذلك؟ وما هي مراتب النفاق في التوبة؟ وكيف يخدع المنافق نفسه؟ هذا ما سنتعرّف إليه في هذا المقال. 

•مراتب النفاق في التوبة
1. الاستغفار باللسان فقط: أولى المراتب هي عندما يقول الإنسان: "ندمت على ذنوبي وتبت"، ويستغفر بلسانه في حين لا يكون نادماً بقلبه، ولا مقلعاً عن ذنبه، بل هو مصرّ عليه ومستمرّ به. يكون هذا الإنسان مبتلى بأسوأ مراتب النفاق في التوبة. يقول الإمام الرضا عليه السلام: "والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربّه"(1).

2. عدم الندامة القلبيّة: المرتبة التالية، مرتبة مَن ترك الذنب ولكن لم يندم قلبه، فإذا قال: تبت، فهو كاذب؛ لأنّ حقيقة التوبة الندم القلبيّ على الذنب، مثلاً: أن يندم على ذنبه، لكن لا يكون ندمه لله، بل للأضرار والابتلاءات الدنيويّة التي سبّبها له الذنب، كأن يكون ارتكب ذنباً مضرّاً ببدنه، أو تسبّب بفضيحة لنفسه، أو جرّ عليه العمل سجناً أو عقوبات أخرى من الحكومة، إن قال: أستغفر الله، لهذا السبب، فهو منافق وكاذب.

3. الخوف من عذاب الآخرة: المرتبة الأخيرة، مرتبة الشخص الذي ترك الذنب وهو نادم جدّاً على ما فعل، ولكن سبب تألّمه وحزنه هو ابتلاؤه بعذاب الآخرة وحرمانه من الثواب الإلهيّ. مَثَلُ توبة شخص من هذا القبيل واعتذاره من الله سبحانه كمثل شخص ظالم وجانٍ مطارد من قِبل الحكومة لإلقائه في السجن عقاباً له؛ لذا يضطرّ للاعتذار من المظلوم وطلب المسامحة وتحصيل رضاه حتّى يتخلّص من شرّ الحكومة، في حين أنّه لولا ملاحقة الحكومة والخوف منها لما اعتنى بالمظلوم أبداً.

هذا الاعتذار ليس حقيقيّاً وليس صادقاً، بل هو مكر بهدف الخلاص من العقوبة. والشخص الذي يندم على ذنوبه خوفاً من جهنّم وعذابها ويطلب العذر من الله؛ ليتخلّص من النار، لم يتب بعد توبةً نصوحاً، فلو اطمأنّ إلى أنّه لن يدخل النار لما تاب ولما ندم، ولما عدّ نفسه عاصياً.

•يعفو الله بفضله
مع ذلك، يبقى الأمل بالفضل الإلهيّ، وذلك أنّ الذين يندمون خوفاً من العذاب والحرمان من الثواب، سيتوبون، وإذا كانوا عازمين على الترك في المستقبل وتدارك ما مضى، فإنّ الله بفضله يتقبّل توبتهم وينجيهم ممّا يحذرون، (أي عذاب جهنّم)، وينيلهم ما يؤمّلون (أي الجنّة).

•ماذا يكسب المنافق؟
لا يحصل المنافق بسلوكه على أيّ نفع، ولا يضرّ سوى نفسه؛ لأنّ خالق العالم الذي يعلم السرّ وأخفى، لن يجعله في عداد الصادقين، ولن ينطلي عليه تعالى ظاهر الإنسان المخادع، فسيرميه بسبب خبث باطنه وتظاهره بالصلاح إلى أسفل السافلين في جهنّم: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم﴾ (البقرة: 9).

ورغم عدم وجود الإيمان في قلبه، فإنّه يُظهره باللسان حتّى يستفيد من الأحكام والآثار الدنيويّة المترتّبة عليه، كطهارة البدن والإرث والنكاح والأشياء الأخرى التي هي من الأحكام الظاهريّة في الإسلام، ولكي يُحسب من المؤمنين.

كذلك المرائي الذي يؤدّي بعض العبادات؛ لكي يكسب جاهاً بين الناس في الدنيا ويكون له ثوابٌ في الآخرة، فهو بهذا السلوك يحسب نفسه ذكيّاً محتالاً رابحاً، في حين أنّه بسلوكه الأحمق هذا أو بتصوّره الفاسد قد خدع نفسه؛ لأنّه لن يجني في العالم الآخر، الذي هو عالم ظهور الحقيقة وانكشاف الباطن، إلّا ظلام الكفر والشرك، وكلّ ما أدّاه رياءً من العبادات والحسنات والخيرات بتصوّره، سوف يراه في عداد سيّئاته؛ لأنّ الحسنة هي العمل الخالص الذي يكون لله فقط، وعندما يكون غير الله على نحو الاستقلال أو الإشراك هدفاً في العمل، فإنّه يُحسب سيّئة بالتأكيد.

ما يستفيده المنافق في الدنيا من إظهاره الإسلام كطهارة البدن والنكاح والإرث، هو من آثار إسلامه الظاهريّ وليس من آثار نفاقه واحتياله؛ لأنّ مشرّع الإسلام جعل هذه الأحكام للإسلام الظاهريّ لحِكم عدّة، دون البحث عن باطن الأشخاص؛ أي أنّ من يُظهر الإسلام، ما دام كذبه لم ينكشف، فهو طاهر ولا فرق بينه وبين سائر المسلمين في النكاح والإرث، حتّى إذا كان في الحقيقة كاذباً والمسلمون لا يعلمون.

•استدراج المنافق للعقوبة
أمّا ما يكسبه من الآثار الماديّة الأخرى، أي ثراؤه وحصوله على الجاه والمقام بسبب الاحتيال والرياء، فيجب أن يعلم، أوّلاً، أنّ الكذب غالباً ما ينكشف، والشخص الكاذب لا يصل إلى مبتغاه، وثانياً، أنّ قلوب الناس بيد الله، وإذا قضت المشيئة الإلهيّة أن يُخدع الناس به، فيجب أن يعلم أنّ هذه الأمور مهلة أُعطيت له ليصل إلى جزء من أهدافه، وهي استدراجٌ له في حال أصرّ على الخداع؛ لأنّه يتصوّر أنّ هذه المهلة تنفعه في حين أنّها ضرر عليه، حيث إنّه كلّما أُمهل في الدنيا أكثر، يظلّ يحتال، وهذا يزيد في ظلمة قلبه واستحقاقه العقوبة التي تواجهه في الآخرة. يقول تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ (النساء: 142).

•المنافق يعيش ضيقاً
أمّا بالنسبة إلى دنياه، فإنّ المال والمقام الذي يصل إليه بالاحتيال ليس إلّا عذاباً له في هذه الدنيا، وما يكسبه لسعادته وراحته لن يستفيد منه إلّا النكبة والوبال. وهذا المعنى واضح في الأثرياء غير المؤمنين؛ فعلى الرغم من أنّ ظاهرهم رفاهية العيش والراحة، إلّا أنّهم في الباطن في منتهى الضيق والضنك، وهم مبتلون بالمنغّصات دائماً، يحترقون بنار الحرص والحسد والبخل، وغيرها من الآفات، يقول تعالى: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ (التوبة: 55).

•وما يخدع إلّا نفسه
تأمّل في هذه القصّة عن آكل الطين والعطّار: 
يُحكى أنّ شخصاً كان معتاداً على أكل الطين، ذهب إلى عطّار ليشتري سكّراً، وقد كان الوَزْنُ الذي يزن به العطّار من طين. فوضع العطّار وزنه في كفّة الميزان وذهب لإحضار السكّر، ففرح المشتري آكل الطين بابتعاد العطّار وشرع يأكل من الوزن، فتنبّه العطّار له، إلّا أنّه تأخّر عمداً. هنا، فرح المشتري وتصوّر أنّه لا يزال يخدعه، والعطّار تأخّر أيضاً مطمئناً؛ لأنّه كان يعلم أنّ المشتري التعيس إنّما يخدع نفسه، لأنّه كلّما أكل من الوزن كلّما قلّت كميّة السكّر التي سيأخذها!

(*) مقتبس من: كتاب القلب السليم، ج 1، ص 95 - 100.
1.الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 504.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع