إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

كشكول الأدب

فاطمة بري بدير


* آراء ومواقف لغويّة
1- روي أن شاعرَين تنافسا واحتكما إلى بشار بن بُرد، فاستمع إلى أحدهما ولم يعجبه شعره، فقال له: لعلك من بيت النبوة؟ ففرح هذا الأخير لما يعنيه التشبيه ببيت النبوّة من حيث الفصاحة والبلاغة، لكنّ بشّاراً كان يشير إلى الآية الكريمة: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ (يس: 69).

2- كان ابن المقفع والخليل يحبّان أن يجتمعا، فاتّفق التقاؤهما، فاجتمعا ثلاثة أيّام يتحاوران، فقيل لابن المقفع: كيف رأيته؟ فقال: وجدت رجلاً عقله زائد على علمه. وسئل الخليل عنه فقال: وجدت رجلاً علمه فوق عقله؛ قال بعض العلماء: صدقا فإنّ الخليل مات حتف أنفه في خصّ وهو أزهد خلق الله، وتعاطى ابن المقفع ما كان مستغنياً عنه حتى قُتل أسوأ قتلة(1).

* السعادة من منظور الحكماء
تسرد الحكاية سيرة أرملة عاشت مع ابنها الوحيد في سعادة ورضى إلى أن جاء الموت وخطف منها ابنها وهو في زَهو شبابه، فحزنت حزناً فاق طاقتها، وذهبت إلى أحَد الحكماء، طالبةً منه أن يعيد إليها ابنها. لم يتّهمها الحكيم بالجنون، بل قال لها بهدوء: إحضار ابنك يتطلّب أوّلاً أن تحضري لي حبّة خردل واحدة فقط من بيتٍ لم يدْخله الحزن.
حبّة واحدة من الخردل تفصل بينها وبين ابنها.
فرحت الأم باقتراب الفرج، وأخذت تدور على بيوت القرية لتجد حبّة الخردل السحرية. طرقت باباً، ففتحت لها امرأة شابة فسألتها: هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ ابتسمت المرأة ابتسامة حزينة قائلة: وهل عرف بيتي إلّا الأحزان؟ وحكت كيف توفّي زوجها وترك لها خمسة أطفال! تأثّرت السيدة بما رأت وسمعت وصارت تواسيها. ثم دخلت بيتاً علمت من صاحبته أن زوجها طريح الفراش، ولا تملك طعاماً لأطفالها. فذهبت الأم إلى السوق، واشترت بكلّ ما معها طعاماً للمرأة وساعدتها في طبخ وجبة للأولاد، واشتركت معها في إطعامهم ثم ودّعتها.

وفي الصباح عادت تطوف من بيت إلى بيت لتجد حبّة الخردل، فطال بحثها ولم تجد بيتاً لم يعرف الحزن، لكي تأخذ من أهله حبّة الخردل. ومع مرور الأيام أصبحت الأم صديقة لبيوت القرية، ونسيت تماماً أنها كانت تبحث عن حبّة خردل من بيت لم يعرف الحزن. انهمكت في مشاكل الآخرين ومشاعرهم. اكتشفت الثكلى أنّه لا يوجد بيتٌ في الكون يمكن أن يكون خالياً من الحزن.

* تعريفات أدبية
قال أحد الشعراء في وصف القلم:

وبيت بعلياءِ الفلاة بنيته باسمي مشقوق الخياشيم يرعف


وقال آخر:

وأجوف يمشي على رأسه يطير حثيثاً على أملس
فهمّت بآثاره ما مضى وما هو آت ولم يلبس

وذكر ابن رشيق القيرواني في كتاب "العمدة" تعريفاً طريفاً للبلاغة،
حيث يقول: "البلاغة هي إجاعة اللفظ، وإشباع المعنى".
وعلى هذا التعريف علّق أحد الظرفاء "يبدو أنه كتَبه وهو جائع"!

* نحن نقرأ لكم
من الأدب الأفغاني للروائي والأديب الأفغاني "خالد حسيني"، من روايته الرائعة: "عدّاء الطائرة الورقيّة"، حيث أجاد الكاتب وصف الحالة النفسيّة للطفل حين تنفّسه وهو خائف هارب داخل خزّان الوقود، بطريقة مميّزة قد تدفع القارئ لمعايشة ذلك الإحساس بقدر ما أصبح قريباً منه:

"لم يكن هناك شاحنة. عرفنا بعد أن أمضينا أسبوعاً في ذلك القبو المليء بالجرذان. هناك خيار آخر، الهروب في شاحنة وقود هرّبت الناس مرتين، صاحبها الآن في "جلال آباد" وهي لن تتّسع للجميع.

صعدنا إلى مؤخّرة الشاحنة وتسلّقنا السلم ثم انزلقنا داخل خزان الوقود. أذكر أن بابا تسلّق نصف السلّم ثم قفز إلى الأرض، أمسك بعلبة نشوقه(2) أفرغها، وأمسك بحفنة من التراب من منتصف الشارع، قبّل التراب ووضعه في العلبة، ووضعها في جيب قميصه، ملتصقة بقلبه.

أيّ ذعرٍ هذا! تفتح فمك حتى يؤلمك وتأمر رئتيك أن تستنشقا الهواء لكنّ مجاري الهواء تتجاهل الأمر. تنهار، تضيق وتشدّ على صدرك.. رائحة الغازولين، شعرت بعينَيّ تحترقان كأنّ أحداً رفع رموشي وفركها بالليمون.. أصوات وروائح، طائرات ميغ تزأر فوق رؤوسنا، رشقات رصاص، أصوات الأجراس في أعناق الغنم الثاغي، ثم الضوء المُعمي للأبصار، في اليوم التالي بينما خرجت من الشاحنة. استلقيت على التراب قرب خندق صخري، سمعت صوت بابا:
- نحن في باكستان، سيأتي من يأخذنا إلى بيشاور".

* الحثّ على ترك فضول الكلام
- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أمسك الفضْل من قوله وأنفَق الفضل من ماله"(3).
- قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعِن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك إلى القول. فإنّ للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب(4).
- وقيل: مَن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه.
- وقال عبد الله بن طاهر لبعض ندمائه: يا هذا أما أقللت فضولك أو أقللت دخولك؟
- وقيل: فضْل النظر يدعو إلى فضْل القول.
- وفي الحثّ على السكوت والترغيب به، قال الشاعر:
لو كان من فضة تكلُّم ذي النطق لكان السكوت من ذهب

- وفي ذمّ الإكثار من الكلام قيل:
مَنْ أطلق لسانه بكلّ ما يحبّ كان أكثر مقامه حيث لا يحبّ.

* الفرق بين النعت والوصف
قيل: هما مترادفان، والفرق بينهما أنّ "الوصف" ما كان بالحال المتنقّلة: كالقيام والقعود. أمّا "النعت" فما كان في خَلق وخُلق. كالبياض والكرم. ولهذا لا يجوز إطلاق النعت على الله سبحانه، لأنّ صفاته لا تزول. وقد ورد في الأدعية المأثورة "يا من عجزت عن نعته أوصاف الواصفين".

قال ابن الاثير: "النعت وصف الشيء بما فيه من حسن، ولا يقال في القبيح، إلّا أن الوصف يقال في الحسن وفي القبيح". والنعت فيما حكى أبو العلاء لِما يتغيّر من الصفات. والصفة لما يتغيّر ولما لا يتغير(5).


(1) كتاب البصائر والنضائر، أبي حيان التوحيدي.
(2) علبة النشوق: يوضع فيها تبغ أو مادة ذات رائحة قوية لتساعد على العطس.
(3) ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري، ج2، ص132.
(4) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج27، ص378.
(5) معجم الفروق اللغويّة، العسكري، ص544.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع