مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف نواجه الخرافة؟

د. سحر مصطفى(*)
 


تكاد لا تخلو ثقافة شعب من الشعوب من معتقدات وممارسات لا تخضع للمنطق والعقل، ولا تجد مبرراً لتعلّق الناس وتصديقهم بها... وقد احتلّت هذه الأمور، بمسميّاتها المختلفة، حيّزاً كبيراً من الدراسات في حقول العلوم الإنسانيّة وبشكل خاصّ علم "الأنتروبولوجيا"(1) أو "الأناسة". فقد انكبّ علماء الأنتروبولوجيا على دراسة الخرافات والسحر والشعوذة، والاعتقاد بوجود كائنات غريبة تؤثّر في حياة الناس، وغيرها من المصطلحات التي، وإن اختلفت دلالاتها وتعريفاتها، إلّا أنّها تشترك في كونها لا تعتمد على أيّ تفسير علميّ منطقيّ...

جهد العلماء في تقديم تفسيرات شتّى لهذه المعتقدات والممارسات، لن نخوض في غمارها في خضمّ هذه المقالة... ولكنّ خلاصة أغلب هذه المذاهب العلمية تذهب إلى القول إنّ المجتمعات المسمّاة بدائيّة كانت تلجأ إلى هذه الممارسات لتفسير الظواهر المحيطة ودرء المخاطر عنها، حيث لم تكن تملك تفسيراً علميّاً لها... وإنّ مصدر الخرافات كان مخاوف الإنسان نفسه من العالمَين الماديّ والمعنويّ.

* أسباب انتشار الاعتقاد بالسحر
أظهرت الدراسات الميدانية(2) أنّ المعتقدات الشعبية في السحر ما زال لها انتشار واسع وممتدّ في المجتمعات الشعبيّة؛ وذلك لأسباب عدّة، منها:

أ- ازدياد المشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ ما جعل الناس ترزح تحت ضغوطات نفسيّة، دفعت بهم إلى التعلّق بأيّ حلّ سهل يعتقدون بأنّه سينتشلهم ممّا هم فيه، فلجأوا إلى السَحَرَة والدجّالين.

ب- نمط الحياة الاستهلاكيّة وركون الناس إلى كلّ ما هو سريع، وتراجع المهارات الحياتية ومهارات حلّ المشاكل، جعلهم يلوذون بالخرافات والحلول السحرية، ويرُدُّون أيّ فشل إلى الحسد والأعمال السحريّة "الكتيبة"(3) وغيرها...

ج- عموماً، القسم الأكبر من الأشخاص الذين يستعينون بالسحرة والمشعوذين هم من أصحاب المستويات التعليميّة المتدنية، ولكنّ هذا لا يعني أنّ أصحاب الشهادات الجامعية والعليا لا يلجأون إلى السحرة لحلّ مشكلاتهم، وخصوصاً بعد فشل حلّها بالطرق العادية.

د- أظهرت الدراسة الميدانية ارتفاع نسبة الإناث عن الذكور في اللجوء إلى السحرة؛ لأنّ النساء أكثر الفئات احتفاظاً بالمعتقدات وتتوارثها جيلاً بعد جيل.

* نماذج من الخرافات
ومن الأمور التي تستدعي التوقّف عندها وجود خرافات مشتركة بين مختلف شعوب العالم وبشكل خاصّ فيما يتعلّق بالماء، ونحوسة بعض الأرقام أو الأيام، أو التفاؤل والتشاؤم ببعض الحيوانات، أو الدلالات والتفسيرات التي تعطى لرفّة العين وحكاك الأنف والكفّين، والاعتقاد بالعين الحاسدة أو "صيبة العين" (كما يقال) وغيرها. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1- إذا انتابتك حكّة في أنفك، فإنّك ستحلّ ضيفاً على أحدهم.
2- يقول بعض أرباب الخرافة: إنّ الشيطان يشمئزّ كثيراً من الماء الساخن، فإذا صادفته كمية من الماء الساخن، فإنّه سينغِّص عيش أصحابه لا محالة.
3- التشاؤم بالعدد 13 رائج كثيراً بين مختلف الشعوب.
4- يعدّ يوم الأربعاء في معظم الخرافات في أوروبا يوماً منحوساً، أمّا في أمريكا فالقضية على عكس ذلك تماماً.
5- حكُّ الكفِّ: إذا حكَّ المرء الكفَّ اليسرى فمعنى ذلك أنّه سيصرف مالاً، أما حكّ اليد اليمنى فإنّه سيقبض مالاً، أو ربّما العكس عند آخرين.
6- اختلاج الأجفان العلوية: إذا اهتزَّ أحد الجفنين بصفة متواصلة فهو يُنْبِئ عن قدوم شخص طال غيابه.
7- حكُّ القدمين: يدلُّ على سفر أو ركوب مركب.
8- العتبة، حسب الاعتقاد السّائد في كثير من المجتمعات، طالما كانت هي مسكَن الأرواح الشّريرة، فهي المكان الأفضل لممارسة السّحر وطمّ الأحجبة أو دفن عظام أو رشّ ماء مسحور، إمّا لإلحاق ضرر أو لجلب منفعة لأهل البيت عن طريق السّحر وفنونه...

إنّ الاعتقاد بالحسد والعين الشريرة يمكن اعتباره من أوسع المعتقدات انتشاراً في البنية الاجتماعيّة بمختلف شرائحها، والاعتقاد بالحسد قديم وواسع الانتشار بين الشعوب المختلفة.
وما زال كُتّاب الحُجب وغيرهم من "المشعوذين" يجدون سوقاً رائجة وخاصة في الأحياء الشعبية ليبيعوا الخرزة الزرقاء والرصاصة لسكبها وغيرها من مستلزمات. وما زالت عادة استعمال الدُمى على شكل إنسان، يمثّل الحاسد، تخزق عينيها بدبوس ثم يلقى بها في النار لإزالة الحسد.

* أثر الاعتقاد بالخرافات على المجتمع والافراد
يمكن تصنيف المعتقدات الخرافيّة وفْق درجة تحكّمها بتصرّفات الناس واعتمادهم عليها في تحديد مجريات حياتهم اليوميّة ومستقبلهم:

1- هناك معتقدات خرافيّة بسيطة شائعة لا تؤثّر على حياة الناس، يتعاطون معها على سبيل التندّر، كدلالات حكّة الأنف واليد، ورفّة العين، وما إلى ذلك.

2- الاعتقاد بالأبراج والتبصير والتنبّؤ بالمستقبل يمكن تصنيفه بالمتوسّط الخطورة، إذا لم يتحوّل إلى شرط أساس للأشخاص للقيام بالأفعال.

3- السحَرة والمشعوِذون الذين يطلبون من الناس إحضار أدوات غريبة ويوهمونهم بتسلّط المخلوقات الأخرى، من جنّ وشياطين، على حياتهم. فإنّهم يتحكّمون بشكل كبير بالناس، ويجري استخدامهم لأمور سلبيّة، ولها تداعياتها على المجتمع، كالتفريق بين الأزواج، وضرب تجارة أشخاص، وما إلى ذلك.

ويمكن اعتبار الاعتقاد بالسحر والشعوذة من الأمور الأكثر خطورة على الأفراد، وبالتالي على المجتمع. فلجوء الناس إلى الدجّالين من سَحَرة ومشعوذين، ينبئ عن حالة قصور في حلّ المشاكل، ويجعلهم تحت رحمة هؤلاء الذين يُدخلونهم بدورهم في دوّامة لا تنتهي من الطلبات. والمشكلة أن كثيراً من الناس لا زال يرفض وجود أمراض نفسيّة وعقليّة، ويَعْزو أيّ اضطراب نفسيّ إلى سيطرة الشياطين والجانّ على الناس "تلبّس الجانّ للناس". وهذا الأمر من الخطورة بمكان، حيث يلجأ المشعوذون إلى ضرب الأشخاص المفترض أنهم ممسوسون؛ ما يعرّضهم لمخاطر إضافيّة تزيد وضعهم المرضيّ سوءاً.

كما إنّ الاعتقاد بالحسد وصيبة العين، يجعل الناس يعيشون حالة تخوّف من الآخر، وسوء ظنّ، عكس ما يطلبه الإسلام من حسن الظنّ بالمؤمنين وأجواء المحبة والاعتماد المتبادل بين الناس...

* حلول مقترحة
إنّ مقاربة هذا الموضوع ومعالجته يجب أن تكونا متناسبتين مع حجم الظاهرة. ومن الأمور التي يمكن أن تساهم في تخفيف التداعيات السلبيّة للاعتقاد بالخرافات على صعيد الأفراد والمجتمع:

1- دفع الشبهات التي تخلط بين المعتقدات الدينيّة والخرافة، لأنّ استشهاد المروّجين للخرافات بتفسير معيّن للنصّ الدينيّ يدعم حججهم ويجعل الناس أقرب إلى تصديقهم والتعامل معهم.

2- البرامج الإعلاميّة التي تفنّد الخرافات وتبيّن زيف ما يدّعيه الدجّالون، فنحن، للأسف، نجد الكثير من الوسائل الإعلامية ذات الجمهور الكبير، يفتح، للدجالين والمنجّمين والعرّافين، منابر خاصّة وبرامج ذائعة الصيت؛ ما يساهم في الترويج لهم.

3- تعزيز مهارات حلّ المشكلات عند الناس من خلال "ورش تدريبية"، تنظّمها البلديّات وجمعيّات المجتمع المدنيّ...

4- تعزيز ثقافة الاسترشاد بالمختصّين، وتأمين مراكز موثوقة للإرشاد والتوجيه.

5- رفع مستوى الخدمات الطبيّة والاجتماعيّة والثقافة للناس.

خلاصة القول، إنّ الاعتقاد بالخرافات ظاهرة نفسيّة اجتماعيّة عالميّة بامتياز تغلغلت في أذهان البشر منذ آلاف السنين، تتفاوت حدّتها بين مجتمع وآخر وفقاً لمجموعة من العوامل، فنجد المجتمعات الإفريقية عموماً لا تزال تخضع لسلطة السحرة والمشعوذين، الذين يمتلكون فيها نفوذاً قويّاً، ويتطيّر أهلها بالكثير من الحيوانات والظواهر، بينما تتحوّل هذه المعتقدات إلى فردية في مجتمعات أخرى لا تملك أيّ سطوة على عموم المجتمع.


(*) مسؤولة الدراسات في مركز أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي، أستاذة جامعية.
(1) علم يهتم بدراسة السلوك الإنساني.
(2) "أسرار السحر والشعوذة"، مركز الدراسات والترجمة، ص124-126.
(3) كتابة سحرية تُكتب على أوراق وتوضع في أماكن معيّنة، وهي تستخدم عموماً للأمور الشريرة، مثل تفريق الأزواج، وبثّ الفرقة، وتعسير رزق الأشخاص...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع